عند غزو الكويت بنت بغداد سياساتها على افتراضات خاطئة بينها ان موسكو، السوفياتية يومذاك، لن تسمح للولايات المتحدة بنقل أساطيلها الى الخليج واقامة قواعد دائمة عند الخاصرة الجنوبية للاتحاد السوفياتي، وفي أسوأ الأحوال لن توفر غطاء دولياً لحرب ضد العراق من خلال استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن. ولم تشارك موسكو في عمليات الائتلاف الدولي لكنها وافقت على قرارات مجلس الأمن بصيغتها الأميركية. وبعد احدى عشرة سنة عادت بغداد لتضع الكثير من البيض في السلة الروسية مؤملة ان موسكو لن تتوانى عن اللجوء الى الفيتو لكي تحرم واشنطن "المظلة" الدولية المطلوبة للعمليات العسكرية المحتملة. فهل ستلدغ القيادة العراقية من الحجر اياه مرة ثانية؟ ليس ثمة جواب قطعي، ولكن من الواضح ان الكرملين يريد أن يحتفظ بخيط العلاقات الاقتصادية والسياسية مع العراق، ولا يرغب في فقدان عصفور الشراكة الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة. ومن هنا فهو تارة يلوح بالفيتو لاسقاط مشروع القرار الأميركي وتارة يتحدث عن احتمال الموافقة على قرار "مخفف" يكفل وحده الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ويبعد شبح المجابهة مع قطب العالم. ويترتب على الرئيس فلاديمير بوتين مواجهة ضغوط واغراءات لتعديل موقف روسيا بهذا الاتجاه أو ذاك. فالولاياتالمتحدة ومشايعوها داخل روسيا يتحدثون عن شراكة واسعة بين موسكووواشنطن، وفي لقاءات عقدت في هيوستن وحضرها مسؤولو القطاع النفطي في البلدين تحدث الأميركيون نيات ومشاريع للاستثمار في انتاج النفط الروسي ونقله الى الولاياتالمتحدة. وقد غضبت بغداد عندما أعلن وحيد علي أكبروف رئيس شركة "لوك اويل"، وهي كبرى شركات النفط الروسية، عن تلقيه وعوداً من قيادة بلاده بأن حصة الشركة في النفط العراقي ستبقى محفوظة في حال تغيير النظام السياسي في العراق، ما يؤشر الى أن موسكو ربما دخلت في صفقات سرية مع الأميركيين. بيد أن هناك حسابات أخرى وضعها خبراء في موسكو توقعوا أن تؤدي الحرب وهيمنة الولاياتالمتحدة الكاملة على نفط العراق والخليج عموماً الى هبوط الأسعار الى 12-15 دولاراً وفي بعض التقديرات 8-10 دولارات ما سيكون زلزالاً يهز الاقتصاد الروسي. ويعتقد اقتصاديون روس أن قيام حكومة عراقية موالية للولايات المتحدة سيحرم روسيا 50-60 بليون دولار هي قيمة عقود مدنية تم الاتفاق المبدئي على غالبيتها وزهاء 70-80 بليوناً هي قيمة صفقات أسلحة يتوقع أن يبرمها العراق بعد رفع العقوبات. وبين العصا الأميركية والجزرة العراقية يبقى الموقف الروسي متردداً حائراً، والأرجح انه سيميل الى حل وسط بتأييد مشروع القرار الفرنسي الذي سيكون بمثابة مناورة تكتيكية لتفادي المجابهة داخل مجلس الأمن. وأكيد ان أياً من المشروعين الأميركي - البريطاني والفرنسي لا يمكن اقراره الا بتراضي الأعضاء الخمسة الدائمين. وإذا فشلوا في التوصل الى صيغة مقبولة فإن الولاياتالمتحدة، كما تبدو، ستنفذ تهديدها بشن الحرب من دون غطاء دولي. عند ذاك ستعود موسكو لمواجهة الخيار الصعب بين الخيط والعصفور واحتمال ان تفقدهما معاً.