إتاحة تخصيص عقارات الدولة لأكثر من جهة حكومية    السجن مدى الحياة ل«مغتصب التلميذات» في جنوب أفريقيا    خوفاً من الورثة.. مغربية تحتفظ بجثة والدتها !    6 توصيات لتعزيز الهوية الثقافية ودعم الاستثمار في تعليم اللغة العربية محلياً و دولياً    إسرائيل تقصف الضاحية.. مصير خليفة نصر الله غامض    ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    هل أوقف الاتحاد الدولي المُلاكمة الجزائرية إيمان خليف وجردها من ألقابها ؟    في مباراة الفريق أمام الرياض .. القادسية يحتفي بوزير الإعلام "الدوسري"    عبدالعزيز بن سلمان يشارك في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة    الفتح يختتم تحضيراته لمواجهة التعاون    جمعية الأدب تعتمد 80 سفيراً في 30 مدينة    الهيئة السعودية للسياحة تطلق تقويم فعاليات «شتاء السعودية»    الخليج يعبر الخلود بهدف في دوري روشن السعودي للمحترفين    ميندي يوجه رسالة لجماهير الأهلي    مدرب القادسية يُفسر الخسارة أمام الرياض    الشباب يتعرض للخسارة أمام ضمك    الجيش الأميركي يعلن قصف 15 هدفا للحوثيين في اليمن    مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي القاضي وآغا في فقيدتهم    محافظ الطائف يعزي أسرة الحميدي في فقيدهم    تعليم مكة : 1485 مدرسة تحتفي بأكثر من 30 ألف معلم ومعلمة في يوم المعلم    لوحة «ص ق ر 2024» لمركبة «المرور» تلفت أنظار زوار «الداخلية» في معرض الصقور والصيد    رصد طائر «سمنة الصخور الزرقاء» في الحدود الشمالية    القبض على (4) يمنيين في جازان لتهريبهم (120) كجم "قات"    الوطنية للإسكان NHC تكشف مزايا ومكونات حديقة خزام الكبرى شمال الرياض    الجيش الإسرائيلي يستعد لتوسيع عملياته البرية في جنوب لبنان    انطلاق حملة الحي يحييك للاحياء السكنية بالمنطقة الشرقية    تعرف على غيابات الأهلي عن الكلاسيكو أمام الهلال    ب 3 مناطق.. مركز «911» يتلقى 98 ألف مكالمة خلال 24 ساعة    تجمع الرياض الصحي الأول يكرم 14 استشارياً    إمام المسجد النبوي: آية ((إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) تحمل في طياتها معاني عميقة    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    "الصحة العالمية"تستعدّ للقيام بالجولة الثانية لتلقيح أطفال غزة ضدّ شلل الأطفال    أثر الشخصية واللغة والأمكنة في رواية «الصريم» لأحمد السماري    أحلام على قارعة الطريق!    «زلزال الضاحية».. ومصير حزب الله    غريبٌ.. كأنّي أنا..!    ذكورية النقد وأنثوية الحكاية.. جدل قديم يتجدّد    إنجاز في ملف «البطالة»    الشاهي للنساء!    اختتام مشاركة الهلال الأحمر في المعرض التفاعلي الأول للتصلب    كتب الأندية الأدبية تفتقر إلى الرواج لضعف التسويق    محافظ الطائف يلتقي مدير جمعية الثقافة والفنون    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    90 مبادرة لأمانة الطائف تعزز الوعي البيئي وتدعم الاستدامة الخضراء    أمانة الطائف توقع عقد إنشاء مشروع (قبة الفراشات) بمساحة ٣٣ ألف م٢    درجات أم دركات معرفية؟    معالي وزير العدل    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    تثمين المواقع    مملكة العز والإباء في عامها الرابع والتسعين    وزير الداخلية يعزي ذوي شهيد الواجب أكرم الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شارون من الجيل الثاني ... يكره العرب ويتمسك بالأرض . جنرالات إسرائيل ... بين الحرب والسياسة
نشر في الحياة يوم 25 - 02 - 2001

يبدو التخطيط للمستقبل، ورسم السيناريوهات العسكرية المحتملة، من ضمن الوظائف الأساسية المنوطة بالجنرالات عموماً. وأبدع القادة البروسيون في هذا المجال، لأنهم أول من وضع مفهوم "لعبة الحرب"، وذلك خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ولعبت "صندوقة الرمل" في غرف الأركان الدور الرئيسي في اظهار الفعل المحتمل للعدو، وكيف يمكن الرد عليه.
