قلّما استحوذ حديث على قلوب الناس كما استحوذت احاديث الاحجار الكريمة، خصوصاً حين ينشغل العلماء والجوهريون القدامى بحكاية اخبارها ورواية اوصافها وما يعلق بها من قصص خرافي مشوّق يشدّ القلوب ويجعل الأسماع تصيخ الى ما يبهر العين والأذن والنفس على حد سواء. ففي تكوّن اللؤلؤ، وقف معظم العلماء والجوهريين العرب على رأي المعلم ارسطو. فأوجز التيفاشي 651ه/ 1253م في كتابه "أزهار الأفكار في جواهر الأحجار" ص328 رأيه في تكوّنه فقال: "فإذا هاجت الرياح والأمواج من ذلك البحر المحيط، كان لأمواجه رشاش يلتقمه الصدف الكائن في البحر الذي يسلكه الناس، كما يلتقم الرحم المني، فتكون تلك النطفة من ذلك الماء في اللحم المركّب في الصدف، فلا يزال الصدف يعمد الى الساكن من ماء البحر، فيفتح فمه ويستقبل بذلك الماء الذي - مثل النطفة - رياح الهواء وحرّ الشمس عند طلوعها وغروبها، ولا يتعرّض لها في النهار لشدة حرّ الشمس وهيجان البحارات التي تهيج العالم. فإذا انعقدت الدرّة وصلت صارت جسداً مستوياً هبط الى قعر البحر، فانغمس هناك في أرض البحر". أما الخليل بن احمد الفراهيدي، فهو يتقصّى في معجمه "العين" اسماء اللآلئ ويقول ان كثرتها تشبه كثرة اسماء الأسد. ودخلت في لغة الناس بقوة عظيمة، ومنها: اللؤلؤة والدرّة والمرجانة والنطفة والتومة والتؤاميّة واللطيميّة والصدفيّة والسفانة والجمانة والونيّة والهيجعانة والخريدة والحوصة والثعثعة والحضل. ويشبّه الشاعر العربي محبوبته باللؤلؤة التؤامية فيقول: كالتؤامية ان باشرتها / قرّت العين وطاب المضطجع ويشبّه النابغة الذبياني المحبوبة بالصدفية فيقول: كمضيئة صدفية غوّاصها بهج / ومن يراها يهلّ ويسجد وعن الزمرّد تحدث الفارابي في كتابه "ديوان الأدب" فقال: "ان الزبرجد هو تعريب الزمرّد، في حين ان التيفاشي يقول ان الزبرجد هو غير الزمرّد، متوقفاً عند الضرب الأخضر من الزمرّد وهو في درجاته الأربع: الذبابي والريحاني والسلقي والصابوني. وبحسب رأي الجوهريين العرب فإنه يوجد بكثرة في التخوم بين بلاد مصر والسودان، خلف اسوان، وتحديداً في سلسلة جبال الصحراء الشرقية المحصورة بين البحر الأحمر ونهر النيل في صخور الشيست، حيث اقتطع الحجر الكريم الذي أهدي الى "كيلوبترا". إذ المنطقة كما تتحدث التوراة هي مصدر كل الزمرّد! وفي "رسالة الاحجار" لشمس الدين محمد بن محمد صقر الدمشقي الغساني، وهي محفوظة في مكتبة بايزيد عمومي، رقم 19044/2، وكتبت في القرن الثامن، ذكر لاستخراج الزمرّد من الماء المختلط بالرمال. أما الأخوان الرازيان الجوهريان فيقولان: ان مستنبطيه، كانوا اذا شكّوا في حجر وتفرسوا أن فيه زمرداً، طلوه بالزيت، فإن كان فيه شيء منه، ظهرت فيه عروق خضر. اما اكبر ما شاهداه من الزمرد المتناهي في الصفاء واللون، فهو وزن خمسة دراهم، وربما وزن عشرة دراهم، وقالا ان قيمة الدرهم منه، هي خمسون ديناراً. ويذكر التيفاشي، ان الزمرد الذبابي الكبري، ينفرد بخاصّية عظيمة، وهي ان الافاعي اذا نظرت اليه، انفقأت عيونها، فتسمع فرقعة كمن يقتل صؤابة على ظفره. ويتحدث الكندي عن منافع الزمرّد، حيث ان من يدمن النظر اليه، يذهب عن بصره الكلال، ومن يحمل حجراً منه او يتقلّده او يتختّم به، يدفع عن نفسه داء الصرع! وذكر الألماس، يقول ابو الريحان البيروني في كتابه "الجماهر في الجواهر" توفي 440ه ان معدنه بالقرب من معادن الياقوت في جزيرة ذات عيون يستخرج الرمل منه، ويغسل على هيئة دقاق الذهب المعروف ب"ساوة" وهي في مملكة خوار المحاذية لجزيرة سرنديب. اما ابو العباس العماني فيقول: ان معدنه في "تنكلان كامرون". ويتحدث الجوهريون العرب عن اشكال الألماس في ذاتها من غير وضع، فيقولون انها مخروطية مضلّعة، مثلثات مركّبة كالأشكال المعروفة بالنارية ومتلاصقة. وكانوا يعتقدون ان قطع الألماس وثقبه لسائر الجواهر، ناتج من تشكله بالأشكال النارية، لأن قوة النار وحدّتها، تسير في كل الأشياء، من جانب إلى آخر، كأنها تثقبها وتقطع مسافة ما بين حواشيها. أما الهنود، بحسب ما رواه الجوهريون العرب، فكانوا لا يختارون من الألماس، إلا ما صحّ شكله وسلم، واحتدت أطرافه، ولم يتثلم، ولا يرضون اذا انكسر منه طرف، لأنهم كانوا