يقال عن الشعب السويدي انه يتجنب كل شيء غريب ويتفادى الاندماج مع ما لا يتوافق وعاداته وتقاليده. لذا من الطبيعي ان تواجه الطقوس الدينية المختلفة عن طقوس السويديين صعوبة اكثر في مجتمع من هذا النوع. فكيف اذا كان الامر يتعلق بمسجد للمسلمين في وسط العاصمة وفي ارقى مناطق استوكهولم. هذا ما تحاول مجموعة من طلاب جامعة ستوكهولم ان يبحثوا فيه لمعرفة الاسباب التي كمنت وراء تأخير مشروع بناء مسجد استوكهولم 30 سنة، وما هو رد فعل الشارع السويدي عليه قبل ان يتم افتتاحه في العام الماضي. الدراسة التي اجرتها مجموعة الطلاب ترأسهم تيريزا ليندهولم وأرنستو غارسون تحولت الى معرض يستمر حتى شباط فبراير المقبل في متحف المدينة، يحكي عن الرحلة الشاقة التي قطعتها الجالية المسلمة في السويد للحصول على ترخيص البناء في وسط العاصمة. وتشرح تيريزا ان "مشروع المعرض اتى بعدما طلب اساتذة الجامعة ان نقوم ببحث له علاقة باختصاصنا عن علم الانسان. تقدم الاساتذة باقتراحات مختلفة لم اقتنع بها، وفي الوقت نفسه كان النقاش حول بناء مسجد استوكهولم متفجراً في الاوساط الشعبية والاعلامية والسياسية خصوصاً بعدما وافقت بلدية استوكهولم على بنائه. وجدت في النقاش الدائر مادة لها علاقة بدراستنا كما وقيمة ديموقراطية". وتتابع تيريزا حديثها الى "الحياة" التي التقتها في متحف المدينة في استوكهولم ان "السويد بلد ديموقراطي وللأديان قوانين خاصة تتعلق بها. تلك القوانين تعري اقنعة القسم الزائف في المجتمع السويدي اذ هناك من يدعي الديموقراطية ولكنه لا يطبقها على الجميع. وبما اني مقتنعة بمفهوم الديموقراطية لمست اهمية كبرى في الذهاب قدماً في هذا المشروع". ويشرح زميل تيريزا، ارنستو ان "المجموعة التي تألفت من ثمانية طلاب وعملت لاتمام هذا المشروع كانت تعكس صورة المجتمع السويدي الى حد بعيد. فنحن واجهنا صعوبة كبيرة ضمن المجموعة من اجل الوصول الى هيكلية نتفق عليها جميعنا"، وتتدخل تيريزا قائلة: "اردت ان اجعل المعرض استفزازياً اكثر مما هو عليه الآن ولكن جبهت من قبل الاكثرية في المجموعة. من الاشياء التي كنت اتمنى ان اضيفها او أغير فيها نصوص تحكي عن رد فعل الشارع وتبرير السلطات لرفضها اقامة مسجد في بادئ الامر. احد النصوص الموجودة في المعرض يشرح بطريقة ديبلوماسية رفض البلدية السماح بترصيع المسجد من الخارج بطريقة هندسية تتوافق والتراث المعماري الاسلامي، لكن النص الحقيقي هو ان السلطات رفضت اعطاء رخصة لترصيع المسجد، وهذا ما كان من المفترض كتابته. انهم يلعبون على الكلام، وانا كنت اريد ان اكتب بوضوح ان السلطات رفضت الطلب ولسنا بحاجة الى أن نبرر فعلتها". من الواضح ان المسألة الديموقراطية هي دافع الطلاب لاقامة مشروع معرضهم. ويقول ارنستو ان "العمل الذي قمنا به نابع من قناعتنا بالتواصل السلمي والتضامن مع مسلمي السويد. كنا على اقتناع من الاساس بأن الديموقراطية في استوكهولم ستكون ضعيفة من دون مسجد متكامل للأقلية المسلمة"، وتقول تيريزا انه "ليس من الضرورة ان نكون على صلة بأشخاص من الاقلية المسلمة اذ يكفي ان نطبق القوانين الموجودة في السويد والتي توصي باحترام الديانات المختلفة والسماح لها بممارسة طقوسها، ومن ضمن الطقوس بناء مسجد من اجل ان يمارسوا ديانتهم فيه". وتعتقد تيريزا ان سبب تأخر التصريح لبناء مسجد يعود الى خوف المجتمع السويدي من اي شيء جديد او غريب عليه، لكن زميلها ارنستو يقول: "ان هذا التأخير هو بسبب العداء للأجانب، هناك صورة خرافية عند المواطن الاوروبي، فهو يعتقد ان المسلم ارهابي وقاتل ولكنه ينسى في الوقت نفسه انه لولا الشرق ولولا الحضارة الاسلامية لما تمكن المجتمع الاوروبي من تطوير الطب والعلوم وأشياء أخرى مهمة". ويشير الى انه عندما "ينظر الانسان الى ما يقوله المواطن السويدي المعارض لبناء المسجد فأنا يمكنني ان اتفهمه لأن لا تصور لديه عن حقيقة الاسلام والمسلمين وانما هو أسير تلك الصورة الخرافية التي تروج لها وسائل الاعلام الغربية". يشرح ارنستو انه لا يعتقد ان كل المعارضين لبناء المسجد عنصريون وانما هم اشخاص خائفون". تقول تيريزا ان عملية الاندماج في المجتمع السويدي تأخرت بعض الشيء بالنسبة الى المسلمين ولكنها تشير الى ان "بناء مسجد في وسط العاصمة هو اكبر انجاز من اجل التقدم في عملية الاندماج. فالمسجد هو اشارة واضحة الى ان هناك سويديين يعتنقون الديانة الاسلامية وهذا يعني انهم سيبقون في هذا البلد الى الابد ولن يرحلوا لأنهم جزء منه". وتشرح تيريزا ان العمل لاتمام المعرض كان صعباً للغاية، خصوصاً ان الموازنة التي كان يحتاج اليها المعرض وصلت الى نصف مليون كرون 5 آلاف دولار ولكنهم لم يحصلوا الا على مئة ألف كرون مما وضع تيريزا التي قادت العمل في وضع صعب. فهي تقول ان "المبلغ الذي حصلنا عليه لم يكن كافياً ليمنحني الاستقلالية في العمل، فالمجموعة التي قدتها كانت تعمل مجاناً، لذا كنت مجبرة على التنازل عن بعض افكاري من اجل اتمام المشروع". ولا تخفي ان احداث افغانستان اثرت في عمل المعرض بطريقة سلبية اذ ارتفعت اصوات ضمن المجموعة متسائلة اذا كان من الافضل تأجيل المعرض. الجدير ذكره ان اول مجموعة مسلمة اتت الى السويد عام 1930 وكان عددها 15 شخصاً، وفي سنة 1949 سُمح بتأسيس اول مجمع اسلامي في استوكهولم. وارتفع عدد المسلمين في الستينات اذ كانت تستقطب السويد عمالاً من تركيا ويوغوسلافيا وارتفع عددهم اكثر مع السبعينات حين لجأت اليها اعداد كبيرة من فلسطين ولبنان وشمال افريقيا. ويوجد اليوم نحو 300 ألف مسلم من الصومال والعراق وايران والمغرب العربي ولبنان وفلسطين. وفي السويد خمسة مساجد ويعد مسجد مدينة مالمو الاكبر في الدول الاسكاندينافية.