لكن الرمل يختلف تماماً في تكوينه عن الطبيعة البشرية. فهو مطواع، يتبع الحنايا والتعرجات المطلوبة منه، التي تظهر طبيعة المساحة التي يدور فيها وعليها الصراع. أما الطبيعة البشرية، فهي صعبة التكهن لما قد يصدر عنها.
ويكمن ضعف الجنرالات عموماً، في انهم غالباً ما يستدعون المستقبل المجهول في تخطيطاتهم، ليرسموا صورته كما يريدونها هم في حاضرهم، وبعدها يعودون لاعادته زمنياً الى مكانه أي المستقبل، متجاهلين احياناً المتغيرات التي تطرأ على المعطيات الأساسية بين مرحلتي التخطيط والتنفيذ. وقال القائد الالماني الشهير فون مولتكه في هذا المجال: "ان أهم المخططات وأكثرها دقة، لا تصمد في الثواني الأولى لاندلاع المعركة" كما قيل أيضاً: "ان الحرب هي عمل جدّي وخطر جداً كي توضع في أيدي العسكر".
لذلك تختلف المجتمعات عموماً في نظرتها للعسكر وعلاقتهم بالسياسة. ففي بعضها يسيطر العسكر على القرار السياسي، وغالباً في دول العالم الثالث، وفي البعض الآخر، تسيطر السياسة بشكل تام على القوة العسكرية، وهي غالباً الدول الديموقراطية، مع احتمال بروز خلافات علنية أحياناً. ففي الحرب الكوريّة مثلاً، أهان الجنرال ماك آرثر رئيسه هاري ترومان بعد ان اختلفا في كيفية ادارة الحرب. أراد آرثر قصف الصين، حتى ولو أدى الى تصعيد نووي. أما ترومان أراد حصر الصراع ضمن شبه الجزيرة الكورية. وكانت الغلبة للسلطة السياسية، فأقيل الجنرال. وتكرر الأمر بين نورمان شوارزكوف والرئيس جورج بوش الأب ابان حرب الخليج، فاستقال الجنرال أيضاً.
أين جنرالات اسرائيل من السياسة؟
لا يمكن تصنيف المجتمع الإسرائيلي ووضعه في أية خانة من الخانتين المذكورتين. فالسياسة فيه لا تسيطر تماماً على العسكر، كما لا يسيطر العسكر فيه على السياسة. فإسرائيل مجتمع عسكري بامتياز، وبكل ما للكلمة من معنى، ولكنها ديموقراطية في الوقت نفسه. وديموقراطيتها لا تقوم على دستور مكتوب كما في الدول الديموقراطية المثالية، بل تقوم على قوانين أساسية تستند في معظمها على روحية التعاليم التوراتية، وزعماؤها، حتى الآن باستثناء البعض نتانياهو وغولدا مائير، تدرّجوا في ساحات الحرب وصولاً الى الكنيست. أي بمعنى آخر، كانت الحرب مسرح الاختبار والتأهل للوصول الى العمل السياسي. وهنا لا يختلف بعض قادة العرب عن قادة اسرائيل في الوسيلة المعتمدة للوصول الى السلطة. لكن الفارق الكبير يكمن في نتيجة ساحات المعارك.
