أوصى مؤتمر "اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي: فرص القرن ال21" الذي عقد في الاحساء شرق السعودية الشهر الماضي بضرورة تنظيم الاسواق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي بما يكفل توسيع قاعدة تبادل الاسهم والاوراق المالية. ولا شك في ان سوق الاوراق المالية او ما يسمى بورصة الاوراق المالية تلعب دوراً مهماً في تنشيط الاقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، وذلك لما تؤديه من دور حيوي في تشجيع قيام الشركات المساهمة ودعم مركزها المالي وتهيئة المناخ المناسب لاستقرارها وترشيد اسلوب عملها، كما تعمل على تنشيط عمليات الاستثمار الوطني والاجنبي غير المباشر او ما يسمى باستثمارات الحافظة. وكان من نتيجة ذلك ان انتشرت بورصات الاوراق المالية في معظم بلدان العالم بشكل ملحوظ في لندن وطوكيو وفي الولاياتالمتحدة الاميركية نحو 15 بورصة ومصر ولبنان. اما دول مجلس التعاون الخليجي فأنشأت جميعها بورصات للاوراق المالية عدا السعودية التي يتم التعامل في اسهم الشركات فيها الكترونياً عن طريق المصارف على رغم ان السعودية تعد اكبر اسواق الاوراق المالية في العالم العربي اذ يبلغ حجم الاستثمارات غير المباشرة فيها اكثر من 60 بليون دولار اميركي. وكان للنهضة التنموية الشاملة التي شهدتها السعودية بعد ظهور النفط اثرها البالغ في تطور الشركات المساهمة التي تطرح اسهمها للاكتتاب العام والتداول في السوق. ومع ازدياد اعداد هذه الشركات وكبر حجم رؤوس اموالها واتساع نشاطها اصبحت السعودية في حاجة ماسة الى نظام يتم بمقتضاه تداول الاوراق المالية التي تصدرها بطريقة تسهل عليها تصريفها بصورة عادلة وشرعية، كما تسهل على المستثمرين الحصول على الصكوك او بيعها من دون التعرض للاستغلال من جانب العملاء والمستفيدين والسماسرة. وفي ظل غياب بورصة الاوراق المالية فان تداول اسهم الشركات المساهمة يتم اما بواسطة المصارف الكترونياً، او عن طريق الاعلان في احدى الجرائد اليومية او من خلال ارسالها الى احدى مكاتب الدلالين الذين يعملون في مجال تداول الاوراق المالية، ويتولى هذا المكتب البحث عمن يرغب في شرائها، وبعد ان يحدث اللقاء بين البائع والمشتري يتم التفاوض والاتفاق بينهما على السعر، ثم يذهبان الى الشركة لتسجيل انتقال ملكية هذه الاسهم من البائع الى المشتري في سجل المساهمين الذي تعده الشركة لهذا الغرض. وبهذه الطريقة يتم تداول الاسهم على نطاق ضيق جداً، نظراً الى عدم تنظيم السوق المالية وقصور النظام المالي الحالي، وصعوبة التقاء البائعين والمشترين للاسهم، ما يؤدي الى بطء التعامل وقصر التداول على الاقارب والاصدقاء، وعدم اتاحة الفرصة امام الغالبية العظمى من راغبي الشراء في معرفة كمية الاسهم المطروحة للبيع او قيمتها السوقية. ومن ثم لا تتفق اسعار الاسهم مع حجم العرض او الطلب الحقيقي، بل تختلف قيمة السهم نفسه من مكان الى آخر، ومن تاريخ الى آخر، على رغم تقارب التاريخين، وبالتالي لا يعبر سعر السهم عن سعره الحقيقي الذي يجب ان يتداول به. لذا فإن انشاء بورصة للاوراق المالية في السعودية يعتبر امراً مهماً وضرورياً لتنظيم تداول الاوراق المالية ويجعلها اكثر عدلاً وانصافاً لجميع البائعين والمشترين ويزيد من ثقة المستثمر واطمئنانه على امواله إذ ان وجود مكان موحد يسمح بلقاء البائع للسهم والمشتري له يوفر على كل منهما مهمة البحث عن الطرف الآخر ويؤدي الى تحديد قيمة السهم على اساس قانون العرض والطلب فقط من دون التأثر بأي عوامل اخرى شخصية. كما ان توافر البيانات والمعلومات عن الشركات لدى البورصة يسمح باعطاء فكرة واضحة عنها وعن نظامها الاساسي وحجم تداول اسهمها ما يجعل المشتري لاسهمها مطمئناً على امواله واثقاً فيها، يضاف الى ذلك ما توفره البورصة من توفير جهد الافراد والشركات، في ما يتعلق بالتحقق من صحة امتلاك الاسهم وصحة عقد البيع ومن شخصية البائع والمشتري، بل ان وجود البورصة وخضوعها لرقابة واشراف الدولة من شأنه ان يقضي على المضاربات الوهمية التي تتم خارج الاطار القانوني ومن ثم تضر بمصالح المستثمرين، واخيراً فان تنظيم سوق الأوراق المالية وسهولة تداول هذه الاوراق سيؤدي الى زيادة ثقة المساهمين وراغبي الاستثمار في الشركات المساهمة مما يساعد على تطوير هذه الشركات