قال لي "ليتني أستطيع ان اضغط زر تراجع"، وهو يضحك. وعكست النظرة في عينيه جديّة أقواله. لم تتمكن عيناه كم هما حلوتان، هاتان العينان من تنظيم ما رأتاه في عيني. ولم يجد حلاً لهذا الاضطراب سوى أمنية الرجوع. يريد العودة إلى الوراء خطوة خطوة، حتى يصل إلى نقطة البدء التي يفترض ان فيها الأمان.ش هل لي أن اعرفكم إلى حبيبي؟ انه شاب عصري تماماً. اعتاد ان يعيش حياته وكأنه دوماً أمام شاشة الكومبيوتر. يفكر دائماً ان هناك "سيناريو" تفاعلياً معداً سلفاً، وأن فيه تسلسلاً منطقياً للأحداث، اي كما هي الحال في ألعاب الكومبيوتر. ويأخذ خبرات الماضي ليقوم ب"ترقية نفسه"، اي انه يتبع طرق برامج الحاسوب ويمحو الأخطاء ويسد الثغرات ويكمل مسيرته إلى الأمام ويعتمد فلسفة في الحياة قوامها البدء ب"النسخة 1"، فإذا لم تعط اجابات عن كل المواقف، يجب تطوير الامور والانتقال الى "النسخة 1.5"، ثم "النسخة 2" وهكذا دواليك. وفي معنى آخر، فإنه يوجه حياته بناء على سلاسل من الاستراتيجيات السلوكية التي ترد على ظروف حُددت مسبقاً، ودوماً كأنها برامج تفاعلية من الكومبيوتر... لكن الحياة نفسها فاجأته، وأتته بما لم يقم له حساباً، بما هو غير متوقع وغير مفهوم. وباختصار، أعطته الحياة...أنا! ولم اكن مجرد رقم، اذ جئته بنفسي، وعقلي، ومشاعري، وجسدي، وحبي. وهذا الاخير، لم يستطع وضعه في اي برنامح لأي كومبيوتر. صدمه اندفاعي الطفولي، وحبي غير المنطقي، وعواطفي الحارة، وثقتي به وبكل شيء حوله. أراد ان يدرس هذا البعد الجديد لكنه لم يجد لغة البرمجة ولا الأوامر الجاهزة ولا التصميم التطبيقي، ولا حتى في اشد برامج الكومبيوتر فاعلية. وكانت النتيجة انه صدم. لم يستطع وضع العواطف في لغة الارقام، وأرهقته لعبة الحب في الحياة الحقيقية. وكانت النتيجة "المنطقية" هي: البحث عن "مخرج" من هذه اللعبة، التي لم تعد لهواً ولا لعباً. بحث عن "زر التراجع" فلم يجده. وبعد ذلك، طلب "برنامج المساعدة" لكنه لم يكن متوافراً. وعاد يبحث مجدداً عن "زر التراجع"، من دون جدوى. عندئذ، استنتج انه يواجه "تطبيقاً غير ثابت". ولعله خمن وجود "فيروس" يفسد النظام و"يخربط" كل البرامج التي "يحفظها". ولم يكن ذلك الفيروس سوى حبي. وفي هذه الحال، لا يترك "دليل الاستخدام" إلا حلاً واحداً، يقول ببرودة لغة الارقام "استأصل المشكلة"، وعد إلى ما هو معهود ومتوقع ومنطقي، وارجع إلى "خيارات" النظام الأصلية. اي ان حل الكومبيوتر هو "إضغط على زر "الحذف" delete. وها أنا في مأزق حقيقي. لقد أعطيته قلبي بيأس وجنون، ومن دون رجوع.