ويُعرف عادة عن العسكر انهم يعجزون عن التقييم السياسي لأي وضع. وبطريقة أخرى، يعجزون عن ربط العمل العسكري بمداه السياسي. فالنصر بالنسبة اليهم هم المهم، ما عداه، فهو ثانوي. وعلى سبيل المثال عندما كان الرئيس جونسون يطلب مشورة قادته حول السبيل المعتمد في فيتنام عند الأزمات، كان الجواب الدائم، فلنقصف أماكنهم في الصين الملجأ، حتى ولو استدعى الأمر تصعيداً نووياً، مستبعدين بذلك امكانات الرد السوفياتي. وفي عام 1948 قال العسكر لبن غوريون، انه وفي حال اعلان الدولة، فإن امكانات النصر هي 50 في المئة، لكنه أعلنها وربح الحرب. وفي عام 1967، وقبيل العدوان، قاد العسكر الإسرائيلي وعلى رأسهم اسحق رابين، ما يسمى بلعبة الحرب لدرس الاحتمالات الممكنة. فكانت النتيجة مأسوية، إذ عانى رابين من انهيار عصبي على أثرها، لذلك أوصى بتحضير الحدائق العامة لتكون مقابر جماعية. لكن دايان واشكول رفضا هذا التقييم، وأمرا بالضربة الجوية. وفي العام 1973 فشل الجيش الإسرائيلي والاستخبارات في تقييم الوضع الميداني على الجبهتين المصرية والسورية، فكانت المفاجأة في حرب تشرين الأول أكتوبر التي أودت بحياة 3000 قتيل اسرائيلي. وفي العام 1981، أمر بيغن بقصف المفاعل العراقي على رغم معارضة "الموساد"، الذي حكم على العملية بالفشل المسبّق.
أما في العام 1993، قاد باراك رئيس الأركان، عملية تصفية الحسابات في لبنان التي باءت بالفشل، فبدلاً من ان تقضي على حزب الله، جعلته أكثر قوة، وهو نفسه الذي صرّح أي باراك عام 1994 بضرورة الاحتفاظ بالجولان.
وفي العام 1996، قاد رئيس الأركان امنون شاحاك عملية عناقيد الغضب ضد لبنان أيضاً. وكانت النتيجة كارثية على صعيدين: الأول، أظهرت العملية وجه اسرائيل المجرم بعد مجزرة قانا. والثاني: وقعت اسرائيل اتفاق نيسان ابريل مع المقاومة، الذي يعتبر فريداً من نوعه في تاريخ الدولة العبرية. فللمرة الأولى يتم التوقيع على اتفاق من قبل اسرائيل مع منظمة تعتبرها هي ارهابية، وتسمح في الوقت نفسه بقتل جنودها ضمن منطقة معيّنة. يضاف الى هذا خسارة شمعون بيريز الانتخابات.
حتى الآن، استعرضنا الوجه العسكري لقادة اسرائيل، فماذا عن الوجه السياسي؟
يقول نعوم غولدمان في كتابه "المفارقة اليهودية" ص 99 - 100 وعن لسان بن غوريون الآتي: "لماذا على العرب ان يصنعوا السلم معنا؟ فلو كنت عربياً لما وقعت السلم. لقد أخذنا أرضهم. بالطبع وعدنا الرب بها. لكن ربنا هو غير ربهم". عندها والكلام لغولدمان: "كيف لك ان تنام مع اعتقادك هذا، وأنت رئيس وزراء اسرائيل. فأجابه بن غوريون: "من قال لك أنني انام؟". واستنتج غولدمان من هذا الحوار، ان بن غوريون يعرف تماماً في قلبه، انه لا يمكن لإسرائيل ان تحيا من دون سلام مع العرب. لكن عناده بن غوريون، وعدائيته منعاه من اتباع ما يقوله له عقله. لكن بن غوريون نفسه يقول: "يجب اقامة دولة مسيحية في لبنان حليفة لنا. وسوف نسحق العرب، ونقصف عمّان، ونلغي الأردن. عندها سنسقط سورية. وإذا ما تجرّأت مصر على القتال، فسنقصف بور سعيد، الاسكندرية والقاهرة".
هذا عن بن غوريون في السياسة، فماذا عن دايان؟ ساهم دايان في توقيع اتفاق كامب ديفيد. وهو الذي أقنع مناحيم بيغن في التخلي عن سيناء وشرم الشيخ عندما تراجع عن مقولته الشهيرة: "شرم الشيخ من دون سلام، أفضل من سلام من دون شرم الشيخ". وهو نفسه الذي ندم عندما سمح لشيخ المستوطنين موشي لفنجر، بدخول الضفة بعد انتصار 1967، وهو نفسه الذي أعلن انه احتل الجولان تحت ضغط المستوطنين.
