أسود الرافدين ثالث المتأهلين    فريق أنامل العطاء يطلق مبادرة "تطوّعك يبني مستقبلك" في احتفال رسمي باليوم العالمي للتطوع    جمعية ميزان القانونية تعقد اجتماع مجلس إدارتها الأول وتعلن انطلاقتها في المنطقة الشرقية    جمعية أرفى تُقيم فعالية "قوتك وقايتك" بمناسبة اليوم العالمي للإعاقة    الأخضر يبدأ تحضيراته لمواجهة المغرب في كأس العرب    أمير الشرقية يعزي عضو مجلس الشورى سعد العتيبي في وفاة والده    الخريجي يشارك في منتدى الدوحة 2025    ماسك ينتقد الاتحاد الأوروبي بعد فرضه غرامة على منصة إكس    ضبط (4) يمنيين في عسير لتهريبهم (20) كجم "قات"    أمير حائل ونائبه يقدّمان واجب العزاء لأسرتي المعجل والفوزان    التأهيل.. معركة الوعي لا تحتمل التأجيل    أهالي حلة علي بن موسى والجارة يحتفون بالعماري بعد 35 عامًا من خدمة الوطن    4 جلسات حوارية في المؤتمر السعودي الدولي للتقييم    دور المسجد في المجتمع لمنسوبي الحد الجنوبي    القيادة تهنئ فنلندا بذكرى الاستقلال    "نبرة حيّة".. حملة إعلامية طلابية تبرز لهجات عسير إلى العالم بثلاث لغات    البيئة تجدد تحذيراتها من الرعي الجائر    الرياض سادس أنظف مدينة في العالم    أستون فيلا يهزم أرسنال بثنائية في الدوري الإنجليزي    انطلاق مهرجان المونودراما وسط رؤية طموحة لتميز المسرح السعودي    3 مدن سعودية جديدة تنضم إلى شبكة اليونسكو للتعلّم    بلدية أبو عريش تهيّئ حدائقها لاستقبال الزوّار في الأجواء الشتوية    طلاب المملكة الموهوبون يحققون 40 جائزة في معرض سيئول    "اليماحي" يرحّب بالتأييد الأممي الساحق لحقوق الشعب الفلسطيني وتجديد ولاية "الأونروا" لثلاث سنوات جديدة    الداخلية : ضبط (19790) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    سلمان الفرج يعود لفريقه نيوم بعد غياب 388 يوماً بسبب الإصابة    تنوع بيئي فريد يُسهم في انتشار 134 نوع من النباتات المحلية الملائمة للتشجير في مكة المكرمة    كتاب سعودي يحصد اعتراف عربي في مجال الصحافة الاقتصادية    رئيس البرلمان المقدوني يستقبل إمام المسجد الحرام الدكتور المعيقلي    أكثر من (39) ألف مهمة تطوعية و(19) ألف متطوع في الحرمين الشريفين خلال عام 2025    سالم الدوسري: كأس العرب هدفنا الحالي    اللجنة العليا المنظمة تكشف تفاصيل ماراثون وسباق الشرقية الدولي 27 بحضور قيادات اللجنة المنظمة    مدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنجران يلتقي مدير التعليم بالمنطقة    مؤسسة سقاية الأهلية توقع اتفاقية مع مجلس الجمعيات الأهلية ضمن منتدى القطاع غير الربحي الدولي 2025    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي الدفاع الجوي بجازان    أمير القصيم يكرم بندر الحمر    البيت الأبيض: أوروبا معرضة لخطر «المحو الحضاري»    نائب أمير الرياض يعزي رئيس مركز الحزم بمحافظة وادي الدواسر في وفاة والدته    نجل بولسونارو: والدي دعم ترشحي لرئاسة البرازيل في 2026    مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون يفوز جائزة أفضل مشروع حكومي عربي لتطوير القطاع الصحي    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يشارك في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025    اللواء العنزي يشهد حفل تكريم متقاعدي الأفواج الأمنية    اعلان مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي    التوصل لإنتاج دواء جديد لعلاج مرض باركنسون "الشلل الرعاش"    تهامة قحطان تحافظ على موروثها الشعبي    معركة الرواية: إسرائيل تخوض حربا لمحو التاريخ    أمير تبوك يواسي في وفاة محافظ الوجه سابقاً عبدالعزيز الطرباق    قمة البحرين تؤكد تنفيذ رؤية خادم الحرمين لتعزيز العمل الخليجي وتثمن جهود ولي العهد للسلام في السودان    أمير منطقة تبوك يكرم المواطن فواز العنزي تقديرًا لموقفه الإنساني في تبرعه بكليته لابنة صديقه    برعاية خادم الحرمين..التخصصات الصحية تحتفي ب 12,591 خريجا من برامج البورد السعودي والأكاديمية الصحية 2025م    مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب    الناتو يشعل الجدل ويهدد مسار السلام الأوكراني.. واشنطن وموسكو على حافة تسوية معقدة    فرع الموارد البشرية بالمدينة المنورة يُقيم ملتقى صُنّاع الإرادة    أكد معالجة تداعيات محاولة فرض الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يعتذر عن الأخطاء تجاه «الشمالية»    صيني يعيش بولاعة في معدته 35 عاماً    ابتكار علاج صيني للقضاء على فيروس HIV    لم يكن يعبأ بأن يلاحقه المصورون    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منظمة "اليونيسكو" تعلن سنة ناظم حكمت ... الشاعر التركي الذي لم تستحقه بلاده
نشر في الحياة يوم 27 - 01 - 2002

} بعد مئة عام على ولادته 15 كانون الثاني/ يناير 1902 يعود الطفل الذي لم يشأ أهله، من أجل أربعين يوماً، أن يروه أكبر بسنة هو في الأصل من مواليد 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1901، الى وطنه. يعود هذه المرة "شاعراً عالمياً"، على جناح منظمة اليونيسكو التي أعلنت عام 2002 "عام ناظم حكمت".
يعود ناظم، كعادته، كبيراً. لكنها عودة لا تزال منقوصة تملأها غصتان: غصة تلك القرية الأناضولية التي لم تحضن بعد جسد فتاها الذي ما زال بعيداً في مقبرة "نوفو ديفتشيه" في موسكو، وغصة "المواطنية" التي لم تجد سبيلاً بعد للاهتداء الى "صاحبها".
تغيّر الكون كله وتعاقبت "أنظمة دولية" عدة، وكماليّو أنقرة لم يتغيروا. من النادر، في التاريخ البشري، أن يعرف العالم ويعترف بمكانة أو قدر أو قيمة مبدع كبير، مثل ناظم حكمت، قبل، بل من دون، أن يعرفه ويعترف به بلده.
غربات ناظم كثيرة. لكنه يعود اليوم أكثر جللاً وأكبر هامة. كلّهم يتوافدون الى البلاد التي أنجبته. وفي الداخل لم تبق ريشة أديب أو صحافي أو حتى سياسيّ، إلا وكان لها دلوها.
يخطئ كثر حين ينسبون عظمة ناظم الى البعد السياسي من شخصيته. كان مناضلاً كبيراً وعنيداً من دون أدنى شك. لكن ذلك لم يكن ليمنحه ذلك الاستمرار في الزمن وفي الذاكرة لو لم يكن في الأصل مبدعاً كبيراً، بل ان اعادة "الفضل" في شهرته الى خطّه السياسي كانت جزءاً من "مؤامرة" مراكز القوى الكمالية في تركيا، لأنهم يعرفون جيداً ان العقيدة السياسية ستموت حتماً، فيما الخلق والابداع خالدان.
ناظم هو الشاعر الذي حقق الثورة الأهم في الشعر التركي المعاصر. كان أبا الحركة التجديدية وعنوانها "التفعيلة الحرّة" التي استفادت من حركة التجديد الفرنسية والحداثة الروسية. وناظم هو الشاعر الذي أغنى الشعر بالمفردات التي لم يكن يستخدمها أحد قبله. كان شاعر التجديد في الشكل وفي الموضوعات التي أحاطت للمرة الأولى بمختلف مجالات الحياة الانسانية.
