يمكن القول ان فن العمارة الإسلامية ابتداء من العصر الأموي وانتهاء بالعصر العثماني انفرد بخصائص معمارية متميزة. فن العمارة الإسلامية عموماً ذو طابع أصيل نشأ من تقاليد الحياة العربية. فالشكل المعماري للمساكن وغيرها تأثر بالعادات والتقاليد العربية، إضافة الى الضرورات الجغرافية التي أوجبت اقامة الصحون والأروقة. ظهرت التكية في العهد العثماني التكية الى جانب المدرسة كمجمع معماري له هندسة وتخطيط جديد. والتكية أكثر شمولاً وضخامة من المدرسة، وتضم المسجد الذي يشغل جناحاً خاصاً في جهة القبلة، وغرفاً للسكن والمطاعم والمطابخ، ومخازن التموين والقاعات والحدائق، كما ألحق ببعض التكايا مكتب لتعليم الأولاد. انتشرت التكايا في المدن السورية وخصوصاً في دمشق وحلب، أشهرها التكية السليمانية التي شيدت عام 967ه/ 1559م، وتكية مراد باشا المشيدة عام 976ه/ 1568م في دمشق، وتكية الشيخ أبي بكر المشيدة عام 1041ه/ 1631م في حلب. تقع السليمانية على الضفة اليمنى لنهر بردى، شرق المتحف الوطني في مدينة دمشق. شيدها السلطان العثماني سليمان القانوني عام 962ه - 1554م، مكان قصر للملك الظاهر بيبرس، هدمه تيمورلنك، وكان يدعى "قصر الأبلق". استغرق بناء التكية ست سنوات، وأنجزت سنة 968ه/ 1560م، وهي من أضخم الأبنية التاريخية في دمشق، وأعظمها. اعتمد في انشائها التصميم العثماني بالقباب والأروقة. تتألف التكية من صحن واسع تتوسطه بركة ماء، مستطيلة الشكل وتتوزع حول الصحن مجموعة من المباني. ويحيط بمباني التكية سور حجر، ولها ثلاثة أبواب، تتقدم الباب الشمالي منها قبة صغيرة محمولة على أربعة أعمدة. وتشتمل التكية على مسجد يقع في جنوب الصحن، وهو مربع الشكل طول ضلعه 16م، تغطي سقفه قبة كبيرة، وهي نموذج مهم للقباب العثمانية، لها رقبة متعددة النوافذ وطاسة نصف كروية مصفحة بالرصاص، وفي جدران الحرم شبابيك مطلة على الحدائق وهذه النوافذ، ونوافذ القبة كانت من الجص المعشق بالزجاج الملون وتمثل مواضيع زخرفية ولكن زال الكثير منها. المحراب تزينه المقرنصات، وتحيط به زخارف من الفسيفساء الرخام، والمنبر من الرخام الأبيض. وتزين ألواح القيشاني جدران المسجد. وللمسجد مئذنتان كثيرتا الأضلاع، رأساهما مدببان، وفي أسفل ثلثهما العلوي شرفتان مزينتان بالمقرنصات. مساكن الدراويش تقع مساكن الدراويش في شرق الصحن وغربه، ولكل مجموعة منها رواق يتألف سقفه من قباب محمولة على أعمدة، فيه غرف، كل غرفة منها مسقوفة بقبة، وفي كل جناح ست غرف مربعة الشكل، طول ضلعها سبعة أمتار، وهي مزينة بألواح القيشاني. والجناح الشمالي يقوم في شمال الصحن وفيه المخازن والمطابخ وقاعتان واسعتان. ويتوسط القاعتين الكبيرتين بناء مؤلف من تسع غرف، يتقدمه رواق محمول على أعمدة. ويظهر في عمارة التكية تأثير الفن الاسطنبولي والفن السوري. وبناء التكية يستخدم حالياً كمتحف حربي، أما المسجد فما زالت تقام فيه الصلوات. والى الشمال الشرقي من مدينة حلب تقوم تكية الشيخ أبي بكر بن أبي الوفاء المتوفى سنة 991ه/ 1583م، والتي تنسب اليه، وهو صاحب الضريح فيها، والمبنى نشأ على نظام التكايا. أنشأه