موسيقى رقيقة تشنّف اذنيك ورائحة زكية عطرة تدغدغ انفك بينما تطأ قدماك السجاد الاحمر في الممر الذي يفضي بك مع "شفة القهوة العربية" الى الردهة التي تتوسطها بركة عثمانية مثمنّة الاضلاع من الرخام الملون. ويتصدر البركة شلال ماء رقراق، وتزينها الآيات القرآنية والاقوال المأثورة، بينما تمتلئ خزانتان بكل ادوات الحمام ولوازمه. الاولى ترفل بألاثواب و"البشاكير" والمناشف والملاءات والفوط، والثانية تعبق بأصناف الصابون العربي المعطّر المصنّع من زيت الزيتون و"القطرون" الى روائح المسك والعنبر ورائحة النعناع وزيوت التدليك. والى جانب ردهة الاستقبال هنالك غرفة للاستراحة تسمى"البراني" تزنّر جنباتها "الدشكات" اي المقاعد الحجرية المغطاة "بالطرّاحات" الحريرية صيفاً، وبصوف الاغنام شتاء، وتقبع "القباقيب" التي سينتعلها المستحم في زاوية على مدخل "البرّاني". قبل توجهها الى انتخابات ملكة جمال لبنان العام 1974، عرّجت جورجينا رزق على حمام النزهة فهي من رواده الدائمين، وأمضت نهاراً كاملاً تحضيراً لهذا الحدث المهم، وما هي الا أيام حتى اصبحت الفاتنة اللبنانية "ملكة جمال الكون". ويرتاد حمام النزهة الكثير من الشخصيات اللبنانية والعربية والفنانين مثل صباح وماجدة الخطيب وجورج وسوف ومايز البياع وأحمد الزين وليلى كرم وامال عفيش وحشد من الوزراء والنواب. بحسب ما قال المشرف على الحمام أحمد بيرقدار. ويخصص يوم الاثنين من كل اسبوع للنساء حيث تتولى سيدات عدة العمل في هذا اليوم" والجدير ذكره ان النساء يستغرقن وقتاً اطول داخل "الجواني" نظراً لكثرة الاهتمامات الخاصة بهن بطبيعة الحال. وخلال العطل والأعياد يزداد عدد زوار الحمام بخاصة من الاشقاء العرب، وتأتي عائلات عربية بكاملها الى الحمام طوال فترة الاقامة في بيروت، نظراً الى فرادته وتراثيته. ويشكل الخليجيون 70 في المئة من الزبائن في فصل الصيف... وهناك الكثير من السياح الاجانب، ومن موظفي السلك الديبلوماسي في السفارات الاجنبية. إرتبط اسم الحمام قديماً بالطهارة فكان هنالك حمام بالقرب من كل مسجد في بلاد الشام والمغرب العربي كانت تفتح ابوابها 24 ساعة فيؤمها المصلون للتطهر قبل الصلاة. ولحمامات لبنان جذور مملوكية - عثمانية وهناك ما تبقى منها في مدينة صيدا. وكان في بيروت حمامات اهمها حمام الدركي وحمام البسطة وحمام التركي. لكنها اندثرت او قامت مكانها ابنية حديثة، باستثناء حمام النزهة الذي رممه الحاج احمد بيرقدار الجد سنة 1920 وهو بيت ارضي مبني بحسب طراز العمارة في وسط بيروت ويعد مؤسسة سياحية تخضع لقوانين الضرائب. وحمام النزهة شهد "زفات" العرسان في القرن الماضي، حيث كان يجتمع اهل العروس وصديقاتها مع طعامهن ومشربهن وزينتهن ويتبرجن في "البراني" بانتظار خروج العروس من "الجواني". في حين يعقد الشباب حلقات الدبكة عند المدخل ويرفعون "عريس الزين" على الاكتاف مرددين: "عريس الزين يتهنى... يأمر علينا ويتمنى" ويصرخ الجميع بصوت واحد: نعيماً... نعيماً...