وناظم هو المناضل الذي نذر نفسه لمحاربة الفقر والاستبداد السياسي والهيمنة الامبريالية، فدفع ثمن ذلك ملاحقة ونفياً وسجناً، ولم يتورع "السلطان الجمهوري" من ان يلصق به صفة "الخائن لوطنه".
كان شاعر الفقراء والكادحين على رغم انه سليل عائلة ثرية. وكان في مقدم المشاركين للدفاع عن الوطن بعد احتلاله من القوات الغربية في الحرب العالمية الأولى، فمضى الى الاناضول في مطلع العام 1921 منخرطاً في "حرب التحرير الوطنية" التي كان يقودها مصطفى كمال. وبعد ان عمل مدرّساً في مدينة بولو توجه الى "الجامعة الشيوعية لعمال الشرق" في موسكو حيث درس العلوم السياسية والاقتصاد. وبعد ثلاثة أعوام 1924 عاد الى بلاده، التي كانت استقلت وأُعلنت جمهورية عام 1923. وبسبب القصائد والمقالات التي كان ينشرها في صحيفة "أيدينلق" التنوير، طُلب له السجن 15 عاماً، لكنه تمكن من الهرب والعودة من جديد الى الاتحاد السوفياتي. ومستفيداً من قانون للعفو صادر عام 1928، عاد الى تركيا وعمل في "المجلة الشهرية المصورة". وأيضاً كان من جديد في مواجهة حكم بالسجن أربع سنوات عام 1932، لكن القانون العاشر للعفو أنقذه من ذلك.
كان ناظم يفرّ من حكم الى حكم، حتى كان العام 1938، حين لفقت ضده تهمّة كبيرة هي التحريض ضد الجيش، فكان الحكم بسجنه 28 عاماً وأربعة أشهر. وكان سجنا تشانكيري وبورصة في انتظاره. ثلاثة عشر عاماً مرّت وناظم نزيل الزنزانات حتى كان عفوٌ أطلقه عام 1950 لكنه لم يحمه من استمرار مضايقته. فلم يكن يجد من ينشر له كتبه ولا من يؤدي مسرحياته. كان يُراد له ان يبقى أسيرَ النظام والعسكر. فصدر قرار بإلحاقه بالخدمة العسكرية، في هذه السنّ المتأخرة، لكن ناظم أدرك أنّ لا مفرّ له من الفرار فغادر خلسة، على متن أحد المراكب الى رومانيا ومنها الى موسكو. وفي العام 1951 نُزعت منه المواطنية التركية. ثلاثة عشر عاماً أخرى أمضاها ناظم في موسكو الى ان دهمته أزمة قلبية في 3 حزيران يونيو عام 1963، ليوارى الثرى في مقبرة فوفوديفيتشيه في موسكو.
في ذكراه المئوية يدخل ناظم من جديد كل بيت تركي ويحطّ في قلب كل محبّيه. يقول الناقد الأبرز حالياً في تركيا دوغان هيزلان: "ان الحب الذي يتجسد اليوم لناظم هو احتجاج على الظلم الذي لحق بالفن والأدب، في شخص شاعر واحد". ويرى هيزلان ان الاحتفال اليوم بناظم يحمل لكل جيل معنى مختلفاً: "ستتذكر الأجيال القديمة كيف كانت تخبئ في منازلها الدفاتر الشعرية التي كان يكتبها ناظم وستتذكر بألم كيف كانت تضطر لحرقها. وستتذكر هذه الأجيال، بأحاسيس كاملة، الشعرَ الذي كان يعكس الفكر. أما بالنسبة ال الجيل الشاب، فهي ذكرى تؤكد له ضرورة التفكير بأهمية الحرية الأدبية". ويدعو هيزلان الآخرين ألا يستغربوا هذا الاهتمام الهائل اليوم بناظم، فهو "رمز"، وهو "عانى كل هذه المعاناة باسمنا جميعاً من أجل حرية الأديب".
الشاعر "اليساري" المعروف، آتاؤول بهرام أوغلو يقول ان ناظم خلق اسطورته. لكن هذه الأسطورة بالمقياس نفسه، حقيقة. ووصف الاحتفالات بالذكرى المئوية لولادة ناظم بأنها شرف كبير للغة والأدب التركيين وانتصار للشاعر نفسه عبر الاهتمام به بالصورة التي يستحقها.
