تكاد مسلسلات رمضان على الشاشات العربية تتوزّع على فئتين أساسيتين: الدراما الهفيفة التي تجذب المشاهدين، كمسلسل "العطار والسبع بنات" لنور الشريف.... والدراما الموغلة في التاريخ واستعادة قصصه وشخصياته القديمة ك"هولاكو" لأيمن زيدان و"المتنبي" لسلوم حداد و"جحا المصري" ليحيى الفخراني. ويمكن توجيه الكثير من الملاحظات والانتقادات إلى كل الأعمال التي تندرج في سياقهما، النوع الأول لاستخفافه بذكاء المشاهد وخداعه بسيناريو قلّما يلامس الحياة الواقعية الشديدة التعقيد، ومن النادر ان نجد فيها شخصيات خيّرة بالمطلق وأخرى سيئة بالمطلق. والثاني بإبعاد المشاهد نهائياً عن المكان والزمان عبر الاستماع الى الماضي وإن كان متقناً ومبهراً كما تقدّمه الدراما التلفزيونية السورية. وبين هذين النوعين يطل مسلسل بسيط وحار ومن دون ادعاءات اخراجية كبرى ليقدم متعة فنية وفكرية للمشاهد. إنه مسلسل "بقعة ضوء" الذي تعرضه في رمضان القناة الفضائية السورية بعد الإفطار مباشرة وتعرضه لاحقاً قناة أبو ظبي في السهرة، والمسلسل من تأليف الممثلين السوريين باسم ياخور وأيمن رضا ويقومان بأداء العديد من حلقاته واخراج الليث حجو ويشارك فيه حشد كبير من الفنانين السوريين أمثال: غسان مسعود وبسام كوسا واندريه سكاف وشكران مرتجى وعبدالرحمن آل رشي ويارا صبري ومحمد خير جراح ووفاء موصللي وغيرهم. والمسلسل عبارة عن قصص قصيرة منفصلة مكتوبة بنفس تلفزيوني لتكون على شكل اسكتشات تمثيلية بما يذكّر المشاهد بأسلوب الاسكتش الغنائي، وكل قصة منه قائمة على هم أو موضوع غالباً ما يكون محلياً والقصد منه فضح روتين اجتماعي ما أو انتقاد الأحوال السياسية التي باتت السلطات في سورية تسمح بتمرير وتقديم الكثير منها حتى لو كان ذلك على شاشة التلفزيون التي تتابعها شرائح مختلفة من المواطنين. معظم هذه القصص مصنوعة من مخيلة مسرحية خاصة وأكثر المشاركين في المسلسل من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية والذين يأتون الى التلفزيون من خلفية مسرحية تسمح لهم بالمحافظة على سوية اداء مرتفعة ولافتة. عودتنا الدراما السورية كما من مرايا ياسر العظمة والمسرح السوري كما في أعمال دريد لحام وفرقته على جرعات واضحة من الجرأة في معالجة الواقع الاجتماعي والسياسي وانتقاده ولكن مسلسل بقعة ضوء يتوغل في تفاصيل جديدة وعميقة تجعله أكثر خصوصية وأكثر ذكاء من دون ان يكون هدفه دغدغة الحواس السطحية للمشاهد أو تنفيس احتقانه السياسي والاجتماعي، كما هي الحال في حلقة"ضربة فخر" لبسام كوسا على سبيل المثال أو "التقرير" لعبدالمنعم عمايري أو "واجب وطني" لعبدالرحمن آل رشى أو "عبر التلفزيون" لغسان مسعود ومها المصري، وغيرها من الحلقات التي تبدأ فيها الدراما المقصودة من زاوية تناول جديدة ويظهر فيها ارتقاء أسلوبي يهدف الى كتابة المشهد ابتداء من كتابته كسيناريو وانتهاء بكتابته أدائياً وليس الى تمثيله فقط، ويمكن للمشاهد تلمّس الفرق في ذلك من تلك الاضاءة المفاجئة التي يسلطها المسلسل على التفاصيل والحركات المتناهية في الصغر وعلى أقل اشارة أو ايماءة قد يقوم بها الممثل، وكل ذلك بالاعتماد على نصوص تناوب على كتابتها الكثيرون نذكر من بينهم دلع الرحبي التي سبق وشهدنا نجاحها في مسلسل "الفصول الأربعة" وكذلك رافي وهبي وسعيد جاويش وأدهم مرشد واياد أبو الشامات وغيرهم.