الجغرافيا تتلاحم بالتاريخ    السودان: «أطباء بلا حدود» تعلق أنشطتها في مخيم زمزم    زيلينسكي يعرض التنحي مقابل انضمام أوكرانيا ل«الأطلسي»    توظيف الذكاء الاصطناعي في مواجهة التحديات.. الربيعة: منتدى الرياض الدولي يناقش المساعدات الإنسانية ومعالجة النزوح    الهلال يصطدم بالخلود.. والنصر يطمع في نقاط الوحدة    بمشاركة 23 دولة خليجية وعربية وأوروبية .. وزارة الرياضة تستضيف الملتقى العربي لكرة القدم المصغرة    يوم التأسيس "مكان التاريخ"    «وِرث» يجسّد الفنون التقليدية في سباقات الخيل    "موهبة" تدشن البرنامج التأهيلي للمشاركات الدولية لتمثيل المملكة عالميًا    أولها الدرعية وتاليها بوصة العالم.. أكاديميون ل"البلاد": الدولة السعودية.. رحلة في عمق التاريخ    اختلاف طباع الناس    الصحة تؤكد على التطعيم ضد الحمى الشوكية قبل العمرة    وزارة الصحة تؤكد أهمية التطعيم ضد الحمى الشوكية قبل أداء العمرة    ابن فرحان يستعرض مع ونستون العلاقات الثنائية    حجاب وعد.. قرار نهائي أم مرحلة جديدة من الجدل؟    الارتقاء بصناعة الخير    الزم موقعك.. ملحمة مهمة العوجا    خادم الحرمين: تحديات العمل الإنساني لا يمكن تجاوزها إلا بتضافر جهود المجتمع الدولي    أمير القصيم يستقبل سفير تايلند    القيادة تهنئ رئيس إستونيا    "الأحوال المتنقلة".. اختصار الوقت وتقليل الجهد    محافظ الزلفي: يوم التأسيس تاريخ عريق    بلدية وادي الدواسر تحتفي ب «يوم التأسيس»    مخاطر العرض.. تدعم أسعار النفط    فعاليات متنوعة احتفاءً بيوم التأسيس بمحافظة عفيف    فحص حافلات شركات النقل استعداداً لموسم رمضان    مرات تحتفل بيوم التأسيس    احتساب مبالغ الوساطة الزائدة على 5% ضمن ثمن العقار    الأسمنت الأخضر أحدث تحولات الطاقة النظيفة بالمملكة    «زينة رمضان» تكسو شوارع القاهرة استعداداً للشهر الكريم    جامعة الملك سعود توقع مذكرة تعاون مع مركز زراعة الأعضاء    طفلة محمد صلاح تظهر في مسلسل رمضاني    منتدى الأحساء 2025    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تحتفل بيوم التأسيس    الرواية وجائزة القلم الذهبي    مسؤولية بريطانيا التاريخية أمام الدولة الفلسطينية !    خطوة هامة لتعزيز الأمن الغذائي !    رئيس هيئة حقوق الإنسان: السعودية حريصة على نصرة القضايا العادلة    ما هذا يا جيسوس ؟    إسرائيل تتمادى في انتهاكاتها بدعم أمريكي    "مفوّض الإفتاء بمنطقة حائل" يلقي محاضرة بعنوان "نعمة تأسيس الدولة السعودية"    جمعية الملك فهد الخيرية النسائية في جازان تحتفي بيوم التأسيس لهذا العام 2025م    الأمير سعود بن نهار يلتقي مدير إدارة جوازات المحافظة    العروبة يعمق جراح ضمك في دوري روشن    أقدم حفل موسيقي    النيابة العامة تحتفي بمناسبة يوم التأسيس    الزواج ليس ضرورة.. لبنى عبدالعزيز: الأمومة مرعبة والإنجاب لا يناسب طموحاتي المهنية    أمير الرياض يعزي جبران بن خاطر في وفاة والدته    أمانة تبوك توفر 260 بسطة رمضانية في 13 موقعاً    "الشؤون الإسلامية" تنهي فرش 12 جامعا بمنطقة القصيم    الرياض: ضبط 4 وافدين لممارستهم أفعالاً تنافي الآداب العامة في أحد مراكز «المساج»    الاتحاد الأوروبي يُعلن تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا    زيادة تناول الكالسيوم تقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم    موجة برد صفرية في السعودية.. «سعد بلع» يظهر نهاية الشتاء    زياد يحتفل بعقد قرانه    وقفات مع تأسيس السعودية وتطورها ومكانتها المتميزة    مختبر ووهان الصيني.. «كورونا» جديد في الخفافيش    برعاية ودعم المملكة.. اختتام فعاليات مسابقة جائزة تنزانيا الدولية للقرآن الكريم في نسختها 33    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



