لم تفرغ جعبة الفنان السوري رفيق سبيعي الفنية بعد كل ما قدمه من اعمال درامية تلفزيونية تراوحت بين الكوميديا والميلودراما اضافة الى الأغاني التي قدمها بفولكلوره الشامي العتيق الخال والشروال في الستينات والسبعينات... لقد تمكن هذا الفنان من كسر منظومة "الكاراكتير" الخاص التي عادة ما يسقط فيها الكثر من الفنانين العرب ليخرج الى الفضاء الرحب للدراما بكل ما يملك من قوة في الأداء، وتنوع، لاقى ترحيباً من الجمهور... إن كل من شاهد الفنان رفيق سبيعي في شخصيته الفولكلورية أبو صياح مع الثنائي التقليدي دريد لحام ونهاد قلعي غوار الطوشة وحسني البورظان يعتقد ان هذا النمط سيرافقه الى آخر مشواره الفني، لكنه انتبه الى خطورة هذا المطب فخرج بسرعة منه ليلعب ادواراً جديدة وحديثة وتقليدية اخرى في المسرح والإذاعة والتلفزيون، فينجح بذلك ويسجل خطوة مهمة في مسيرته الفنية... وكان دوره في مسلسل "ايام شامية" التلفزيوني - اي دور الزعيم - النموذج المتطور الذي أداه لشخصية ابن البلد... ويبدو ان رفيق سبيعي اسس خطة عمل متكاملة يعمل على اساسها، فلا يحصر نفسه بنمطية أو إطار محددين يقيدان حركته مع كل مستجد فني يواجهه، وخطة العمل هذه تبدو مقبولة فيما لو قورنت بالأدوار النمطية التي اختارها بعض الفنانين العرب ووقعوا أسرى قوالبها، إلا ان اللافت في هذا الأمر ان رفيق سبيعي نسج خيطاً متيناً مع الإذاعة السورية، فلم يفارقه على رغم شروطه المادية الصعبة التي يضعها على المنتجين سواء في البرامج المنوعة أو في الدراما. والمعروف ان العمل الفني الإذاعي عموماً وفي إذاعة دمشق خصوصاً لا يعود بالمردود الكبير الذي يوازي مثيله في الأعمال التلفزيونية، وعلى ذلك تبدو المسألة واضحة هنا، فالإذاعة بالنسبة الى رفيق سبيعي حال لم يستطع الخروج من اغرائها الذي اسهم في صنع شخصيته الفنية وتراثه الذي يعتز به. واللافت ايضاً أنه شرع في كتابة مذكرات إذاعية مهمة عرضتها اذاعة دمشق على حلقات طويلة، كانت تذاع باسم: "حكواتي الفن"! وحكواتي الفن هنا هو رفيق سبيعي الذي ينقل لنا حكايات الفن السوري الموسيقية والدرامية والتمثيلية التي تنفرد فصولها بمتعة القص التاريخي وجاذبيته، مع رهط من الأسماء تفرزهم كل مرحلة فتضيف جاذبية خاصة على الموضوع... وقبل فترة بدأت إذاعة دمشق ببث حلقات من السيرة الذاتية لرفيق سبيعي تحت عنوان: "ثمن الحب". ونكتشف في هذه الحلقات ان رفيق سبيعي نفسه هو الذي يشرف على تمثيل شخصيته في مختلف مراحل السيرة الذاتية التي يعرضها. وعلى رغم ان الاعداد الإذاعي هو لوفيق يوسف، فإن عرض القصة بتفاصيلها هو لرفيق سبيعي الذي لم يتوان عن الدخول في التفاصيل الصغيرة لحياته، وهذا النوع من التعاطي مع السيرة الذاتية يبدو لافتاً وجريئاً، وخصوصاً إذا عرفنا من الحلقات الأولى ان الطفل رفيق سبيعي ابن بيئته التي كافحت بإرادة قوية ضد الاستعمار وكان هو نموذجاً لطفل مقاوم... وفي شخصية الطفل التي تابعناها في "ثمن الحب" نتقصى اخباره الأخرى طموحاً يريد متابعة تعليمه ويقبل العمل اثناء العطل كمختلف ابناء مدينة دمشق، ولكنه ايضاً يعلن رفضه للعمل مع ابيه الذي لا يعطيه اجراً! تلك هي المفاتيح الفنية للفنان رفيق السبيعي التي تتوالى فصولها يوماً بعد يوم، بأشكال وأساليب فنية يعمل عليها، ربما في الوقت المستقطع من أدائه الفني في التلفزيون...