شهد العقدان الأخيران من القرن الماضي تنامياً سريعاً في الاهتمام بالبيئة التي فرضت مشكلاتُها نفسها على سكان الأرض. وجاء الوعي العالمي بالبيئة متأخراً، بعدما تعرض النظام البيئي لتخريب هائل في كل عناصره، فأصبحت مشكلات التلوث تشكل تحدياً خطيراً لحياة الانسان والحيوان والنبات على هذا الكوكب الأزرق. وظهر تحوّل واضح في الموقف الاميركي من البيئة مع مؤتمر لاهاي مطلع العام الجاري. واخيراً، قرر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش سحب موافقة بلاده على بروتوكول "كيوتو". وراهناً، تحاول دول أوروبا الغربية والمحافظون البيئيون الأميركيون إقناع الرئيس الأميركي بالرجوع عن قراره. ظاهرة الاحتباس الحراري من الظواهر التي يأخذها في الاعتبار المهتمون بالبيئة، ارتفاع حرارة الارض الذي يترافق مع الظاهرة المعروفة ب"أثر البيت الزجاج" أو الاحتباس الحراري. وتعني هذه الظاهرة انحباس الغازات المنبعثة من مداخن المصانع داخل الغلاف الجوي للكرة الأرضية. فالمعروف أن أشعة الشمس تسقط على سطح الكرة الأرضية في موجات حرارية، ويرتد بعضها منه الى الجو فيبرد. ومع تراكم غازات تلوث الصناعة في طبقات الغلاف الجوي، اخذت موجات الحرارة المرتدة تصطدم بذرات الكاربون وترتد الى الارض. وتفاقمت ظاهرة الاحتباس الحراري بأثر الافراط في انبعاث الغازات الصناعية في الغلاف الجوي، وعلى رأسها غاز ثاني أوكسيد الكربون. وتعد الدول الصناعية، خصوصاً الولاياتالمتحدة التي لا يزيد عدد سكانها على 3 في المئة من مجموع سكان العالم، المسؤول الأول عن تنامي هذه الظاهرة، لأنها، على سبيل المثال، تستنفد ما مقداره 30 في المئة من مجموع الطاقة العالمية الأحفورية البترول والفحم الحجري. ولا تستهلك الهند التي يتجاوز عدد سكانها 30 في المئة من مجموع سكان العالم، سوى أقل من 2 في المئة. وأدت مصادر أخرى دوراً في زيادة الاحتباس الحراري، مثل قطع أشجار الغابات، خصوصاً التدمير الكبير لأشجار غابات الأمازون التي تعد رئة تتنفس بها مخلوقات هذا العالم. وتمتص النباتات غاز ثاني أوكسيد الكربون من الجو في عملية التمثيل الضوئي لصنع المادة العضوية في أنسجتها. موت ابيض للشعاب المرجانية وتؤدي ظاهرة الانحباس الحراري إلى انعكاسات خطرة على الوضع البيئي في المملكة العربية السعودية، منها موجة الجفاف التي أثرت كثيراً في الزراعة، وتسببت بجفاف الآبار والعيون، ما أجبر المزارعين على ترك مزارعهم والهجرة الى المدن الكبيرة. ويمثل الاحتباس الحراري تحدياً واضحاً للموارد البحرية. وتسبب الارتفاع في درجة حرارة المياه السطحية في البحر الأحمر، بالقضاء على نسبة كبيرة من تكويناته المرجانية تصل في بعض المناطق الى أكثر من 70 في المئة. ويعرف ذلك بظاهرة تبيض الشعاب المرجانية CORAL BLEACHING. ومن المعروف أن الحيوانات المرجانية لا تستطيع العيش من دون طحالب حمر تسكن جوفها. ولسبب غير معروف، يؤدي ارتفاع درجة حرارة المياه إلى موت الطحالب، ويتحول لون الحيوان المرجاني الى الأبيض. ويعني موت الشعاب المرجانية القضاء المبرم على النظام البيئي البحري، لأن الشعاب المرجانية تمثل واحات تعيش الكائنات البحرية فيها. * عضو هيئة تدريس في جامعة الملك عبدالعزيز.