أما رابين الذي انهار عشية حرب 1967، وعاد وتحدّث عن نافذة سلمية في المنطقة بعد المتغيرات التي حصلت، كانهيار الاتحاد السوفياتي، وخروج العراق من الصراع بعد هزيمته في حرب الخليج. وبسبب الخلل في موازين القوى بين اسرائيل والعرب. وهذه النافذة، تسمح لليهود بالتخلي عن بعض الأرض مقابل كل السلام، فكان أوسلو عام 1993.
أما باراك، فيمكن اعتباره العسكري المميز في مجاله. ولكن من خلال إدائه السياسي، يمكننا القول انه المتطفل على هذا المجال. وينطبق عليه ما قلناه، في ما خصّ استدعاء المستقبل الى الحاضر من قبل العسكر. فهو وضع جدول أعماله كرئيس للوزراء على بُعدٍ واحد، هو بُعده. واهمل الطرف الآخر الذي يشكل النصف الآخر العرب. فالسلام مع سورية قريب، والانسحاب من جنوب لبنان باتفاق وشيك، ومع الفلسطينيين فإن انهاء النزاع من الأمور السهلة. لكنه فشل في كل هذه الأمور على الصعيدين: العربي والإسرائيلي. فعلى الصعيد العربي، يبدو انه استخف بهم. أما على الصعيد الإسرائيلي، فقد عُوقب لمسه المحرمات عندما قدم التنازلات. أو بطريقة أخرى، عوقب اسرائيلياً لأنه ترك عقله يتغلب على عناده، وذلك بعكس ما حصل مع بن غوريون، بحسب رواية غولدمان.
ماذا عن شارون؟
تبدو مسيرة ارييل شارون العسكرية معروفة تقريباً. كُتب عنها الكثير، وقد لا تتوقف الكتابة عنها في المدى المنظور، هو لم يشذ عمن سبقه من القادة وصولاً الى السلطة. لكنه يتميز عنهم بأنه أكثر دموية. فالمسيرة السياسية عنده على مرحلتين: الأولى، عندما حكم كوزير في حكومات متعددة. والثانية، وهي قيد الصنع. والذي يميز شارون عمن سبقه، هو ربطه بين النظرة الاستراتيجية العامة والشاملة للصراع. وبين التكتيك الصغير الذي ينحدر الى مستوى المستوطنة، أو الشخص ما مثلاً. بمعنى، يعتبر شارون ان العلاقة جدلية بين البُعدين الاستراتيجي والتكتيكي، وهو يعمل على الاثنين معاً. أي انه يبني مستوطنة في مكان ما مستوى تكتيكي، كي يتأثر المستوى الاستراتيجي لأي قرار لاحق، كتفكيك هذه المستوطنة. وقد يؤثر وجود هذه المستوطنة في مكان ما مهم أمنياً، في النتيجة العملانية أو الاستراتيجية لأي اصطدام عسكري. ومن هنا اطلاقه على بعض المستوطنات تسمية "المستوطنة ذات المهمة الأمنية".
قال شارون مرة لمراسل "نيويورك تايمز": "لم أعرف خلال 50 سنة من عمر الكيان، يوماً عادياً". ويقول عنه مسؤول أميركي: "انه يكره العرب، كما كره الجنوبيون في ولايات أميركا العبيد في أميركا".
يؤمن شارون بالقوة اليهودية. فالقوة، هي السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف السامية. لا تعنيه الضفة من الناحية الدينية بأي شيء. ما يهمه منها هو في وظيفتها الأمنية لإسرائيل ككل. تأثر كثيراً بالمفكر البروسي كلوزفيتز، في ما خص القوة وعلاقة السياسة بالحرب. حتى انه يقال ان شارون تخطى معلمه. فهو أفرط في استعمال القوة، ومن دون حدود. وسيطر البعد العنفي لديه على البعد السياسي، لا يؤمن شارون بتوقف العنف ولو موقتاً، افساحاً للعمل السياسي. فهو يريد الحسم الكامل، ليفرض بعدها شروطه، من دون الاضطرار الى المفاوضة. يؤمن بالحرب والنصر من دون السلم. لأن السلم بالنسبة له يتشكل من غياب الحرب. وتجلّلت كل هذه المفاهيم أثناء قيادته لعملية "سلامة الجليل" عام 1982، عندما كان وزيراً للدفاع. فهو كسياسي، سيطر كلياً على الأهداف العسكرية حتى المستوى التكتيكي. وأدت سيطرته هذه، الى استعمال المزيد من العنف بهدف الحسم الكامل والسريع، وذلك من دون محاولة التوقف لإعطاء البعد السياسي دوره. فغابت المناورة لتحل مكانها كثافة النيران.
