يصاب كثيرون بالذهول، وهم يتابعون برامج الحوارات السياسية في الفضائيات العربية، او يقرأون بعض المقالات في الصحف العربية. فكلما طرح موضوع العراق نرى ان كل المشاركين في الحوار من العراقيين المقيمين في الخارج بالطبع يهاجمون نظام صدام، ويعربون عن املهم في الخلاص منه بأي وسيلة كانت، وعن شكرهم لمن يساعدهم في ذلك، كائناً من كان. وفي المقابل نرى ان كل المدافعين عن نظام الطاغية هم من الاخوان العرب، غير العراقيين، وبالذات من الفلسطينيين والمغاربيين. فهؤلاء "الاشقاء" أعطوا انفسهم، باسم شعارات شعبوية، حق التحدث باسم ابناء العراق، وتقرير مصيرهم. وبهذا يثبت بعض العرب انهم ضد ابسط مبادئ العدالة، وهو مبدأ حق تقرير المصير. وهذا خطأ اخلاقي كبير، خصوصاً ان الاخوة الفلسطينيين، وهم من طالب ويطالب العرب برفع ايديهم عن الشأن الفلسطيني علماً انهم يطالبون العرب بعكس ذلك حين يناسبهم، يرتكبونه. وطالما ان موقف الدول والشعوب العربية هو قبول ما يرتضيه الفلسطينيون لأنفسهم، فلماذا يرفض الفلسطينيون ما يطالبون به لأنفسهم؟ ولماذا يمارسون المعايير المزدوجة، وهو مصطلح من صنعهم؟ اما الاخوان المغاربيون فسهل جداً عليهم الدفاع عن صدام، وهم قابعون على ضفاف الاطلسي، بعيداً من سطوة صدام وقمعه وإرهابه للعراقيين. ولسان حالهم يقول: "دع العراقيين وحدهم يصلوا بنار طاغيتهم". وكما يقول المثل العراقي: "الذي يداه في الماء ليس كمن يداه في النار". وينطلق العرب - عدا الاخوة الفلسطينيين - في تأييدهم لطاغية بغداد ضد شعبه، وتخوين كل من يعارضه من العراقيين، وذلك لدوافع وأسباب هي في معظمها واهية وغير حقيقية. بعض هؤلاء ينطلق من منطلق عربي شوفيني، او مصلحي، او مذهبي بحت. فأصبح صدام هو "البطل القومي والاسلامي في وجه اعداء العرب والاسلام"، ناسين او متناسين المبادئ العلمانية لحزب البعث، وتحطيمه الصف العربي في مواجهة اسرائيل بحربه ضد ايران وبغزوه الكويت. ويرى هؤلاء ضرورة الوقوف الى جانب "شقيقهم" العربي في وجه الغازي الاميركي، بدل ان يقفوا الى جانب اكثر من عشرين مليون عراقي في مواجهة جلادهم. فإذا كان هؤلاء العرب، بعاربتهم ومستعربتهم، ضد ما يسمونه بالتدخل الاجنبي، او الاميركي، فليتفضلوا هم لتخليصنا من الجاثم على صدورنا. او ليساعدونا على التخلص منه، حتى ولو بمجرد موقف سياسي معلن وإدانة صريحة لممارسته في حق العراقيين. أما إذا لم يفعلوا ذلك، إما لعجز او لانعدام الرغبة، فبأي حق يحاولون ان يقفوا حجر عثرة في طريق التحرير الحقيقي للعراق! فلا هم يرحموننا، ولا هم يدعون رحمة الله تحل علينا. وهنا تكمن محنتنا العربية. والأخوة العرب، بموقفهم هذا، يبعثون شعوراً بالغضب والخيانة لدى العراقيين، ورد فعل ضدهم. لندن - كمال عبدالرحمن الدجيلي