الحضارات تدب في الأمم في طور شبابها عندما تفرز الدولة مجموعة من صفوة العباقرة والعلماء لديهم القدرة على الأخذ بيد بقية الهرم الاجتماعي الى أعلى. لكن سرعان ما يدب الطمع الاقتصادي والتاريخي في الدولة وتتطلع الى التوسع على حساب جيرانها. ثم يلي ذلك أن تصاب الدولة بالجشع الاقتصادي والرغبة في النمو لسد حاجات طموحاتها الحضارية، وتضع لنفسها تبريراً تاريخياً نفسياً بأنها تؤدي دور إعمار للدول والأمم المجاورة لها، مع أنه استعمار يطيح كرامة تلك الأمم. ولكن عملية التبرير التاريخي النفسي، وتليها اصابة الحضارة بالتخمة. وسرعان ما تصاب بما يعرف بالترهل وتظهر فيها طبقة من المترفين. وفي ما يتعلق بهذه النقطة قال الله تعالى في آيات قرآننا الكريم : "اذا أردنا إهلاك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً"، وهذا يحدث مع كل الحضارات بلا استثناء. وبعد ذلك تظهر أعراض انهيار الحضارة، وتظهر أمة أخرى في طور الشباب لتتسلم المشعل مصداقاً لقوله تعالى: "وتلك الأيام نداولها بين الناس". أما ما نراه الآن من ادعاء إحدى الحضارات المعاصرة بأنها وصلت الى مرحلة من النضج التاريخي وفهم التاريخ وفهم كيف تنشأ الحضارات وكيف تنهار، فيعتبر أكذوبة كبيرة لبث الذعر في الأمم الأخرى. ونسيت هذه الحضارة المعاصرة أن العالم لم يخلقه الله سبحانه وتعالى من أجل إشباع حاجاتها التاريخية الطفولية بجعله سوقاً اقتصادياً كبيراً لتحقيق أرباح تجارية. كما انها نسيت أن الله سبحانه وتعالى لم يرزقها بخيرة عقول البشر من أجل استغلال الأمم الأخرى بالتقنيات العالية التي اخترعتها في مقابل أطنان من القمح. أما الحضارة الاسلامية فتختلف عن حضارتنا المعاصرة في أنها حملت على عاتقها أن تلعب دوراً أخلاقياً في النهوض بالأمم الأخرى. فسُجلت في التاريخ باعتبارها أطول الحضارات عمراً حوالى ألف عام وأقلها إسالة للدماء البشرية. * كاتب مصري.