نظر الى الورقة المثبتة على الباب، كانت متخمة بالاسماء. لم تعد تتسع لأي اسم. تلبسته الحيرة، لم يعرف كيف يتصرف، وهو القاطع مسافة طويلة الى هذا العنوان في الحي الصيني. نظر الى الطابور الطويل خلفه، ازداد وجوماً. مد يده الى جيبه. أخرج ورقة بيضاء ألصقها على الباب نفسه تحت الورقة القديمة الملصقة أصلاً، وسط دهشة الحاضرين. سجل اسمه بخط عريض في أعلاها، ثم حشر نفسه بين الناس في الخط الطويل ينتظر دوره. كل يوم يتكرر هذا المشهد في الحي الصيني في لندن، أمام أبواب عليها علامات بيض، إشارة الى "عيادة للتداوي بالاعشاب". وكل يوم منذ السادسة صباحاً، تتشكل الطوابير أمام تلك المنازل المتواضعة. السواد الأعظم من المنتظرين مصاب بالتهابات جلدية مزمنة، تسمى بمرض الاكزيما Eczema، مسببة الازعاج اليومي لهم، من حكاك واحمرار في الجلد. ويعرف مرض الاكزيما في كتب الطب ومعاجمها، بأنه التهاب في الجلد، يراوح بين احمرار وحكاك،وظهور لطخات عليه، إلى حدوث "الوذمة" في المراحل المتقدمة، وهي عبارة عن تورم في الجلد نتيجة ارتشاحه بالسوائل. يقسم الاطباء الدارسون امراض الجلد ومداواتها هذا المرض أنواعاً عدة، تبعاً للمرحلة التي يصاب الانسان بها. فنجد اكزيما الوليد، والطفولة، والبالغ، والمرض المزمن، الذي يحدث في مرحلة البلوغ. أما الاسباب المؤدية اليه فمن الممكن تصنيفها كالآتي: 1- الطعام: له دور مهم في ظهور الاكزيما، على رغم ان تحديد نوع الطعام المسبب صعب جداً، إلا أن معرفته وتطبيق حمية غذائية خالية منه، يؤدي الى تحسن كبير في حال الجلد. 2- العوامل الوراثية: فالمولود من أبوين مصابين بالمرض أو بأحد الأمراض التحسسية المشابهة، مثل الربو أو حمى القش لديه قابلية على تطور هذا المرض في المستقبل وبنسبة 60 في المئة. 3- عوامل اخرى محرضة لنوبات الأكزيما مثل: الحرارة، وجفاف الجلد، والتماس مع مواد مخرشة للجلد من ثياب ومساحيق مختلفة. وعلى رغم ان اسباب المرض معروفة تماماً، إلا ان العلاج ليس بهذه السهولة. وتعد الوقاية من تلك العوامل أهم خطوات العلاج، يتبعها اعطاء الأدوية الملطفة للاعراض، من مراهم "كورتيزونية" تطبق موضعياً على الآفة الجلدية، لتخفيف الاحمرار والالتهاب الجلدي، الى وصف المضادات الحيوية الوقائية خوفاً من تطور انتان جلد ثانوي تال للحكاك الشديد، وفي أغلب الحالات يكون هذا الالتهاب موجوداً. ولتخفيف الحكاك يعطى المصاب مرهم "أنتي هيستامين" Antihistamin، فضلاً عن مطريات الجلد ومانعات جفافه مثل الفازلين. من لندن، طلع علينا الصينيون، بغرائبهم الكثيرة، بطريقة جديدة لمعالجة هذا المرض. الدكتورة Luo، في تلك العيادة المزدحمة، تستخدم خلطة خاصة، مؤلفة من 15 عشبة برية تختارها من مجموعة يبلغ تعدادها 130 عشبة. وبعد ترك تلك الأعشاب تيبس، يطحن بعضها، وبعضها الآخر يصبح عيداناً. وطريقة إستعمال تلك الأعشاب على بساطة وسهولة، فبعد نقعها في ماء ساخن، نحو نصف ساعة، تشرب قبل النوم وعند الاستيقاظ، وفي بعض الحالات ثلاث مرات في النهار. مفعول تلك الأعشاب سريع، فبعد جرعتين يتوقف الحكاك، وبعد الجرعة الثالثة يبدأ الاحمرار في الاختفاء على مساحة الجلد، وبعد الجرعة الرابعة تبدأ اللطخات بالاندثار والطفح على الجلد يزول. وتنصح الدكتورة Luo باستخدام الأعشاب، ثلاثة أسابيع، استكمالاً للعلاج وبغية تنظيف الإمعاء من رواسب الأطعمة المسبّبة في الأصل للحكاك والطفح و"الأكزيما" وآثارها. وتلك النتائج الجيدة دفعت الاطباء في مستشفى Great Ormomd Street الى تطبيق العلاج بتلك الأعشاب على مرضاهم. فكانت النتائج جيدة وخصوصاً على الأطفال المصابين ب"الأكزيما" في منطقة فروة الرأس. وعلى رغم الآثار الجانبية لهذه الاعشاب، وخصوصاً على الكبد، ينصح المرضى بمراجعة طبيبهم قبل تطبيق المعالجة.... وما زال هذا المشهد أمام عيادة التداوي بالاعشاب في الحي الصيني يتكرر يومياً.