لولا أن "المؤتمر الدولي الثاني للإنترنت والوسائط المتعددة" عُقِدَ فعلاً في "المجمع الثقافي" في أبو ظبي، في اليوم نفسه الذي بدأت قمة الأميركتين في كيبيك، لكان على المهتم ان يحسب نفسه خارج حدود العالم العربي. صحيح ان المؤتمر الذي بحث في ثورة التكنولوجيا وإشكاليات التعدد الثقافي واللغوي لثلاثة أيام ابتداء من 22 نيسان ابريل الماضي لم تصاحبه تظاهرات غاضبة، ولا رمي حجارة ودمى، أو لفائف حمّام وكرات غولف. بل كان هادئاً، سلساً، فيه إصغاء طغى على الجدل... إلا أن محتوياته ومواضيعه التفصيلية كانت في غاية الأهمية واستشراف المستقبل، خصوصاً في ما يتعلق بالدول النامية او الصغيرة التي تخشى ذوبانها وضياع هويتها الوطنية في بركان عولمة يقذف حممه على الكون. القمة الدولية الثانية وهو التعبير الذي أطلق على هذا المؤتمر تناولت عبر أوراق عمل قدمها اكثر من ثلاثين متحدثاً بارزاً مسائل تختص بابتكار، إنتاج، توطين، ونشر برامج الوسائط المتعددة وتطبيقاتها في ميادين السينما والموسيقى، الكتاب الإلكتروني، والفنون. وعبر التركيز على وضع الإنترنت والوسائط المتعددة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. بدا السيد هرفيه فيشر رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الوسائط المتعددة متحمساً للحفاظ على لغة وثقافة الشعوب المهددة بالاندثار في ظل العولمة والتعدد الثقافي، حيث 600 لغة أي نصف لغات العالم قد تختفي إذا لم تسوّ هيمنة الإنكليزية على الإنترنت، والتأثير السلبي لذلك على اللغات والثقافات الأخرى. المتحدثون العرب اعتبروا الإنترنت الحل لحرية المعلومات. في البلدان التي تعاني قيود الرقابة وقوانين الصحافة والطبع، وتقدموا باقتراحات لمراعاة الاهتمامات واللهجات في العالم العربي. مع ملاحظة الصعوبات التي تواجهها الشركات العربية في هذا الشأن. كميل كابانا رئيس "معهد العالم العربي" في باريس كان الأكثر تفاؤلاً حين قال إن اهمية المؤتمر تكمن في عقده في عاصمة عربية، وأن مواضيعه هي من صلب اهتمامات المؤسسات العربية، وأكد أنه يجب احترام التعدد الثقافي وتأكيد ان العولمة ستحافظ على الهويات المحلية من أجل السلام العالمي. ممثل اليونيسكو فيكتور فتفيلوف تساءل عن مضمون مفهوم العولمة. وذكَّر بأن 90 في المئة من سكان العالم لا يعرفون ماهية الإنترنت. وأكد خطورة اللغة الإنكليزية، وضرورة استعمال اللغات المتعددة على الشبكة. مواضيع كثيرة كانت موضع تساؤل وحوار، بعضها تمّ استيعابه ودرسه، وكثير منها احتفظ به للمستقبل. هل سيتبع النشر الإلكتروني الجمهور والمؤلفون مثلاً؟ وكيف سيصار الى وضع التراث الثقافي والأدبي رقمياً؟ وأي مستقبل للسينما على الشبكة...الخ. وبغض النظر عما آل إليه المؤتمر من نتائج، فإنه، بداية خيوط بين بعض الدول الصناعية والدول النامية. هل حدث ذلك لأن ولاية كيبيك الكندية بغالبيتها لا تزال تتحدث الفرنسية، أم لأن مونتريال هي المدينة الثانية الأكثر احتضاناً للعرب في القارة الأميركية؟ ربما تكون بولين ماروا نائب رئيس الحكومة في مقاطعة كيبيك لخَّصت الوضع حين قالت: "ما من أحد يرضى أن يأكل العالم بكامله طعاماً موحداً وأن يلبس ثياباً موحدة، وأن يقرأ في كتاب واحد، وإن التعددية الثقافية مهمة لكل الشعوب". أبو ظبي - وليد قدورة