وتتناول النائب السابقة في البرلمان وإحدى اكثر الناشطات من أجل الحريات وحقوق الانسان في تركيا، والكاتبة في صحيفة "يني شفق"، نازل ايليجاق، الاحتفال بناظم من زاوية سياسية فتقول ان تركيا التي انتقدها ناظم في زمانه، تشبه كثيراً تركيا اليوم، والشاعر الذي اشتكى من الهيمنة الأميركية في عهده، ما تراه يقول في تركيا اليوم التي تسقط اكثر فأكثر في شباك هذه الهيمنة؟ وتذكّر ايليجان بدفاع ناظم عن الفقراء وقوله: "إذا كانت خيانة الوطن أن تكون ضد نظام استغلالي يسحق الفقراء فإنني حاضر لأقبل هذه الصفة". وتقول ايلجيان ان ناظم كان أمام خيارين: أن يكون بلبلاً أو كناراً، وهو اختار ان يكون بلبلاً. يقول ناظم: "البلبل لا يغرّد في القفص. فيما الكنار يردّد ما يمكن ان يلقنوه اياه من أصوات"، وترى النائب نازلي ان كلمات ناظم لا تزال تحافظ حتى اليوم، وللأسف، على كل حيويتها، وما كان يقوله كان صحيحاً. "بالتأكيد لم يكن خائناً لوطنه. كان يعرض لتناقضات بلاده. عاش الانكسارات والمؤامرات عليه. كان يفكر ويقول ويكتب. أُريد له الصمت لكنه لم يصمت. قبع في السجن سنوات الى ان اضطر لمغادرة البلاد. كان رجل نضال ومعركة".
ويتطرق الكاتب والمعلق المعروف محمد برلاس الى مئوية ناظم من زاوية مشاركة أهل النظام السياسي فيها قائلاً: "ان أعضاء جمعية المحاربين القدامى جاؤوا بزيّهم الموحد لمشاهدة "ملحمة القوى الوطنية" لناظم على مسرح الدولة في إزمير. ومسرحية "أنا إنسان" لناظم في مسرح الدولة في انقرة حضرها أمين عام مجلس الأمن القومي الجنرال تونجير كيلينتش، ومدعي عام الجمهورية صابح قناد أوغلو... ويعلق برلاس قائلاً: "ما دام الأمر كذلك، فلننسَ معاناة ناظم حكمت ولنبتسم في ذكرى ولادته المئوية، فيما نحن ذاهبون لقتله".
في الذكرى المئوية لولادة ناظم لا يخجل القتلة، إذاً، من السير وراء جنازة القتيل... وفي الذكرى المئوية لولادته تزداد عاشقات ناظم واحدةً.
أول فنانة أوبرا في تركيا هي سميحة بركسوي. هي الآن في الثانية والتسعين من العمر. أي أنها أصغر من ناظم بعشر سنوات. وفي الذكرى المئوية لناظم فجرت بركسوي قنبلة كبيرة: "كنتُ حبَّه الحقيقي الوحيد"، تقول سميحة... فيما أرخ الأدب ل"بيرايه" و"منوّر" و"فيرا" على انهن عاشقات بل زوجات ناظم. تقول سميحة بركسوي: "كنت في ال21 من عمري عندما تعرفت إلى ناظم. عندما رأيته للمرة الأولى كان رجلاً عملاقاً وبعينين زرقاوين. وإذ نظر الى وجهي بدأ بقراءة الشعر. تأثرت كثيراً. ثم من أجل رؤيته ذهبت الى سجن بورصة. أخذوني الى الزنزانة التي يقبع فيها. وفي الأربعينات زرته أيضاً في السجن نفسه".
لكن ناظم في مئويته الأولى لا يزال غريب الدار. واسمه لا يزال في رأس "قوائم الارهاب" الكمالية في تركيا. ولد ناظم في غير زمانه وفي غير مكانه. تشهد على ذلك شجرة دلب في احدى قرى الأناضول ولا تزال تنتظر منذ 38 عاماً جسداً يحيل سواد ظلالها نوراً أبيض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.