عزيزي الجنرال، تحياتي، لقد أجلسك القدر على مقعد ساخن، في مرحلة حاسمة من صراع الشرق الأوسط، حيث يشتبك الفلسطينيون والاسرائيليون في حرب لا هوادة فيها. أنت رجل الساعة! إذا ما نجحت في مهمتك، فسيصفق لك العالم، وآنئذ، ستحتل مكانك في كتب التاريخ. ولكن اذا ما فشلت، فسيضاف اسمك الى قائمة طويلة من المبعوثين الاميركيين، جلبت عدم قدرتهم على ايجاد تسوية للصراع العربي - الاسرائيلي الموت والدمار الى العرب واليهود، والى اميركا ذاتها. ولم يُيسر موقف حكومتك مهمتك، إن لم يجعلها مستحيلة: لقد وقف الرئيس جورج بوش، هذا الاسبوع، الى جانب ارييل شارون، وضد ياسر عرفات، فأراح الاسرائيليين، بعد موجة الهجمات الانتحارية، ولكنه اشعل غضب الفلسطينيين ويأسهم. لقد منح اسرائيل "الحق في الدفاع عن نفسها" - ما معناه، واقعياً، اعطاء اسرائيل "الضوء الأخضر" للقيام بهجوم شامل على السلطة الوطنية الفلسطينية التي يرأسها ياسر عرفات - ولكنه لم يأت على ذكر حقوق الفلسطينيين أو عذاباتهم! ويحق للعرب ان يستنتجوا ان التصريحات التي أدلى بها الرئيس بوش، ووزير خارجيته كولن باول الاسبوع الماضي، عن ضرورة اقامة الدولة الفلسطينية هي تصريحات "منافقة وانتهازية"، غايتها حشد العرب وراء الولاياتالمتحدة في حربها "ضد الارهاب". اما اليوم، وقد لاح النصر في افغانستان، عادت الولاياتالمتحدة والتصقت بموقفها التقليدي المؤيد لاسرائيل. ان غلاة المحافظين، وقد بدأ رصيدهم يرتفع في الادارة الاميركية الحالية، يعتبرون شارون كأنه واحد منهم، وفي الوقت ذاته، همش المسؤولون الأكثر اعتدالاً في وزارة الخارجية الاميركية. ان انحياز الولاياتالمتحدة الفاقع الى جانب اسرائيل لن يساهم في تحقيق السلام، كما انه لن يساعد اسرائيل على اتخاذ خياراتها الصعبة، بل وسيعرض الولاياتالمتحدة ذاتها ومواطنيها الى المزيد من هجمات العرب والمسلمين الغاضبين الثائرين. هل أنت قادر، وأنت في المنطقة الآن، ان تعيد شيئاً من "التوازن" الى سياسة بلادك، وان تنتزع لها صدقية لدى الرأي العام العربي؟. اذا تعذر عليك ان تفعل هذا، فقد يكون من الأحسن ان تتنحى عن مهمتك فوراً، وأقدّر انه في هذه اللحظة التي تُطبع فيها رسالتي اليك، قد يتم استدعاؤك من جانب حكومتك، ويعلن فشل الوساطة الاميركية. وسيكون، في وسع شارون ان يفسر السلوك الجديد هذا على انه دعوة لاستخدام المزيد من العنف. هناك اقتراحان يلخصان الموقف الراهن، سيعترض عليهما الكثير، من دون أي شك، ولكن المنصفين سيجدون انهما يمثلان البداهة: 1- الارهاب الفلسطيني هو ردة فعل على الاحتلال الاسرائيلي. واذا ما وُضع حدٌ لهذا الاحتلال، فسيزول الارهاب. 2- ان الارهاب الاسلامي ضد الولاياتالمتحدة - تماماً كما حدث في 11 ايلول سبتمبر - هو، الى حد كبير، ان لم يكن حصراً، ردة فعل على تأييد الولاياتالمتحدة المتميز لاسرائيل. ان معالجة اميركية عادلة للصراع في الشرق الأوسط، تقوم على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، كما تعترف بالمستلزمات الأمنية الاسرائيلية، وبشكل أفضل، إقدام الولاياتالمتحدة على "هندسة" تسوية سلمية مباشرة، من شأنه ان يضع حداً لهذه الكراهية التي يكنّها العرب والمسلمون للولايات المتحدة. أنت جنرال سابق في سلاح البحرية، ومعروف بقوة تفكيرك وصراحتك لقد وصفت، في محاضرة القيتها في كلية هيئة أركان القوات الاميركية المشتركة في ايار مايو الماضي "الفوضى العالمية