أحمد بن عمر القاري المتوفى عام 1041ه - 1631م. التكية تتألف من ايوان كبير في صدره حرم صغير ومحراب من الرخام الأصفر والأسود والأبيض، وفي جدرانها شبابيك من الجص البديع الصنعة، لكن داهمه التلف، والى اليسار من الإيوان حجرة ضريح الشيخ القاري. وفي شرق الإيوان رواق صغير له ثلاث قباب مبنية على عمودين من الرخام الأصفر، وفي صدر الرواق قاعة ذات قبة مرتفعة أرضها مرخمة، والى شرق القاعة قسطل ماء بني عام 1005ه - 1596م. ويوجد في التكية عدد من قبور الأتراك. وهذا البناء يعد مزاراً مهماً، إذ كان الولاة العثمانيون يعنون بهذه التكية، ويحرص كل واحد منهم على أن يترك أثراً فيها. الخانقاه والى جانب التكايا وجدت أيضاً منشآت معمارية خاصة لتلقين أصول الطرق الصوفية، وممارسة شعائرها كالجيلانية والرفاعية والقادرية والشاذلية... إلخ. وتسمى هذه المنشآت بالخانقاه أو الرباط أو الزاوية. ويبدو ان الاهتمام بهذه المباني يعود في بداياته الى القرن السادس الهجري، وتحديداً الى عهد الملك نور الدين الزنكي. فيذكر ابن كثير في ترجمة نور الدين: "... وبنى الربط والخانقاه، وكان يجمع عنده الفقهاء والمشايخ والصوفية ويكرمهم ويعظمهم. وكان يحب الصالحين...". ويشتمل الخانقاه على حرم وغرف للسكن وايوان واسع كخانقاه النحاسية في دمشق، التي أنشأها شمس الدين بن النحاس الدمشقي، ومن أهم آثارها واجهتها الحجر الجميلة، وبواباتها المزينة بالمقرنصات، تستخدم حالياً كمسجد يعرف بجامع النحاسين. وفي حي الكيلانة من مدينة حماه تقوم زاوية الشيخ حسين عفيف الدين الكيلاني الذي تولى بناءها، ودفن فيها وكان توفي في عام990ه/ 1582م. ويرجع بناء هذه الزاوية الى بدايات الحكم العثماني. وتعتبر خانقاه الفرافرة من أشهر الخانقاهات في سورية. فهي تقع في محلة الفرافرة في مدينة حلب. شيد البناء لإيواء المتصوفين. بنته ضيفة خاتون الملك العادل سيف الدين أبي بكر عام 639ه - 1237م. تزين المدخل مقرنصة ذات ثلاث حطات، تعلوها زخارف هندسية بديعة، وتعلو المدخل كتابة تاريخية تبين أن هذا البناء شيد "أيام السلطان الملك الناصر صلاح الدين والدنيا يوسف بن الملك العزيز محمد في شهور سنة خمس وثلاثين وستمئة للهجرة". يعقب المدخل دهليز منكسر يفضي الى صحن مربع الشكل تتوسطه بركة ماء مثمنة الشكل. وفي الجهة الشرقية من الصحن هناك دهليز يؤدي الى فسحة مربعة يحيط بها ايوان صغير وثلاث غرف. تتطاول جدران الغرف وتتقارب في الأعلى في شكل مائل مشكلة ما يشبه القبة المقطوعة من الأعلى. ويتفرع من الممر السابق، ممر آخر يؤدي الى الطابق الثاني يحتوي على غرف سقوفها نصف أسطوانية. أما في الجهة الغربية من الصحن فيوجد درج يؤدي الى سطح الإيوان، بعد أن يعبر ممراً ضيقاً مسقوفاً، تنفتح عليه غرف عدة كانت تستعمل لإيواء المتصوفين. والحرم في هذه الخانقاه تعلوه قبة مرتفعة تستند الى عنق مثمن الشكل بواسطة أربع زوايا مثلثية كروية، وفي أسفلها مقرنصات لتحويل الشكل المثمن الى دائري. وأما المحراب فهو رخامي يحيطه عمودان رخاميان زينا بتيجان مزخرفة، تعلوه زينة من الرخام الملون مؤلفة جدائل بديعة المنظر.