الاستثمار الأجنبي المباشر يتجاوز مستهدف الإستراتيجية الوطنية للاستثمار بنمو 16% في عام 2023م    نائب أمير منطقة مكة يتوّج الفائزين بجائزة مكة للتميّز في دورتها ال ١٦    استمرار انخفاض درجات الحرارة بعدد من المناطق وأمطار في مكة والجنوب    سكري القصيم يتحدّى «التين»    بعد هاتريك العين.. «التورنيدو» سادس الهدافين    الاتفاق يطمع في نقاط الرفاع البحريني    الخريّف يعلن في ملتقى الصحة العالمي: نستهدف توطين صناعة 200 دواء نوعي    تطبيق مبادرة «غلِّفها بزيادة» في الرياض    «الطيران المدني»: 1273 شكوى من المسافرين على الناقلات الجوية    الإدارة العامة لصحة السجون بوزارة الداخلية والهيئة السعودية للتخصصات الصحية توقعان اتفاقية تعاون    اختتام معرض «إبداع 2025» بمشاركة 159 طالباً وطالبة بمنطقة مكة    وفاة سعيد السويلم أكبر معمر سعودي    النائب العام يشارك في مؤتمر القمة الأول لرؤساء النيابات العامة في الدول الأعضاء في مجموعة العشرين    الآسيوي "لابورت" أفضل لاعب في مباراة النصر والاستقلال الإيراني    حق قيام دولة فلسطينية    هل هناك فسحةٌ للأمل    دعم رحلة رواد الأعمال    بالتراحيب وكرم الضيافة.. «السعودية» تستقبل الزوار في «بوليفارد وورلد»    15.7% نموا بالحاويات الواردة للموانئ السعودية    المركز الوطني لإدارة الدين يقفل طرح أكتوبر 2024 ضمن برنامج صكوك السعودية المحلية بالريال السعودي بإجمالي 7.830 مليارات ريال    سمو وزير الدفاع يزور إيطاليا    في ختام الجولة 7 من دوري يلو.. أبها ضيفًا على الحزم.. والفيصلي يواجه الطائي    في ثالث جولات دوري أبطال أوروبا.. قمة ثأرية بين برشلونة والبايرن.. وليفربول يواجه لايبزيغ    فينيسوس يقود «ريمونتادا مثيرة» للريال أمام دورتموند ب «هاتريك» في دوري أبطال أوروبا    فعاليات موسم صرام    أفعال لا أقوال    الرئيس الصهيوني والعرب    مجلس الوزراء يوافق على إنشاء كلية للعلوم الطبية في جدة    أهمية «داش كام» !    90 % من سكان غزة مهددون بانعدام الأمن الغذائي    «واتساب» تطور ميزة الدردشة مع المساعد الذكي    احترام سيادة الدول أساس حسن الجوار    مجالات الكتب المسموعة    محمد القشعمي.. أستاذ جليل من الزمن الجميل    قراءات في الشعر والنثر    تجمّع مطارات الثاني    أخطاء شائعة خير.. هذه هي الكارثة    تعظيم شعائر الله    دور الإعلام في أرباح شركات الدواء    ما هي تكلفة الوحدة ؟    نقص الحديد سبب 10 % من حالات القلب    خالد بن سلمان وكروسيتو يستعرضان العلاقات السعودية - الإيطالية والتطورات في المنطقة والعالم    محافظ الطائف يستقبل القنصل العام لجمهورية فرنسا    7116 جولة تفتيشية للالتزام البيئي    اعتماد عالمي جديد لمستشفى دله النخيل يدعم مكانة المملكة كوجهة للسياحة العلاجية    الدراسات تظهر تحسّن أكثر من 60٪؜ من مدارس التعليم العام    أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    البدء بأعمال الصيانة لطريق الظهران -بقيق بطول 16 كلم الخميس المقبل    الأرصاد: الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    "مفوض الإفتاء في جازان": القران والسنة تحث على تيسير الزواج    أمير القصيم يدشّن مشروع "وقف الوالدين" الخيري في البدائع    سعود بن نايف يستقبل الشدي المتنازل عن قاتل ابنه    5 مخاطر مؤكدة للمشروبات الغازية    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    لو علمتم ما ينتظركم يا أصحاب البثوث    الأمير سعود بن نهار يستقبل قائد قاعدة الملك فهد الجوية المعين حديثًا    الرقابي يرفع شكره للقيادة لإقامة مسابقة حفظ القرآن في موريتانيا    الخيانة بئست البطانة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "السفراء" : هولباين يرسم الاصلاح والموت في لوحة / لغز
نشر في الحياة يوم 17 - 04 - 2001