أسباب وصوله الى الحكم؟
يُخطئ من يعتقد ان الإسرائيليين انتخبوا شارون عقاباً لباراك. لا بل يمكن القول انهم انتخبوا "الأمن" الذي يمثله شارون. فقد أجري استطلاع للرأي بتاريخ 30/1/2001 يتناول العملية السلمية من قبل "مركز الأبحاث السلمية" في جامعة تل أبيب، وأتت النتيجة على الشكل الآتي: يريدون التفاوض مع الفلسطينيين 4،72 في المئة، و8،27 في المئة يؤيدون أوسلو"، و50 في المئة يعارضون الانسحاب من الجولان. و1،50 في المئة يعتقدون ان شارون هو الزعيم الوحيد المؤهل لتسيير العملية السلمية والمحافظة على المصالح الحيوية لدولة اسرائيل.
لماذا شارون؟
لم يعد الإسرائيليون يؤمنون بالعملية السلمية ككل. فاتفاق أوسلو، نقل الصراع من الخارج الى قلب الكيان، الأمر الذي يناقض تماماً العقيدة الإسرائيلية الثابتة، التي قامت على القتال دائماً على أرض العدو. ويبدو التهديد الذي تواجهه الدولة العبرية الآن، أكبر من أي وقت مضى. فها هي ايران تستعد لحيازة النووي بمساعدة روسية صينية. وها هو العراق يحاول العودة الى الساحتين العربية والدولية. وها هي سورية تتجه نحو التحالفات الاقليمية التي تعارض العملية السلمية. وها هو الجيش الذي لا يُقهر، يجبر على الانسحاب من الجنوب اللبناني تحت ضربات المقاومة. إذاً المعنويات في الحضيض، والعمق الاستراتيجي النفسي إذا صح التعبير تآكل بشكل مخيف. يُضاف الى كل هذا، التحول الكبير الذي طرأ على تركيبة المجتمع الإسرائيلي، الذي أصبح مفككاً، الأمر الذي أدى الى اعادة توزيع موازين القوى السياسية، وظهر هذا الوضع جلياً في خريطة التوزيع السياسي في الكنيست.
إذاًَ، وفي ظل هذا الوضع، يبدو شارون كخشبة خلاص للكيان. فهو الوحيد المتبقي من الجيل الثاني الذي ساهم في تأسيس الكيان، وكان له الفضل الأكبر في انقاذ البلاد من الأزمات الكبرى، وهو الوحيد الذي يرفض التنازلات، وهو الوحيد القادر على اعادة توحيد الداخل لمجابهة الخارج. وهو بعكس بيريز الخاسر الدائم في معظم مراحل حياته السياسية الذي لا يوحي بالثقة في مثل هذه الأوقات. فبيريز مكروه حتى من الآباء المؤسسين. وقال عنه موشي شاريت: "سوف أعلن الحداد في الدولة، إذا ما رأيت بيريز يوماً وزيراً في حكومة اسرائيل". وبهدف الجمع، عمد شارون الى اعادة خلق العدو الخارجي الذي يوحّد الداخل. فهو اسقط كل الاتفاقات، ونسف أسس أوسلو ويحاول ارساء قواعد جديدة للعبة تستند على التقييم الجديد للمتغيرات الاقليمية، وتأخذ في الاعتبار الدروس المستقاة من تجربة أوسلو، ومن الانتفاضات المتكررة، وطبعاً الانسحاب من جنوب لبنان. فهو أكثر من لاءاته، ومن خطوطه الحمر، وكأنه بطريقة غير مباشرة لا يريد التفاوض. لذلك تبدو هذه المرحلة وكأنها مرحلة اختبار لكل الأفرقاء. فعرفات سوف يختبر عزم شارون، ومدى هامش مناورته، والعكس صحيح أيضاً. وهما سوف يختبران عزم الإدارة الأميركية الجديدة والى أي مدى هي مستعدة للمشاركة، أو ترك الأفرقاء في خضم العملية السلمية. إذاً وباختصار، يأتي انتخاب شارون وكأنه نزع للثقة من أيدي الجيل الثالث نتانياهو، باراك، وارجاعه الى من تبقى من الجيل الثاني. وهذا أمر طبيعي للعقل الباطني. اذ يقال وعلى سبيل الدعابة ان التاجر، وبعد افلاسه في عمله، يعمد الى مراجعة دفاتره القديمة، كي يعيش امجاده السابقة مرة ثانية في حاضره الصعب.