... عن التفوق العسكري كأساس للهيمنة
نشر في الحياة يوم 04 - 02 - 2001

ما زال مشروع "الدرع الواقي من الصواريخ يثير ردود أفعال وتعليقات غاضبة أو محذرة في مختلف الأوساط الدولية. ويتساءل الخبير الاستراتيجي الفرنسي فرنسوا جيري عن مغزى المضي قدماً في مشروع "غير مضمون النتائج على مستوى التقنية العسكرية أولاً. فمن أصل ثلاث تجارب اعتراض لصواريخ بعيدة المدى، فشلت تجربتان. أما على المستوى السياسي، فسيؤدي الى عودة التوتر الى العلاقات الدولية نتيجة الخلل الذي سيسببه في نظام استراتيجي قام توازنه منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية على أساس الردع النووي". ويخلص الى ان التفسير الوحيد هو ارادة التفوق "بأي ثمن" لدى الولايات المتحدة في المجال العسكري والذي يسمح بردع الأعداء المحتملين ويفرض "التحالف" على الاصدقاء. وكان هذا التفوق في أساس انتصارها في الحرب الباردة كما لعب دوراً حاسماً في تكريس زعامتها عالمياً وفي الحفاظ على تحالفاتها. ويُذكّر مستشار الأمن القومي للرئيس كلينتون، صاموئيل بيرغر، بأن عقد التسعينات بدأ مع فكرة "الانحطاط الاميركي" وانتهى بسيادة مقولة "القوة الخارقة" الاميركية. ففي مقال خصصه لتقييم حصيلة ثماني سنوات من رئاسة كلينتون، اشار برغر الى انه "في 1992 ظهرت الولايات المتحدة وكأنها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها الاجمالية مع غياب التهديد الشامل. اهتزت تحالفاتها وأضحت بلا أهداف محددة وعرضة لتهديدات جديدة. وظن الكثيرون ان أوروبا واليابان ستمضيان في بلورة هويتين مستقلتين ومنفصلتين عن تحالفهما مع الولايات المتحدة. ولم تكن السياسة الخارجية الاميركية قد تهيأت بعد لمواجهة تحديات العولمة في انتشار أسلحة الدمار الشامل الى تفشي الأوبئة".
وساهم عدد كبير من الكتاب والخبراء في نشر مقولة "الانحطاط الاميركي" هذه ومن أبرزهم بول كينيدي مؤلف كتاب "صعود وانحطاط القوى العظمى" الذي لقي عند صدوره رواجاً واسعاً وترجم الى لغات عدة. وفر ضية الكتاب الرئيسية ان مصير الامبراطورية الاميركية لن يختلف عن مصير الامبراطوريات التي سبقتها، وهو الانحطاط نتيجة عدم التناسب بين مدى توسعها وامكاناتها الاقتصادية والمادية الفعلية. وركز الكاتب بشكل خاص على ضخامة الميزانية العسكرية أيام الرئيس ريغان والعجز الناتج عنها في الميزانية العامة وفي ميزان المدفوعات كمسبب رئيسي للانحطاط.
على العكس من ذلك، يرى جلبير الأشقر ان الاستثمار المكثف في الميدان العسكري أدى الى انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة مع ما يعنيه ذلك من تكريس لزعامتها عالمياً أولاً. وكان في أساس الثورة العلمية والتكنولوجية أو ما يسمى بثورة المعلومات التي لعبت دوراً حاسماً في الازدهار الاقتصادي الذي تشهده. وهو من أطول فترات النمو في تاريخها الحديث وضرب أرقاماً قياسية في ظل رئاسة كلينتون مما يؤهلها الانطلاق في القرن الحادي والعشرين بصحة ممتازة تثير غيرة شركائها في أوروبا واليابان". ثانياً، وخلافاً لآمال عدد كبير من الجمعيات الاهلية والمنظمات غير الحكومية بانخفاض الانفاق العسكري الاميركي مع نهاية الحرب الباردة، فإن هذا الانفاق استمر بالمستوى نفسه، بل ان الرئيس كلينتون اقترح زيادته بمئة وعشرة بليون دولار بين 1998 و2003. أما الإنفاق المخصص للأبحاث والتطوير في مجال التكنولوجيا العسكرية فوصل بين 1992 و1997 الى 238 بليون دولار في الولايات المتحدة والى 31 بليونا في فرنسا و17 بليونا في بريطانيا.