في عالم الفن التشكيلي الكلاسيكي، ولا سيما منه ما يتعلق بفنون عصر النهضة، من المعروف أن لوحة "الموناليزا" لليوناردو دافنشي هي العمل الذي استثار كتابة العدد الأكبر من الدراسات التي أوسعته شرحاً وتفسيراً وتحليلاً، معتبرة كل عنصر من عناصر اللوحة أمراً جديراً بالدرس، وموضحة في معظمها ان دافنشي رسم اهتماماته وهواجسه في تلك اللوحة، أكثر مما رسم ما له علاقة بالسيدة المرسومة نفسها. وفي عالم الفن التشكيلي نفسه، هناك على أية حال، لوحة أخرى تنتمي الى مرحلة قريبة من مرحلة دافنشي، استثارت دائماً اهتماماً كبيراً، حيث ان الباحثين لم يتوقفوا عن دراستها وتحليلها ومحاولة فك طلاسمها، منذ ما يقرب من نصف ألفية. وهذه اللوحة هي المعروفة ب"السفراء" وتعتبر من أهم أعمال الفنان هانس هولباين الملقب ب"الصغير" تمييزاً له عن ابيه الذي يحمل الاسم نفسه وكان رساماً بدوره. ولوحة "السفراء" تعتبر من أكثر لوحات ذلك الزمن امتلاء بالأسئلة والأسرار، ما دفع دائماً الى الاعتقاد بأنها، في نهاية الأمر، تعبر عن رسامها وتغوص في صلب اهتماماته، في الوقت الذي تبدو فيه ظاهرياً، بتفاصيلها، وكأنها ترسم اهتمامات الشخصيتين اللتين تصورهما.
رسم هانس هولباين لوحته "السفراء" في العام 1533، وكان في السادسة والثلاثين من عمره، مقيماً في لندن التي كان انتقل للعمل والعيش فيها. وهو يتطلع الى ان يصبح رسام البلاط. والحال ان ذلك تحقق له بعدما انجز اللوحة. ويقول الدارسون ان انجاز تلك اللوحة هو الذي أتاح له ذلك، بسبب نجاحها الفوري وتوقف المتفرجين مشدوهين امامها حينما عرضت للمرة الأولى.
للوهلة الأولى، تبدو لوحة "السفراء" واضحة بالشخصيتين اللتين تصورهما وهما: السفيران الفرنسيان جان دي دنتيفيل وجورج دي سيلف. وكان أولهما زار بريطانيا خمس مرات كسفير أو كموفد خاص. وحين رسمت اللوحة كان في التاسعة والعشرين من عمره وهو ما تسجله اللوحة نفسها كوثيقة، اذ كتب التاريخ على شكل ألغاز رقمية فوق غمد خنجره، الثاني فكان في الخامسة والعشرين من عمره، وهو ما سجل على الكتاب الذي ارتكن اليه بذراعه اليمنى. كان السفيران كاثوليكيين في شكل واضح، ومع هذا أدهش الباحثين دائماً كيف ان هولباين ملأ اللوحة بعناصر تبدو تماماً منتمية الى افكار تتناقض مع الكاثوليكية. ومن بينها عناصر فلكية ورياضية، ثم خاصة، كتاب صلوات لوتري بروتستانتي وضع قرب عود مقطوع الوتر، وكتابة تشير الى الوصية الأولى بين وصايا مارتن لوثر العشر. فإذا أضفنا الى هذا ان السجادة الفخمة نفسها التي يقف السفيران عليها، سجادة تركية، وان ثمة كرتين واحدة تمثل الأرض - مؤكدة كرويتها - والثانية تمثل القبة السماوية، وشكل الكرتين ودلالتهما، يتعارضان بوضوح مع ما كانت تدافع عنه الكنيسة الكاثوليكية، يصبح من المشروع التساؤل حول لغز قبول سفيرين كاثوليكيين بأن يحاطا بعناصر "الكفر" و"التجديف" تلك كلها، غير ان هذا كله يتعين ان يضاف اليه عنصر آخر سيبدو في نهاية الأمر أكثر أهمية. اذ ثمة في الربع الأسفل من اللوحة شكل غريب لطالما حير الباحثين والدارسين اذ بدا طفيلياً غريباً على اللوحة، حتى وان كانت الفرضية المنطقية قالت منذ البداية ان الشكل يمثل جمجمة. ولكن كان على المرء ان يقف في مكان أسفل اللوحة وعند زاويتها اليمن السفلى لكي يتمكن من مشاهدة الشكل على سمته الصحيحة ويكتشف حقيقته. غير ان اكتشاف هذه الحقيقة، يظل قاصراً عن توضيح السبب الذي جعل هذا الشيء موجوداً هناك. في لوحة همها الأول - الظاهر - ان تصور لقاء صديقين وهما واقفان يحيطان بمجموعة من الأشياء التي كان يفترض ان تكشف اهتماماتهما المشتركة. والحال ان كاتبي سيرة السفيرين أشاروا دائماً الى ولعهما بالموسيقى والرياضيات والفلك... لذا كان من الطبيعي أن تصوّر هذه الأشياء معهما. ولكن ماذا أتت الجمجمة تفعل هنا؟ ثم لماذا تبدو الجمجمة، من دون أشياء اللوحة الباقية، وكأنها بسبب اختفاء جانبها الأيمن خارج اللوحة، ذات علاقة بخارجها اكثر مما لها علاقة بداخلها؟ فإذا كان اختفاء ذلك الجانب يعني انتماءها حقاً الى الخارج ويكشف عن حركة متعلقة بها، تتناقض مع جمودية بقية الأشياء، بما في ذلك شخصياً اللوحة السفيرين فهل يعني هذا أن حركتها من الداخل الى الخارج أو بالعكس؟ هل أراد الرسام ان يقول ان اللقاء والمعارف المرتبطة به كفيلة بإبعاد الموت حركة الجمجمة من الداخل الى الخارج، أم يريد ان يقول ان الموت هنا آتياً لا محالة، مهما كان اعتدادنا بالحياة ونهمنا الى المعرفة؟ أسئلة لم يتمكن احد من الاجابة عليها. بل ثمة من يقول ان الجمجمة قد اضيفت الى اللوحة لاحقاً.