وزيادة كفاءتها وقدرتها على المشاركة في تنفيذ خطط التنمية في المملكة. واذا علمنا عدد الشركات المساهمة في السعودية على رغم عدم وجود سوق للاوراق المالية فيها لأمكننا القول ان وجود مثل هذه السوق يعد ضرورة ملحة على رغم اختلاف الآراء بين مؤيد ومعارض لها، فيذكر انه تم تأسيس اول شركة مساهمة في السعودية عام 1354ه وهي الشركة العربية للسيارات لنقل حجاج بيت الله الحرام، ووصل عددها الى ست شركات نهاية عام 1374ه. وفي الفترة بين 75 - 1397 ه بلغ عددها 82 شركة ليصبح المجموع 88 شركة، وتزايد عدد الشركات المساهمة في مجال الكهرباء نظراً الى ان الحكومة ضمنت لها عائداً بواقع 15 في المئة لكل سهم، كما تم تأسيس أربع شركات مختلطة برأس مال عربي واجنبي ووطني، ومن عام 1398 الى 1400 ه تم تأسيس 10 شركات فقط ليصل المجموع الكلي لها 98 شركة. وفي الفترة من 1400 الى 1419ه تم تأسيس 15 شركة مساهمة فقط. كما لوحظ في هذه الفترة تقلص عدد الشركات المساهمة نظراً للاتجاه نحو ادماج شركات الكهرباء التي بلغ عددها عام 1400ه نحو 60 شركة في خمس شركات فقط تمثل مناطق المملكة الخمس الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية والوسطى. وطبقاً لاحصاءات وزارة التجارة السعودية لعام 1419ه بلغ عدد الشركات في السعودية 9300 برأسمال قدره 163600 ريال، من بينها 113 شركة مساهمة برأسمال بلغ نحو 85.55 بليون ريال. فضلاً عن انه من الملاحظ بعد صدور هذه الاحصاءات تزايد عدد الشركات المساهمة في السعودية بسبب عاملين، الاول: صدور قوانين وانظمة حديثة تنظم الاستثمار الاجنبي وتهيئ المناخ المناسب لاجتذابه بنوعيه المباشر وغير المباشر مع توقيع اتفاقات دولية ثنائية بين السعودية ودول اجنبية للتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات الاجنبية. والثاني: اتجاه بعض الشركات العائلية نحو التحول الى شركات مساهمة، ما يشير الى اهمية هذه الشركات في المرحلة المقبلة التي تتميز بالاتجاه نحو تنويع مصادر الدخل باجتذاب الاستثمارات الاجنبية وتوطين الاستثمارات السعودية لمواجهة حال عدم الاستقرار التي تسود اسعار النفط عالمياً. والملاحظ ايضاً ان عدد الشركات المساهمة على رغم تطوره الملحوظ لا يتناسب مع الامكانات الاقتصادية الكبيرة التي تحظى بها المملكة. وربما يكون السبب في ذلك احجام المستثمر السعودي على الدخول في مجالات الشركات المساهمة، وهو ما يؤثر كذلك على اتجاهات المستثمر الاجنبي الذي يفضل الاستثمار المباشر على الاستثمار في الحافظة. وقد يعزى هذا النقص في عدد الشركات المساهمة الى عدم وجود سوق منظمة للاوراق المالية. ومن الملاحظ كذلك اتساع حجم سوق الاوراق المالية في السعودية اذ يشير آخر تقرير شهري صادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي حول تداول الاسهم المحلية في كانون الثاني يناير 2001 الى ان القيمة السوقية للاسهم بلغت في نهاية هذا الشهر 255011 بليون ريال سعودي مقابل 254046 بليون ريال في شهر كانون الأول ديسمبر 2000 اذ بلغ عدد الاسهم المتداولة 36.958.565 سهماً مقابل 25.898.116 سهماً في الشهر السابق، بارتفاع نسبته 43 في المئة. وبلغت قيمة الاسهم المتداولة 5.348.602.947 بليون ريالاً مقابل 4.301.720.757 بليون ريالاً في الشهر السابق بارتفاع نسبته 24 في المئة. اما من حيث عدد الصفقات المنفذة فبلغت 36797 صفقة مقابل 25338 صفقة في الشهر السابق، بارتفاع نسبته 45 في المئة. انظر الجدول ونخلص الى ضرورة انشاء سوق للاوراق المالية في السعودية ووضع الانظمة القانونية التي تحكم التعامل في هذا المجال بحيث تتمتع بالشفافية ما يعزز ثقة المستثمر ويضمن سرعة حصوله على المعلومات اللازمة عن الشركات التجارية المعنية. ووضع تنظيم شامل للامور المتعلقة بمنح التراخيص ومراقبة الوكلاء والوسطاء والسماسرة المتعاملين في الاسواق المالية، وتحديد دور المؤسسات الاستثمارية بما فيها المصارف التجارية في عملية الاكتتاب في اسهم الشركات في الاسواق المالية، وتطوير انظمة التسويق والمقاصة فيها بشكل آلي والكتروني يضمن السرعة والعملية في تخليص العقود المبرمة ما يزيد من ثقة المستثمرين ويساعد على توطين رؤوس الأموال السعودية المهاجرة واجتذاب رؤوس الاموال الاجنبية وتوجيهها نحو استثمارات الحوافظ. * كاتب مصري مقيم في السعودية.