يتشاءمون به، وكأنه من جهة معتقداتهم، قد غلب بغيره، وهذه من عاداتهم المجوسية التي كانوا يسحبونها ايضاً على اصنامهم وآلاتهم! ويذكر الكندي أن لقب الألماس هو حجر العقاب، لأن طلابه كانوا يغطون على فرضة الوكر بزجاج يراه منه ولا يصل اليه، فيذهب ويجيء بألماس ويضعه عليه، فإذا اجتمع منه شيء كثير، اخذوه ورفعوا الزجاج، ليظن ان النجاح كان مما فعل، ثم يعاودون الكرّة مرة اخرى. وهذا ما يؤكد رأينا في ان الجواهر والأحجار الكريمة عند الأمم القديمة، كانت غنية بعناصرها التخييلية الغرائبية، التي شدّت اليها انظار اهل الغرب قاطبة، فصاغوا منها حكايات مشوّقة. وحجر الفيروز بحسب ما رواه ابن منظور في "لسان العرب" هو معرّب بيروذه بالفارسية، ومعناها النصر، ولذلك سمّي حجر النصر والغلبة. وسمّاه جابر بن حيان في كتابه "النخب في الظلمات" بأنه حجر الغلبة والعين، وحجر الجاه. اما البيروني فيقول ان العامة كانوا يعملون منه قلائد الصبيان. والسبب في رأيه، انهم ظنوه السيج لرخاوته من جهة ولأن خرزاته قابلة للانكسار من جهة اخرى بأدنى صدمة، فكانوا ينسبون ذلك الى صيبة العين. ويتحدث ابن الأكفاني توفي 749ه في كتابه "نخب الذخائر في احوال الجواهر" عن خلاصة كلام الأقدمين والمتأخرين من الحكماء المعتبرين في ذكر الفيروز وسائر الجواهر النفيسة، بأصنافها وصفاتها ومعادنها المعروفة. وهناك مخطوط من هذا الكتاب النفيس محفوظ في متحف آركه أولوجي رقم 536/1. وهو يرى ان منافع الفيروز كثيرة بحسب ما نقله عن الحكماء، لأنه يجلو البصر بالنظر اليه، كما ينفع العيون اذا سحق وخلط في الأكحال، وينفع شراب مسحوقه من لدغ العقرب. وينقل التيفاشي، بعض ما جاء في رسالة ارسطو الى الاسكندر في تدبير الملك، ان حجر الفيروز تتقلد به الملوك وتستكثر منه. وخاصيته عند العلماء والعظماء انه يدفع القتل عن ممسكه. ويقول انه لم يُرَ قط في خاتم قتيل. ويعتبر الفيروز المصري اشهره تاريخياً واقتصادياً. ومناجمه في "سرابيت الخادم" و"أم بجمة" والمفازة في سيناء على خليج السويس. ومما ترويه كتب التراث ان بعض الوافدين من "غزنة" على صاحب شيراز، قالوا انه يوجد في دار السلطان بهاء الدولة، فيروز مدور الشكل في حجم تفاحة كبيرة معلق في مجلس المباهاة. كما ذكر بعضهم انه كان لأبي علي الرستمي خوان فيروز، فلما استأصل مرداويز بن زياد بيته، وقع الخوان في جملة ما رفع منه الى اخيه وشمكير، ثم الى بيستون، فوضعه في قلعة جاشك. ثم استولى عليه بنو بويه فنقلوه الى الري. وحكايات المرجان عند العرب والأوائل، ليست اقل غرابة. فهو يعيش في مستعمرات. وهو لاحم، ينتشر ليلاً لاقتناص طعامه، ويفرز مادة ينشأ منها حجر كريم. وهذا الحجر لونه برتقالي او قرنفلي، ويكثر وجوده في المياه الاستوائية. ويذكر الجوهريون العرب، ومنهم البيروني في كتاب "الجماهر" ان المرجان يستعمل في الطب والزينة. وكلما كان اشد حمرة، كان اشد اعتباراً للزينة. فأحسنه الرزين الأملس الأحمر الوهّاج، وأردأه الأبيض، وبينهما السواد. ويقول التيفاشي، وكذلك الكندي، ان الأدهان تصلحه والخل يفسده. وعددوا خواصه، فقالوا انه مقوٍ للقلب ودافع لسم الأفعى. ونظراً الى خواصه استعمله الأطباء كمسحوق ناعم في اقراص لمعالجات طبية. تأثر الجوهريون العرب، بما كتبه "بلينوس" عن منشأ المرجان بعلّة امتزاج الحرارة بالرطوبة في قعر المعدن، وغلبة الرطوبة على الحرارة بمجاورة الماء. ويتحدث الجوهريون عن انه ببحر المرجان غاصة يتخذون شباكاً قوية من القنّب، مثقلة بالرصاص، يدلونها على شجر المرجان، ويديرون الشبكة حول الشجرة حتى تلتف بها فيجذبونها حتى تنقلع، ثم يخرج من الماء الابيض ليثاً، فإذا جفّ واحمرّ، ازيلت اصوله ناحية، فهي البسر، وفصلت اغصانه قطعاً كباراً، فتحك عند ذلك على مسن الماء وتجلى بالسنباذج المعجون بالماء على رخامة، فيظهر لون المرجان ويحسن ويثقب بالفولاذ المسقى. ومما يروى عن الاسكندر، انه كان ينصح بأن يعلق المرجان على صدر المصروع فينفعه، كما ينفع بتعليقه مَنْ به النقرس. وكانوا يؤمنون انه يحفظ من أعين السوء، ومن النفوس الخبيثة، الإنسية والجنية، خصوصاً بالنسبة الى الصغار، فما بال الكبار؟! * استاذ في الجامعة اللبنانية.