وبالإضافة الى هذا الفارق، ساهم التفوق النوعي للتكنولوجيا العسكرية الاميركية الذي تجلى في حربي الخليج وكوسوفو، في اقناع النخب السياسية الأوروبية بخيار "الشراكة" مع الولايات المتحدة. فحسب آلان جوكس "كانت حرب الخليج لحظة تأسيسية لنظام دولي تحت الهيمنة الاميكرية بنفس القدر الذي كانت هيروشيما لحظة تأسيسيه للنظام الدولي الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار جدار برلين". وقد عبرت هذه النخب عن قناعتها بضرورة تبنيها "للمفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو" ولفكرة وجود "فضاء أوروبي - اطلسي" يزداد اندماجه الاقتصادي والتبعية المتبادلة بين أطرافه يوماً بعد يوم. وتشجع الولايات المتحدة الدول الأوروبية على تحمل مسؤوليتها في مجال "الدفاع" عن النظام الدولي الجديد، وتحضها على الزيادة النوعية لميزانياتها العسكرية، خاصة ميزانيات المانيا ودول أوروبا الشرقية التي انضمت مؤخراً الى حلف الناتو. وقسمٌ مهم من هذه الميزانيات مخصص لشراء أسلحة وتجهيزات أميركية بحجة جودتها الفائقة وضرورة الحفاظ على "انسجام نظام أسلحة دول الحلف. أي ان المطلوب من أوروبا هو ان تربط نفسها بالشبكة "الدفاعية" الاميركية: "فالتبعية المتبادلة بين الولايات المتحدة وحلفائها تعني اساساً الطريقة التي سيجد من خلالها هؤلاء لأنفسهم مكاناً في البناء الاميركي الاجمالي". لذلك ينتقد ريتشارد بيرل، نائب وزير الدفاع في عهد ريغان والمقرب من ادارة بوش الحالية، محاولات فرنسا دفع اوروبا لبناء أنظمة دفاع شبيهة بتلك التي تمتلكها الولايات المتحدة، كأقمار التجسس مثلاًَ، باعتبارها مكلفة وأقل جودة، ويدعوها بدلاً من ذلك الى الاعتماد على الاقمار الاميركية والتفكير من منطلق "التكامل".
المعترضون على اعتبار الولايات المتحدة امبراطورية عسكرية أولاً يطرحون عادة حجتين:
1- الولايات المتحدة دولة ديموقراطية احتلت موقعها القيادي نتيجة تفوقها الاقتصادي، العلمي والتكنولوجي.
2- انها امتنعت عن الاحتلال العسكري الدائم أو عن ممارسة أي شكل من أشكال الانتداب تجاه دول أخرى، كما كان الحال مع الامبراطوريتين الفرنسية أو البريطانية مثلاً. ويذكرون على سبيل المثال اعتراض ادارة بوش الأب على اقتراح الجنرال شوارتزكوف اجتياح العراق وصولاً الى بغداد خلال حرب الخليج. لا شك ان الانتصار الاميركي على الاتحاد السوفياتي السابق هو انتصار اقتصادي أولاً، لكنه تم عبر "عسكرة" قسم لا بأس به من اقتصاد الولايات المتحدة. بالإضافة الى ذلك، تركت الحرب الباردة أثراً سلبياً على النظام السياسي: تضخم صلاحيات السلطة التنفيذية ودور رئاسة الجمهورية على حساب السلطة التشريعية. ويؤكد آلان جوكس ان هذا التضخم الناجم عن السلطات الاستثنائية المعطاة لرئيس الجمهورية في اطار الاستراتيجية النووية خلال الحرب الباردة ازداد بعد نهايتها: فدور الرئاسة أصبح اهم في ظل كلينتون منه في ظل بوش الأب.
من جهة أخرى، وبالرغم من انتهاء الحرب الباردة، حافظت الولايات المتحدة على حلف الناتو واعادت تنظيمه وتحديد أسسه ومهامه وهو اليوم بنية تتألف من عدة دوائر: الأولى تضم حلفاء الناتو، الثانية تضم "الشركاء" أي اعضاء "الشراكة من اجل السلام" روسيا ودول اشتراكية سابقاً، الثالثة تضم "أصدقاء" مرتبطين بشكل أو بآخر بالحلف. وخارج هذه الدوائر يوجد "البرابرة الجدد" من "دول مارقة" وجماعات ارهابية وتجار مخدرات، الخ...
فالتفوق التكنولوجي يعطي للولايات المتحدة القدرة على القيام بعملية اعادة التنظيم هذه وفرض "ثقافتها العسكرية، ثقافة المراقبة الدائمة والتدخل الفوري والمباشر، الخاصة بها كقوة امبراطورية بامتياز".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.