ملامح سياسة شارون المستقبلية؟
ان أسهل الطرق لمعرفة ملامح سياسته، هي في مراجعة لاءاته وطروحاته الانتخابية. فهو يتميز عن باراك، في انه لم يستدع المستقبل لرسم صورته كما يريد. بل على العكس، استرجع الماضي الثابت ليفرضه على المستقبل. لذلك من المتوقع ان لا تخرج سياسته عن المحاور الآتية: المحور الداخلي في شقيه الفلسطيني والإسرائيلي، والمحور الخارجي في شقيه العربي والدولي الولايات المتحدة.
- المحور الداخلي والبعد الإسرائيلي: على رغم هدمه لمستوطنة ياميت، عندما كان وزيراً للدفاع مع بيغين، ومشاركته في اتفاق "واي ريفر" مع نتانياهو، فإن المستوطنين مستعدين لمسامحته، لأنه يعتبر "باني المستوطنات". لذلك يعتبره محافظ مستوطنة مآل ادومين كالمخلص، الذي سيحافظ عليهم ويؤمن مصيرهم. وبناءً عليه لا يجب ان ننتظر أي تنازلات في هذا المجال. وكونه من الجيل الثاني، Revisionist فهو يعشق الأرض، ويعيش معها، لذلك هو مزارع. أما الأمن، فهو الوعد الثاني والأهم، وهو عازم على تحقيقه ليس على المدى القريب وبشكل ثابت، بل على المدى البعيد وبليونة مطلقة. لذلك سيرتكز مفهومه في هذا المجال على المبدأ الآتي "أمن متغيّر، يواكب المتغيرات على كافة الأصعدة". وذلك على غرار الحدود الأمنية المطاطة، التي تعتمدها اسرائيل. والا فما معنى ذهابها أي اسرائيل الى العراق لقصف مفاعله النووي، على رغم المسافة الجغرافية التي تفصلها عنه؟ فهو نقض أوسلو وكل ما يتعلق به، خصوصاً في مجال التعاون الأمني، وهو سيرسي قواعد جديدة للعبة الكرّ والفرّ. فلننتظر المزيد من العزل الوقائي للتجمعات الفلسطينية الكبيرة، ولمزيد من العمليات النوعية ضد الكوادر المقاتلة. وهو لن يتخلى عن 95 في المئة من الضفة كما وعد باراك. وعرضه لن يتجاوز ال45 في المئة. وذلك من دون التخلي عن المناطق العازلة على ضفة وادي نهر الأردن، وعلى الخط الأخضر الفاصل بين فلسطينيي 48 وفلسطينيي الضفة، وهو لن يتوانى عن تجريد السلطة من السلاح الذي يشكل خطراً عليه. كما يمكن اضافة موضوع الأمن الغذائي المتمثل بمصادر المياه التي ستبقى تحت سيطرته.
- البعد الفلسطيني: على رغم اتصال عرفات به للتهنئة، فهما لم يتصافحا أبداً. فهو حاول اغتياله مرات ابان الاجتياح للبنان. ولكن الأوضاع الآن، تختلف عما كانت عليه سابقاً. فعرفات يبدو وكأنه سجين غزّة، ولذلك سيسعى شارون الى الحد من حركته، عبر منعه من مغادرة فلسطين إذا ما تدهورت الأمور، أو إذا ما أعلن عرفات الدولة. وقد يمنعه من العودة إذا كان خارج أراضي السلطة. وسوف يعمد الى اعماء، واسكات صوت وصورة وسائل الإعلام التابعة للسلطة، والى منع الفضائيات العربية من الوصول اليها، وهي التي كان لها الأثر الكبير في تأجيج الانتفاضة، وهو سوف يعاقبه اقتصادياً، بعدم دفع المستحقات للسلطة، وهو لن يفاوض قبل وقف العنف. أما في ما خصّ خطوطه الحمر، فهي غير قابلة للنقاش والتنازل، خصوصاً حق العودة والقدس.
