الكويت - "الحياة" - التوحد اعاقة غامضة حيرت العلماء في معرفة اسبابها والوقوف على حقيقتها وعالم غريب غلف نفسه في اطار يصعب اختراقه، وهو كابوس يؤرق أولياء الامور وواحدة من اصعب الاعاقات، وقف العلم حائراً في معرفة اسبابها، وتعرف علمياً باسم Autism خلل وظيفي في المخ لم يصل العلم الى تحديد اسبابه بعد، يظهر خلال السنوات الاولى من عمر الطفل، ويمتاز بقصور وتأخر في النمو الاجتماعي والادراكي والتواصل مع الآخرين. الطفل المصاب بالتوحد يكون طبيعياً عند الولادة وغالباً لا يعاني اي اعاقة جسدية او خلقية، وتبدأ المشكلة بملاحظة الضعف في التواصل لديه ثم يتجدد لاحقاً بعدم المقدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية وميله الى العزلة مع ظهور مشكلات في اللغة إن وجدت ومحدودية في فهم الافكار، لكنه يختلف عن الاطفال المتخلفين عقلياً بمقدرات ومهارات فائقة قد تبرز في المسائل الرياضية او الرسم او الموسيقى والمهارات الدقيقة فيما يتفوق عليه الطفل المتخلف عقلياً في الناحية الاجتماعية. ويعتقد كثر أن التوحد بات اعاقة العصر، اذ لم يظهر في مجتمعنا الا في عهد قريب، وازداد في السنوات الاخيرة. وكثيراً ما يتساءل اولياء الامور إن كان التوحد اعاقة جديدة على مجتمعنا والحقيقة تكمن في ان التوحد ليس اعاقة جديدة بل هي اعاقة كغيرها وجدت مع وجود الحياة، واكتشفها العالم ليو كانر عام 1943 وأطلق عليها Autism، وما يبرر تساؤلنا في عدم وجود تلك الاعاقة في مجتمعنا في السابق هو عدم الدقة في التشخيص. فغالباً ما كان هؤلاء التوحديون يشخّصون على انهم يعانون التخلف العقلي او الفصام. اما في مجال العلاج، وقابلية الشفاء، فيمكن القول ان التدريب الصحيح وفي وقت مبكر مع التشخيص الصحيح للحال يسهم كثيراً في تقدمها، ومهما كان حال الطفل فإن السير في الطريق الصحيح بالتدريب المستمر في المنزل والمدرسة يعطي نتائج ايجابية حقيقية تسهم في تقدم حال الطفل. ومع التطورات السريعة في الساحة العلمية نرى المجلات العلمية والمؤسسات الطبية والأبحاث والدراسات تطالعنا يومياً بالجديد في عالم التوحد. صحيح أنه لم يكتشف بعد العلاج الحقيقي بمعنى الدواء الذي يحقق شفاء كاملاً، الا ان العلاجات المعروضة تحقق مع بعض الحالات تقدماً جيداً ليس في التوحد ذاته وانما في تخفيف بعض الاعراض التي تطرأ على الطفل المصاب مثل النشاط الزائد او الخمول او الاكتئاب. ومن العلاجات المعروضة "التدريب السمعي" AIT. واستضاف "مركز الكويت للتوحد" احدى المتخصصات في التدريب على هذا النوع من العلاج ثلاث مرات آخرها في شباط فبراير الماضي. وجرت على مدار تلك الزيارات الثلاث جلسات تدريب لعدد كبير من الاطفال من الكويت ودول الخليج حققت نتائج ايجابية مع بعضهم. وتتابَع الحالات من خلال استمارة توزع على أولياء الامور يتم من خلالها متابعة شهرية للحال. كما ان هناك العلاج بالاسترخاء والموسيقى واستخدام مساعد التواصل وغيرها. وجُمع عدد من العلماء والباحثين في العالم في اول مؤتمر للتوحد وضعف التواصل في الشرق الاوسط أقامه المركز في الكويت برعاية الأمانة العامة للأوقاف ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والبنك الاسلامي للتنمية في جدة. ويعتبر "مركز الكويت للتوحد" اول مركز اقليمي متخصص في مجال التوحد، جمع بين تعليم الطفل التوحدي وتدريبه وتدريب العاملين في مجال ذوي الحاجات الخاصة ورعاية الابحاث الطبية والتربوية والاجتماعية الخاصة في هذا المجال. وينفرد المركز بتقديم اول دبلوم متخصص في التوحد بالتعاون مع جامعة لندن والمعهد الثقافي في انكلترا، فاتحاً المجال لمزيد من التخصص في هذا المجال للمعلمين والمتخصصين في الوطن العربي. وسيجري المركز قريباً بحثاً علمياً بالتعاون مع جامعة هارفارد لدرس تأثير الجينات والوراثة في الابناء والأسرة والتي يؤمل ان تفك ولو قليلاً من طلاسم هذه الاعاقة المحيرة. ومع ما يحقق المركز من نجاحات متتالية وانجازات في مجال التوحد، يبقى الحلم مقروناً بالعمل والأمل.