أقبلُ فيك العراقَ الذي فارقتني رؤاه وأشهدُ أن العراق بعيدٌ كنجمةِ صبح قريب كوخزة جرح فهلا تحدثني عن شوارع بغداد في الليل تخبرني عن ضفاف تجمّع فيها الأسى والذهول وأرهقها القتلُ والقتلُ والقمعُ والنفيُ ثم الحصار الذي لا يحول تعادل تقاسمني ما تنفستَ من عطرها ما شربتَ من الماءِ أو ما أكلتَ من التمرِ علّي أعيدُ الى القلبِ بعض ارتعاش وزقزقة في الضلوع فما عاد في الروح متسعٌ للغياب وبغداد يخنقها الوجدُ للراحلين لتيه المنافي... وللغائبين بقعر السجون وهم ظامئون لقطرة ظل من النخل في صيفها لبسمة حب وأنشودةٍ للقاء أو بعض همس أنا ظامئ لارتشاف الهواءِ المعبأ في رئتيكَ ومشتعلٌ بالحنين لرؤية ما غاب عني قروناً أراه بعينيكَ يومضُ بالرغبة البكر يقرأ ما بين اسطرها المستباحةِ امنيةَ الطفلِ وهو يتمتم بالكلماتِ الحبيسةِ والجُملِ العاثرات أقبّلُ فيكَ العراقَ وبغدادَ وطلعَ النخيلِ وماء العيونِ التي ذبلت من بكاء أقبّل فيك الشوارعَ هلا سألتَ المدينةَ عن صمتها عن ظلالٍ من الخوف تحرسها عن مدى مقفر بين أفق السماءِ وليل الشقاء عن الجوعِ يُنشبُ حقداً قديماً بأطفالنا الأبرياءْ عن الشعرِ يلبسُ أردية الصمتِ كي لا يحاكمَ كي لا يطاردَ أو يستبيه الفناءْ أقبّل دمعكَ والحزنَ والكلماتِ الموشاة بالصدقِ تنثرها في الفضاءْ أقبّل فيكَ العراقَ وبغدادَ والأمهات الحزيناتِ والأهلَ والنخلَ والغائبينَ من الصفوةِ الأوفياءْ دمشق - مصطفى المهاجر شاعر عراقي وعضو اتحاد الكتّاب العرب