- المحور الخارجي، البعد العربي: لا يمكن لشارون ان يتنكر للاتفاقات المعقودة مع الدول العربية، التي وافق عليها الكنيست. لكن السلام البارد حالياً بينه وبين مصر، سوف يزداد برودة. ويعود هذا الأمر الى التناقض الجوهري في نظرة البلدين للعملية السلمية. فمصر تصرّ على متابعة أوسلو، أما هو فيرفضه من أساسه. أما الأردن، البلد الخائف على مصيره، فهو وعلى رغم اعتقاد شارون بأنه يجب ان يكون الوطن البديل للفلسطينيين، سوف يبقى ضرورة أمنية لإسرائيل. فالأردن يخاف من الغالبية الفلسطينية، ويفضّل التقارب مع شارون. وشارون في المقابل يخاف من قيام كيان فلسطيني في الأردن قد ينضم لاحقاً الى العراق، فيكون بذلك دعا "الدب الى كرمه" كما يقال في العامية. لذلك يبدو اتفاق وادي عربة بين البلدين، وكأنه انتزاع لشرعية الكيان الأردني من اسرائيل والولايات المتحدة، والضمانة على صعيد القانون الدولي. وفي هذا الإطار سوف تستمر الوفود في الذهاب الى البلدين، من دون الوقوع في الغرام.
وفي ما خص سورية، فالجولان هو من المحرّمات ولا يمكن التنازل عنه، وسوف يستمر بإرسال التهديدات لدمشق والى لبنان عبر الموفدين المتعددين وخصوصاً الأميركيين.
- البعد الدولي: ما يهم شارون في المراحل الأولى لحكمه، اعادة تسويق نفسه بحُلة جديدة. لذلك قرر في وقت سابق ارسال وفد الى الولايات المتحدة يضم موشي ارينز لعرض الأوضاع وما آلت اليه العملية السلمية بعد أوسلو. وسوف يقنع الأميركيين بعدم جدوى العودة اليه كإطار اتفاق، ولا بد من ايجاد نظام جديد يواكب المتغيرات التي طرأت، وسوف يحاول تسويق اسرائيل من جديد، كشرطي المنطقة، خصوصاً بعد تفلّت العراق وايران من الاحتواء. كل هذا في ظل سياسة خارجية أميركية معلنة للإدارة الجديدة تتحفظ عن التدخل إلا عند الضرورة القصوى.
في الختام، يمكننا القول ان شارون هو الوحيد من بين قادة اسرائيل يتحلى بالشفافية، وهو الوحيد الذي يمكن توقع ما يمكن أن يقدم عليه. فقناعاته وتحديداً كرهه للعرب لا يزال هو هو. ولكن الطريقة قد تكون جديدة. فهو عندما كأن مأموراً في الجيش، استطاع التفلّت من رؤسائه ونفّذ ما يؤمن به، وعندما كان وزيراً في حكومة مع رئيس لها، استطاع تنفيذ اهدافه أيضاً. لكن الوضع الآن يختلف. فهو السلطة العليا، وهو ليس محكوماً إلا من الضوابط الاقليمية والدولية، فهل يستطيع تنفيذ أهدافه.
استناداً للتجربة، يبدو الجواب نعم. فهو سيقتل حتماً، ولكن بطرق أخرى. وسوف يتفلت من الضوابط، أيضاً بطرق أخرى. ولكننا كعرب، هل سنجابه اسرائيل بطرق أخرى؟ استناداً للتجربة، يبدو الجواب، كلا. لذلك لا بد من الاستعداد، ويُخطئ من يعتقد ان "التطبّع يغلب الطبع". فلنستعد للمزيد من شارون.
* كاتب لبناني. عميد ركن متقاعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.