المتأمل في كتابات الأستاذ الدكتور عبد العظيم رمضان في صحيفة "الجمهورية" القومية في الآونة الأخيرة، ينتابه الجزع مما آلت إليه الصحيفة التي أسسها جمال عبد الناصر ووضع اسمه عليها، وكانت في ذلك الزمن صحيفة "العهد الجديد" الجمهوري. ما يثير الجزع أيضا، ما يمثله الأستاذ الدكتور داخل المؤسسات الرسمية للدولة. فهو "رئيس التحرير" للسلسلة التاريخية المهمة التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت عنوان "تاريخ المصريين". وقد صدر عنها حتى عام 2000 العدد 195، كما يقدم رسميا السلسلة الأخرى بعنوان "مكتبة الأسرة - مهرجان القراءة للجميع". واعرف أيضا انه مقرر لجنة التاريخ في المجلس الأعلى للثقافة والفنون، وهي جميعها هيئات ومؤسسات رسمية. وهكذا فكما يتضح من لقبه فإنه يحمل "كرسي الأستاذية". هنا موطن الجزع. فالأستاذ الدكتور ليس عابر سبيل عنّ له بدافع الملل أو الجهل أو التعصب الطائفي - السياسي أن يصف "أقباط المهجر" بالعمالة، وان يسم رئيس تحرير صحيفة "القدس العربي" بالعمالة أيضا، لا لسبب إلا انه يفتح صحيفته لآراء ومقالات المصريين الأقباط "في المهجر" في ما يعن لهم إبداء الرأي في شؤون وطنهم مصر الذي تربطهم به وشائج قوية حتى وهم يعيشون بعيداً منه . ما أريد كتابته هنا ليس الدفاع عن رئيس تحرير "القدس العربي" ولا عن الصحيفة التي يتشرف عدد كبير من المصريين في الكتابة فيها وأنا واحد منهم. لكن الدكتور رمضان، كما أسلفت، يعمل ويشرف بصفته أستاذا للتاريخ في مؤسسات الدولة. وبالتالي فهو "موظف عمومي" يتقاضى راتبا أو مكافأة، لكنه يحمل اللقب الرسمي"رئيس التحرير" الذي يوقع به على مقدمة سلاسل الكتب التي أشرت إليها وأهمها "تاريخ المصريين". إذن عمله في مؤسسات الدولة هو التخطيط والتنفيذ لترويج مادة تاريخية تطبعها المؤسسة الرسمية وتضع خاتمها عليها. كما ان جزءا من نشاطه العام يظهر بجلاء في العمود الذي يكتبه في "الجمهورية" التي يرأس تحريرها الأستاذ سمير رجب ويشرف عليها من أعلى "مجلس الشورى المصري" الذي نعرف انه جزء مهم من المؤسسة التشريعية المصرية. وهو المجلس الذي يعين ويرشح رؤساء تحرير الصحف المصرية القومية التي تقع "الجمهورية" في دائرة اختصاصه. لنتأمل مرة أخرى الموقف الذي تتضح صورته الآن: أستاذ للتاريخ يشرف بشكل رسمي على مطبوعات رسمية تاريخية تصدرها الدولة، ويكتب بشكل منتظم في صحيفة قومية يشرف عليها مجلس الشورى المصري ويعين رئيس تحريرها . فإذا ما أزحنا الجزع مؤقتا لتحل محله تساؤلات مشروعة، تساءلنا: أ- هل هي حملة منظمة موجهة ضد "أقباط المهجر"؟ ب- هل هي حملة رسمية ضد "أقباط المهجر"؟ ج- أم انها حملة سياسية هدفها شق وحدة الصف الوطني وتسعير الكراهية الدينية في وقت تتكاتف الطاقات الوطنية، على اختلاف معتقداتها الدينية، في مواجهة الحرب الصهيونية ضد الفلسطينيين والمقدسات الدينية المسيحية والإسلامية؟ الذي يدفعني إلى التساؤل الأول هو تصدي أستاذ للتاريخ له موقعه ونفوذه داخل مؤسسات الدولة، لوصم ما يزيد عن أربعة ملايين مصري بالعمالة . وما يدفعني الى التساؤل الثاني هو موقف صحيفة "لجمهورية" القومية بفتح صفحتها لكتابات الأستاذ الدكتور. لن ادخل هنا في محاجّات حول مقولاته. لكن بداية لا بد من توضيح بعض الأمور: فكاتب هذا المقال يؤمن بالماركسية العلمية ويعتبر أن جذوره الثقافية تنهل من المناهل الإنسانية للثقافات الفرعونية والقبطية والعربية جاهلية وإسلامية. وأيضا فإني واحد من مئات المصريين الذين قضوا فترات في السجون والمعتقلات الناصرية، وبالتالي فشهادتي عن الإنجازات الناصرية غير مغرضة. انها موثقة في أعمالي الصحافية والروائية كتاب إنسان السد العالي مع صنع الله إبراهيم وكمال القلش، وهو عن بناء السد. وقد كتبناه وأصدرناه في عهد عبد الناصر بعد الإفراج عنا ثلاثتنا من معتقل الواحات بشهور قليلة، و كذلك مسرحية "النفق"، وهي عن السد العالي أيضا وصدرت من سلسلة المسرح العربي التي كان يشرف عليها الراحل صلاح عبد الصبور. لقد كتبت واكتب عن مجانية التعليم في العهد الناصري التي لولاها لما استطعت، ولما استطاع الآلاف من فقراء المصريين، الالتحاق بالجامعة والتمتع بالمزايا التي تتيحها الشهادات الجامعية في بلدان العالم الثالث. وهذا لم ولن يمنعني من الإشارة إلى الأخطاء القاتلة في الحقبة الناصرية والتي كان أخطرها "إنتاج" أنور السادات ليصبح في ضربة عمياء من ضربات القدر رئيسا للجمهورية. المقارنة بين موقفي عبد الناصر والسادات من "وحدة المصريين داخل الوطن" مثيرة أيضا للتساؤل. فبينما أكد الميثاق الوطني على أن حرية العقيدة الدينية مقدسة وان "جوهر الأديان يؤكد حرية الإنسان"، صدر أيضا في عهد عبد الناصر، عام 1967، اقرار بحق الأقباط في الحصول على عطلة بمناسبة أعيادهم الدينية. في المقابل نجد السادات يعلن "أنا رئيس مسلم لدولة إسلامية". وقد أطلق على نفسه لقب "الرئيس المؤمن"، وأصدر القرار الجمهوري رقم 491 لسنة 1981 بإلغاء تعيين الأنبا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ووضعه تحت الإقامة الجبرية في دير وادي النطرون لأن الحبر الأعظم رفض زيارة إسرائيل وأعلن انها لا تتم حتى يقيم الفلسطينيون دولتهم. لماذا أقارن؟ حتى نستطيع أن نربط سهام الأستاذ الدكتور الموجهة ضد عبد الناصر واتهامه بكل نقيصة، بسهامه ضد اقباط المهجر واتهامه لهم بالعمالة والخيانة، فيما يقوم بإعادة كتابة تاريخ أنور السادات، أي بتزويره. هذه الكراهية الدينية التي روج لها السادات يحاول الرئيس حسني مبارك إخمادها الآن، فيما تحاول مدرسة التزوير إعطاء صورة مشوهة تصور اقباط مصر بأنهم يهاجمون مصر والرئيس مبارك حينما يعلنون عن رأيهم في أحداث تمس الوطن والمواطنين. إن كافة القوانين في المجتمعات الحديثة تحمي حرية التعبير "في إطار القانون". وحينما يمارس أقباط الخارج حقهم هذا في المجتمعات التي يعيشون فيها يتهمهم رمضان بأنهم عملاء وخونة! بناء عليه فإني اقترح ما يلي: رفع دعوى جماعية من "مصريي الخارج" ضد جميع المعنيين بسبب الضرر الناجم عن هذه المقالات الاتهامية.