بعد التعريف الذي وضعه دو فونتين للانتحار واعتمدته الأكاديمية الفرنسية للعلوم سنة 1762، قام اميل دوركهايم 1858- 1917 لمحاولة رصد الأسباب التي تؤدي الى هذا الأمر فركز على ان أحد أهم الأسباب الباعثة عليه هو تفكك العلاقات الاجتماعية وتفشي الفردية والشعور بالوحدة. وتوسعت دائرة البحث فشملت العوامل الاقتصادية والأزمات الاجتماعية الناشئة عن الفروقات الطبقية والمعيشية، والبطالة والفقر والطلاق وارتفاع سن الزواج والجنس والترمل وعدم الإنجاب والسكن في المدينة الكبيرة وتكاليف الحياة والإدمان والخلافات العائلية والمشكلات النفسية والجسدية. في إيران يصنف الباحثون اسباب الإقدام على الانتحار بخمسة أبعاد هي: - الاختلاف في الزواج وعدم تناسب الشروط الاجتماعية الحياتية والمعيشية. - المشكلات النفسية، والفشل في الحب، والاختلاف النفسي والشخصيات. - الفقر والبطالة والإدمان والأزمات الاقتصادية. - الشروط الخاصة في الحياة في المدن الكبرى وخصوصاً الصناعية. - التحلل وانفصال المجتمعات النواتية المشكلات العائلية التي تنتهي بتفرق العائلة. ومن اللافت انه في إحدى المناطق التابعة لمحافظة قزوين الى الغرب من مدينة طهران، واسمها اسفرورين، التي تتعدد فيها اسباب الأنتحار من قبيل الفقر والأمية والإدمان، إلا أن الأهم هو الخوف من المصير المجهول الذي يؤدي إليه طلاق النساء، وما قد ينتج عنه من أزمات اجتماعية، ولمنع هذا الأمر، فإن النساء يهددن بحرق أنفسهن. غير ان اللافت في الأمر هو تحول عملية احراق النفس من قبل النساء في هذه المنطقة الى تقليد لم يعد مرفوضاً، فصرن بمجرد ان يعانين من أي ضائقة يهددن بإحراق انفسهن، وخصوصاً إذا ما وصل الأمر الى حد الطلاق. وهن بهذا الأسلوب يعمدن الى جلب الانتباه والرأفة، فالكثير من محاولات الانتحار في هذه المنطقة لا تهدف الى قتل النفس، بل الى إيصال رسالة معينة، لذلك اصبح لحرق النفس بعد تقليدي وعرفي. على أي حال الانتحار في ايران ظاهرة خطيرة، وهي في تزايد، إذ ان الإحصاءات الصادرة حول الانتحار بين عامي 1956 و1961 تشير الى وجود نحو 568 حالة، يشكل الرجال منها نحو 367 والنساء نحو 176 فيما لم تحدد طبيعة 24 حالة اخرى. لكن الرقم ارتفع في العقدين الأخيرين، وتشير إحصاءات منظمة الصحة انه ما بين عامي 1989 و1993 تضاعف عدد حالات الانتحار في حين ان عدد السكان لم يتضاعف، وفي إيران تنتشر ظاهرة الانتحار بين النساء أكثر من الرجال على العكس مما هو معروف في العالم. وتعود أسباب ذلك الى تسلط الرجل في الحياة العائلية والاجتماعية وانخفاض سن الزواج، وزواج القربى، والاختلاف العمري مع الزوج وعدم الإنجاب. في هذا الإطار قامت المنظمة بالإعلان عن أرقام حالات الانتحار في بعض المحافظاتالإيرانية ما بين عامي 1997 و1999 وهي كالآتي: - محافظة بوشهر الى الجنوب الغربي على الخليج، 80 حالة انتحار سنة 1997، شكلت النساء منها نحو 62. - محافظة اصفهان نحو 2066 حالة سنة 1988 انتهت نحو 308 منها بالموت. - محافظة كرمنشاه سنة 1998، أقدم نحو 150 شخصاً على الانتحار في بداية السنة، اما في الأشهر الأخيرة منها فقد أقدم نحو 134 شخصاً على وضع حد لحياتهم عن طريق استعمال السلاحين الناري والأبيض والشنق والسم والنار. - محافظة لرستان وفي فصل الخريف من العام 1999، أقدم نحو عشرة اشخاص في منطقة كوهدشت على الانتحار. - أما الأرقام عن مدينة طهران في العام 1999 فإن الأرقام تؤكد ان 20 شخصاً يحاولون الانتحار كل يوم يموت منهم ثمانية اشخاص، وأن أكثر الذين يقومون بذلك هم من الفتيات. بشكل عام، فإن معدل الانتحار في إيران يتراوح بين 25 الى 30 شخصاً كل مئة ألف، وهذا المعدل يعتبر من أعلى المعدلات في العالم، إذ ان المعدل العالمي يتراوح ما بين 11 و12 في كل مئة ألف، ويبلغ في انكلترا نحو 12 وفي أميركا نحو 11، أما في اليابان فيبلغ نحو 17 حالة في كل مئة الف شخص.