إن الوطن ليس التراب فقط. ولو كان كذلك لما استحق ان يموت الانسان في سبيله، لأن روح انسان واحد أغلى من كل تراب الأرض. الوطن هو ذلك الكيان المعنوي الذي يضمن للمواطن إنسانيته وحريته وكرامته. وعندما يُعتدى على هذه الانسانية، باسم الوطن، والحفاظ على مصالح الوطن، تكون النتيجة ضياع الانسان والوطن معاً. وهذا ما وصلنا اليه في وطننا العربي اليوم الذي أصبح لقمة سائغة لكل من يطمع فيه. وعلى غرار الأوطان، جاء الله بالدين للحفاظ على انسانية الانسان وكرامته. أما الذين يعتدون على هذه الانسانية باسم الدين فهم يضيعون الانسان والدين معاً. اننا اليوم في حاجة الى مراجعة شاملة لطريقة تعاملنا مع أنفسنا قبل ان نفكر في طريقة تعاملنا مع الآخر. واستخفاف الحكومات العربية بانسانية وكرامة شعوبها ما هو الا نتيجة لاستخفاف هذه الشعوب بنفسها. فكثير من الناس في عالمنا العربي والاسلامي اليوم إعتادوا الوضع اللاإنساني الذي يعيشون فيه، أي ان حرمانهم من حقوقهم الأساسية في الحرية والتعبير أصبح أمراً طبيعياً لا يزعجهم، أو أنه يزعجهم إزعاجاً قليلاً لا يكفي لتغيير هذا الوضع. فيجب ان نتفق جميعاً، حكاماً ومحكومين، على ان الانسان بغض النظر عن دينه وطائفته وتوجهاته السياسية هو غاية الوطن وغاية الدين، وانه مخلوق مكرّم مقدّس لا يجوز المساس بحريته وكرامته وحقوقه. هذه هي الخطوة الأولى لأي تحرك جدي نحو النهوض من هذا الواقع البائس الذي نعيش فيه. دمشق - الدكتور ياسر العيتي