الجديدة" التي تواجهها اليوم، وقد تنبأت، في محاضرتك تلك "ان الدول المتداعية والمنهارة قد تصلح لأن تكون ملاذاً، تلجأ اليه الجماعات المتطرفة، لاستخدامها قواعد للتخطيط أو التدريب على اعداد ضربات موجعة ضد الولاياتالمتحدة"، وقد ابديت أسفك، وتذمرت من "فقدان التحليل الاستراتيجي الجدي" في مواجهة التهديدات الجديدة التي قد تتعرض لها الولاياتالمتحدة، وقد وصلت في محاضرتك الى الاستنتاج التالي: "لم تكن الحاجة الى صياغة استراتيجية قومية شاملة بأكثر إلحاحاً في تاريخ بلادنا، مثلها الآن، استراتيجية تعبر عن مصالحنا وأهدافنا وأولوياتنا وتوزع ثروتنا". كنت، أنئذٍ، تتحدث عن الاحتياجات العسكرية الاميركية اما اليوم، فأنت امام ما هو أوسع من هذه الاحتياجات بكثير: ان الولاياتالمتحدة بحاجة الى استراتيجية شاملة للشرق الأوسط. لكنها تفتقر الى مثل هذه الاستراتيجية، بكل صراحة، وأنت، من موقعك الذي تحتله الآن، قادر على صياغة هذه الاستراتيجية. ماذا يريد العالم منك اسمح لي أن أرفع اليك الآراء التالية، وهي في قناعتي، تعكس الاجماع الدولي: - يناضل الفلسطينيون لإقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، عاصمتها القدسالشرقية، وتعيش في سلام، الى جانب اسرائيل. انهم لا يسعون الى إفقاد اسرائيل شرعيتها، ولا يهددون وجودها. ان الجماعات المتطرفة، مثل "حماس"، لا تزداد شعبية الآن إلا لأن اسرائيل ترفض حتى الآن انهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية. - تتعذر تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي بالقوة. فاسرائيل لن تستسلم لمفجري القنابل الاستشهاديين، كما لن يستسلم الفلسطينيون تحت وطأة الضربات العسكرية الاسرائيلية. ان سياسات شارون القمعية القائمة على الذراع العسكرية الطويةل - الاغتيالات المنتقاة، محاصرة المدن والقرى، التوغل المسلح في الأراضي، القتل العشوائي، نسف البيوت والمزارع، والآن اللجوء الى الهجوم العسكري الشامل. هذه كلها لن تحطم ارادة الفلسطينيين، بل هي على العكس تماماً ستحيل مقاومتهم اكثر عناداً وعنفاً! - لا بد من التنحي عن العنف لكسر الحلقة المفرغة عند الطرفين - لا الاقتصار على طرف واحد - واذا مورست الضغوط على ياسر عرفات للقبض على الناشطين، فلا بد من ممارسة الضغوط ذاتها على شارون وجيشه ليكونا اكثر انضباطاً وانصياعاً. ولن يستطيع عرفات، ولا أي وريث آخر يأتي بعده، ان يُنهي الانتفاضة من دون الحصول على مردود سياسي واضح. لقد قدم الفلسطينيون الكثير من الضحايا بين قتلى وجرحى، وجرى تدمير الكثير من ممتلكاتهم وأراضيهم، بحيث بات متعذراً على الانتفاضة ان تتلاشى من دون الحصول على مكسب سياسي. - ان التقويم الزمني الذي يتقدم به شارون عن السلام لا يتفق مع مفهوم السلام الذي يُطالب به المجتمع الدولي. انه يطالب بأن يُصفي عرفات "الارهابيين" ولكنه يدمر في الوقت ذاته الوسائط التي يحتاج اليها عرفات لتنفيذ هذا الأمر. وهكذا تكتيك معروف، فطالما اعتمد عليه اليمين الاسرائيلي! والحقيقة ان شارون لا يريد المفاوضات، لأنها لا بد من ان تفضي الى التخلي عن بعض المناطق. هدفه هو ان تزداد الحركات الفلسطينية تطرفاً وتصفية اي مسؤول فلسطيني على استعداد للتفاوض. ومن هنا هذا الإصرار على تصفية ياسر عرفات شخصياً. وفي أثناء ذلك يسعى شارون الى تأجيج الحرب الأهلية الفلسطينية، واذا ما نجح في تحقيق غرضه، ستكون سعادته بلا