قد يكون الزمن الذي يترك فيه العرب بلادهم للعلاج في الخارج أو انتظاراً لزيارة هذا الطبيب او ذلك البروفسور من المانيا أو فرنسا أو اميركا على وشك ان ينتهي. ففي أحدث مبادرة استراتيجية للتنمية، أعلن الفريق أول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي عن البدء في مشروع "مدينة دبي الطبية". وتهدف الى ان تصبح بحلول عام 2010 مركزا عربياً عالمياً للخدمات الطبية المتكاملة. وفي مقابلة مع "الحياة"، القى رئيس مجلس إدارة هيئة دبي للاستثمار محمد القرقاوي الضوء على هذا المشروع للمرة الاولى. ويقول ان الخطوة الاولى كانت تحديد منطقة مجاورة لحديقة الخور في دبي، كموقع للمركز الطبي تعتبر من اجمل البقع في المدينة، اضافة الى قربها من المطار ومن عدد كبير من الفنادق العالمية. وتجمع هذه المنطقة راهناً اربعة مستشفيات هي "الوصل" و"الأميركي" و"راشد" و"ويلكير". وعند انتهائها ستحوي "مدينة دبي الطبية" ما لا يقل عن عشرة مستشفيات جامعية ومراكز التمريض ومئات العيادات التخصصية، إضافة الى مراكز الأبحاث. وتصل الكلفة الى 8،1 بليون دولار أميركي. وتمتد على مساحة خمسة ملايين قدم مربع في المرحلة الأولى التي تنتهي في العام 2004 بالنسبة الى المجمع الطبي، وعام 2005 بالنسبة الى المستشفى الجامعي. وتصل مساحة المدينة الى عشرة ملايين قدم مربع في المرحلة النهائية. وأشار الى أنها ستوفر خدمات علاجية تشمل مراكز الفحص الطبي والوقاية، إضافة إلى زراعة الأعضاء والتغذية الطبية والمنتجعات الصحية وغيرها من الخدمات. وستؤمن الخدمات العلاجية التي تتطلب فترات طويلة من العلاج مثل إعادة التأهيل "وستكون مدينة دبي الطبية عاصمة العلاج والطب في المنطقة... فنحن نتكلم عن مجتمع متكامل من ناحية العلاج، يكون اكبر تجمع للمستشفيات والعيادات على مستوى المنطقة، وفي قلبه المستشفى الجامعي ومراكز الأبحاث والتطوير". جامعة طبية جديدة والأهم ان المدينة لن تخدم فقط الإمارات العربية المتحدة والدول المجاورة، بل ايضاً المنطقة ككل. ويوضح القرقاوي ان "دبي الآن تحولت الى عاصمة منطقة كبيرة، تضم نحو 8،1 بليون نسمة، وتشمل الشرق الأوسط وشرق افريقيا وشبه القارة الهندية. وهي منطقة لا يوجد فيها مركز علاجي عالمي، وفي المقابل، يصل انفاقها على العلاج المتخصص الى نحو 74 بليون دولار سنوياً". ولاقى المشروع صدى كبيراً في أوساط المستثمرين وأبدى العشرات منهم اهتماماً كبيراً بالاستثمار في المستشفيات الجامعية والعيادات التخصصية، وذلك في غضون الأسبوع الأول من الإعلان عن المشروع. ومن الممكن ارجاع ذلك الى الفرصة الاستثمارية الكبيرة التي يقدمها حجم المنطقة التي تصبو مدينة دبي الطبية الى خدمتها. وبحسب القرقاوي "سيكون المجمع الطبي الجامعي في قلب مدينة دبي الطبية. وسنؤسس جامعة طبية جديدة. والحديث قائم حالياً بين القيمين على هذا المشروع وعدد من الجامعات الأوروبية، اضافة الى بعض الجامعات الاميركية". اما بالنسبة الى العلاقة مع البلدان العربية الاخرى، مثل مصر ولبنان اللذان يعتبران من اهم مدن العلاج للعرب، فقد فضل القرقاوي وصفها ب"التكاملية". ورأى ان هذا القطاع "ليس قائماً على حالات منفصلة. ان العلاج هو عالمي وليس محلياً... انتهاء بحث طبيب معين هو بداية أبحاث طبيب آخر. وهذا يحصل في شكل خاص في قطاع الأبحاث. هذه عملية تطور مستمرة فنتعلم من الآخرين والآخرين يتعلمون منا. وهذه فلسفتنا في دبي، ونطبقها في جميع القطاعات. واتصل الكثير من الأطباء المشهورين في المنطقة بنا للحصول على عيادات في المدينةدبي، وذلك خلال الأيام الأولى من الإعلان عن المدينة"! ويشغل موضوع مراكز الأبحاث والدراسات مركزاً مهماً في التخطيط للمدينة الطبية، خصوصاً ان نشاط البحث في العالم العربي لا يزال ضعيفاً. ويوضح القرقاوي "ان جزءاً من المستشفى الجامعي سيتخصص بالبحث والتطوير. اننا نفتقر في العالم العربي الى موضوع الدراسات والبحوث، خصوصاً في قطاع الطب. واتصور ان المدينة ستكون احد مراكز الأبحاث والدراسات العالمية". وتُعقد الامال على تقديم خدمات ذات مستوى عالمي. واشتهرت دبي بقدرتها على الوصول الى هذه المستويات وستقدم المدينة "خدمات خمسة نجوم" للمرضى، تبدأ من المطار والى العلاج والمغادرة. وفي هذا السياق، يتوقع القرقاوي ان تستقطب المدينة شريحة السياحة العلاجية. "ان دبي تشتهر اليوم بأنها مدينة سياحية، وتستضيف راهناً ثلاثة ملايين سائح سنوياً. ومع المدينة الطبية، نتوقع ان يزداد هذا العدد، مع فترات إقامة أطول". وتوقع ان يصل عدد الاختصاصيين في المدينة الطبية الى "سبعة آلاف، من اطباء وممرضين وغيرهم من الاختصاصيين والعاملين في المدينة". كما يأمل بأن تستقطب المدينة المهارات الطبية الموجودة في أنحاء المنطقة التي سوف تخدمها، خصوصاً ان الكثير من هذه المهارات ترحل للعمل في الخارج. التكنولوجيا الطبية المتقدمة وبالطبع ستتماشى دبي مع عادتها بتوفير أفضل البنى التحتية التكنولوجية وأحدثها. ويعد القرقاوي بأن توفر المدينة احدث ما توصلت اليه التكنولوجيا، خصوصاً ان الاعتماد يزداد اليوم على تقنيات الطب الاتصالي tele medicine كافة، مثل الجراحة بالروبوت والتشخيص الافتراضي والعلاج من بعد وما الى ذلك. ويضيف: "ان مدينة دبي الطبية من شأنها ان تأتي بحافز جديد للاقتصاد، من السياحة العلاجية الى استقطاب نحو سبعة آلاف ساكن جديد لهم مهارات عالية ودخل مرتفع للعيش ونقل عائلاتهم الى دبي. ويعد ذلك بتشجيع القطاع الفندقي وقطاع التأمين وغيرها.