مهما يكن من الأمر، فإن ما لا بد من ملاحظته، في ما يتعلق بألغاز هذه اللوحة، أمرين أساسيين من شأنهما ان يقلبا سطحية النظرة اليها الى رموزها. أول هذين الأمرين ان هولباين استخدم الكثير من العناصر والأشياء الرمزية التي رسمها هنا، في لوحات أخرى، من بينها مثلاً لوحة تمثل الفلكي كرانرر رسمها قبل لوحة "السفراء" بعام ونصف العام. وهذا من شأنه ان يجعل الرموز والأشياء على علاقة بهولباين أكثر منها على علاقة بالسفيرين. أما العنصر الثاني فهو ان هولباين، الآتي من المانيا البروتستانتية، قُدِّم الى الأوساط الملكية من قبل كرومويل، ولم يكن يخفي بروتستانتيته. ولم يكن يخفي في الوقت نفسه، تلك النزعة الانسانية الواقعية التي تهيمن على لوحاته جميعاً. ويمكن القول إن هذا كان تجلى، قبل أقل من عقد من رسمه "السفراء" حين كان يشتغل في بازل في سويسرا، كرسام للكتب. في ذلك الحين 1525 حقق تلك الرسوم الرائعة لسلسلة "رقصة الموت" التي لم تنشر إلا في العام 1536 وكان واقعاً حينها تحت تأثير الفكر الاصلاحي لوتر. ولم تكن صدفة ان صورة رسمها للمفكر الانساني الاصلاحي ايرازموس، واحدة من أشهر واروع أعماله في ذلك الحين. ولم تكن صدفة أيضاً ان ايرازموس قد أوحى بها الى صديقه توماس مور، حين توجه الى انكلترا عابراً فرنسا، بعد انهيار مرحلة الاصلاح في تلك الحقبة. والحقيقة ان هذا كله يمكن ان يخدم كعناصر في فهم جزء من خلفية هذه اللوحة التي تعتبر من أجمل ما حقق عصر النهضة.
ولد هانس هولباين بين العامين 1497/1498، وتدرب على الرسم في مسقط رأسه أوغسبورغ، في محترف والده مع أخيه آمبروزيوس. وانتقل هانس الشاب للمرة الأولى الى بازل في العام 1514، حيث بدأ يرسم ويعمل في اخراج الكتب والمطبوعات. ولقد كرسته في ذلك الحين لوحة رسمها وصور فيها عمدة المدينة وزوجته. بين 1517و1519 عمل هانس في لوسرن حيث ساعد اباه في تزيين قصر بعض الاسر الثرية. ثم بدأ يتنقل بين لومبارديا وفرنسا وسويسرا، محققاً أعمالاً نجحت بسرعة، منها ما هو ديني ومنها ما هو دنيوي، وتميزت اعماله بقوتها اللونية، وبالاهتمام بمصدر الضوء والبعد الواقعي للشخصيات المرسومة. في العام 1524 عاش هولباين لفترة في فرنسا، حيث التحم أكثر بفنون عصر النهضة واكتشف ما كان موجوداً هناك من أعمال رافائيل. وكان ذلك قبل وصوله الى انكلترا، التي سرعان ما نجح فيها وصار رساماً للبلاط هنري الثامن وحقق رسوم قصر "وايتهال" وصار الملك يرسله الى الخارج ليرسم ملوكاً وامراء بناء على توصيته. ولقد كان لعمل هولباين تأثير اساسي على الرسم في بريطانيا خلال المرحلة اللاحقة. وهو حين رحل في العام 1543، كان حقق بعض أروع الأعمال وصار واحداً من اشهر رسامي أوروبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.