ثمن وسيكون قد حصل على مكافأة اضافية. كان جيمس بيكر، وزير خارجية اميركا الأسبق، يحض الاسرائيليين دوماً على التخلي عن فكرة "اسرائيل الكبرى" التي لا يمكن تحقيقها. عزيزي الجنرال: اذا أردت ان تنجح في مهمتك، فينبغي ان تكون هذه هي رسالتك: "التخلي عن اسرائيل الكبرى!". ان المهمة التي كلفت بها تتطلب إرادة سياسية وعضلات سياسية ايضاً. عليك قبل كل شيء، ان تخصص "فضاء" خاصاً بك ، يتيح لك حرية الحركة، وحىنئذ تستطيع ان تحدد مهمتك بذاتك. إنس كل شيء حول تنفيذ تقرير ميتشل، واقتراحات تينيت، إنها لن تمضي بك بعيداً، ولهذا كان مصيرها الفشل. ثم ان الحصول على وقف لإطلاق النار غير كاف وحده. عليك ان تتقدم بخطة سياسية، وعليك ان تسعى الى انجاحها، مهما كانت العقبات والصعاب. عليك ان تضرب الطاولة بقبضتك وان تقارع الرؤوس الصغيرة، وعليك ان تقف في وجه الصقور في اسرائيل، وفي واشنطن، وعليك ان تُعلن بكل وضوح انك تعرف ماذا تفعل. من الواضح ان الفلسطينيين والاسرائيليين لا يمكن ان يتوصلوا الى سلام بمفردهم. هم بحاجة الى مساعدة خارجية. ولأنهم منهكون من طول مدة الصراع، فهناك، على الأرجح، اكثرية منهم سترحب من دون شك ب"سلام مفرو ض" عليهم من جانب المجتمع الدولي. وقد بدأ فعلاً، بعض زعماء حزب العمل الاسرائيلي، مثل شلومو بن عامي، وزير الخارجية الأسبق، يدعون الى القبول بهذا الحل، بل ان حزب العمل على وشك مغادرة حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها شارون. لقد اقترب المفاوضون الفلسطينيون والاسرائيليون، في طابا في كانون الثاني يناير من عام 2001 من التوصل الى اتفاق. ويمكن تحقيق التقدم ذاته، الآن، بالرجوع الى البنود ذاتها التي قبل بها الطرفان، مع اجراء تعديلات طفيفة، ولكن المهم ان تكون النيات حسنة وطيبة. وهنا لا بد من ان يفهم الاسرائيليون ان السلام، واقامة علاقات حسن جوار مع الفلسطينيين هي الضمانة الوحيدة للسلام الدائم والطويل الأمد. أما القيام بغارات جوية بطائرات "أف 16" والحوامات ومقاتلات أباتشي لن تولد الا عمليات استشهادية جديدة، قد تكون اعنف وأقوى. ولا بد من ان يفهم ياسر عرفات ايضاً ان "الغصة" التي يولدها مبدأ حق العودة للفلسطينيين لدى الاسرائيليين، حتى لدى اليساريين منهم - اذ يرون فيه تهديداً لوجود اسرائيل بالذات - لا بد من ان تؤخذ بعين الاعتبار. على عرفات ان يعرف أن هذا الحق إذا ما منح وأقرّ للفلسطينيين، فينبغي ان يجري تطبيقه بشكل رمزي، كما تم الاتفاق عليه في طابا. ومن هنا، يتوجب على الاسرائيليين ان يتخلوا عن مخاوفهم حول هذا الموضوع. يحتاج الطرفان الى "حوافز" لتغيير موقفهما وسلوكهما. الناخب الاسرائيلي الذي افقده الخوف والحقد اتزانه انزلق نحو اليمين، وهو بحاجة الى حوافز للعودة الى الوسط واستعادة ايمانه بالسلام، وحزب العمل الاسرائيلي بحاجة هو الآخر، الى حوافز ايضاً للخروج من "ائتلاف الوحدة الوطنية الحاكم" ولإسقاط شارون، وللدعوة الى السلام في انتخابات جديدة. ثم ان ياسر عرفات بحاجة ايضاً الى حوافز سياسية لايقاف الاعمال الاستشهادية ولإقناع أبطالها بعدم لزومها. ثم ان الولاياتالمتحدة لا يجوز لها ان تخلط بين الحرب على الارهاب، ونضال الشعب الفلسطيني المشروع من أجل الاستقلال والحرية. هكذا ينبغي ان تكون خريطة سيرك. لا تستسلم، ولا تيأس. ومردود النجاح سيكون كبيراً جداً. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط.