استغلال الأطفال وانتهاك حقوقهم كان وما يزال أمراً مستشرياً في جميع البلدان والمجتمعات تقريباً. ألوف الأطفال يموتون من جرّاء المعاملة السيئة وسوء التغذية والاهمال، وألوف يشكلون يداً عاملة رخيصة يتمّ استغلالها بسهولة وألوف يتعرضون للضرب بوحشية. ليس من قبل مستخدميهم فقط بل من قبل اهلهم أو أحد المقرّبين اليهم. نسبة عالية جداً من الأطفال يتمّ التعدي عليهم جنسياً ويكونون في معظم الحالات ضحايا اشخاص يعرفونهم ويثقون بهم وهذا أحد الأسباب التي تفسّر بقاء الاعتداء طي الكتمان. اما المعتدي فقد يكون أيّاً كان من دون استثناء، فهؤلاء المرضى نفسياً يعرفون كيف يخفون ميولهم، ولهم طرق عدة في استمالة الأطفال للتفرد بهم واقناعهم عبر الترغيب والترهيب بأنهم يقومون بلعبة أو بأمر طبيعي وعليهم ألا يخبروا أحداً بما يحدث بينهم. والمخيف أيضاً أن الأطفال المقربون المقرّبين من المعتدي يكونون عادة فريسة سهلة إذ يسهل الانفراد بهم والمعتدي يملك الوقت الكافي لتحضير اعتدائه من دون ان يثير الشبهات. هكذا يبقى الكثير من الأطفال ضحايا اعتداءات متكررة لسنوات عدة من دون ان ينفضح أمر المعتدي الذي غالباً ما ينجو من فعلته. وتنطبع آثار هذا التعدي في شكل دائم أي حتى بعد توقف الاعتداء وبلوغهم سن الرشد. فهؤلاء الأطفال يشعرون انهم منعزلون عن العالم لا أحد ينقذهم ولا يعرفون كيف يدافعون عن انفسهم. يشعرون بالعار والذنب معاً كونهم لم يحاولوا منع أو تجنب الاعتداء فيفقدون ثقتهم بأنفسهم إذ يتبيّن لهم انهم لا يتحكمون بأجسامهم أو بمصيرهم. ويفقدون ثقتهم بالآخرين ويسجنون أنفسهم في خوفٍ دائم من اعتداء آخر فيتقوقعون بعيداً عن العالم الخارجي الذي لا يشعر بخوفهم واكتئابهم. تلك الحالة النفسية يمتد تأثيرها الى قدرتهم في التقدم من الناحية الاكاديمية إذ يصابون بعدم القدرة على التركيز والانشغال الدائم بأحلام اليقظة. فيجدون صعوبة بالغة في انشاء علاقةٍ حميمة مع الجنس الآخر أو في انشاء علاقات اجتماعية كالأصدقاء أو الرفاق في العمل. وهم عرضة أكثر من غيرهم للأمراض العصبية ومحاولات الانتحار والادمان على الكحول أو المخدرات. قد لا يحاولون الانتحار مباشرةً وانما يقومون بأعمال تشكل خطراً على حياتهم كأن يقودون السيارة في شكل طائش أو يعرضون انفسهم للأخطار. أما أهم التصرفات العصبية التي تظهر عليهم فهي مصّ أصابعهم والتبلل خلال الليل والخوف من الظلام واضطرابات النوم كالأرق والكوابيس المستمرة. ومما يدل على احتمال وجود تعدّ جنسي على الطفل، اهتمام الولد بالمسائل الجنسية في شكل غير ملائم نسبة الى سنّه، بينما تجده في الوقت نفسه يمتنع عن التعرّي في شكل مبالغ فيه أو تراه يرتدي دائماً ملابس اضافية أو فضفاضة. ومن ناحية أخرى كثيرٌ من الأطفال يتعرضون للضرب من قبل أحد والديهم أو معيلهم إذ يكون الأخير إما مريضاً نفسياً يستلذّ بتعذيب الأطفال أو سكيراً أو مدمناً على المخدرات، ويكتم الطفل ما يجري ويحاول اخفاء جروحه أو حروقه خوفاً من انتقام المعتدي ويتميز هذا الطفل بانعزاله واكتئابه الدائم وبتصرفات عصبية عدائية اضافة الى خجله الشديد وخوفه من العودة الى منزله. الاهمال والتعذيب النفسي من أشدّ أنواع انتهاكات حقوق الطفل إذ يظهر الإهمال على الطفل في هيئته الخارجية التي تتسم بعدم الترتيب والقذارة كما في صحته المتدنية فتضعف المناعة عنده بسبب سوء التغذية. وتظهر العدائية في تصرفاته. كما تظهر عليه عوارض أخرى كتأخير في اكتساب اللغة والتحكم بحركاته والخلل في المأكل كالبوليميا Bulimia والانوركسيا Anorexia Newga وأمراض عصبية كوجع المعدة والطفح الجلدي. صحيح ان الأعراض المذكورة قد تكون نامجة عن اسباب أخرى، لكنها بلا شك مؤشّر خطر وعلى الطفل ان يُعرض على طبيب نفسي لاكتشاف الأسباب واعطائه العلاج المناسب إذ كلما أسرعنا في معالجته كلما كانت النتيجة أكثر فعالية. لذا من واجبنا التدخل ولا نعلّل أنفسنا اننا لا نريد التدخل بين الأهل وأولادهم، فلا ننسى ان حقوق الطفل تأتي قبل حقوق العائلة.