في العام 1969 انطلق ممثل شاب ذو ملامح جاذبة وشعر أشقر وقوام رشيق الى الصدارة لاعباً دور شاب من تكساس وطئ ارض مدينة نيويورك باحثاً عن المال والشهرة والحلم الأميركي الكبير، لكنه وجد في مقابل كل ذلك عالماً موحشاً وكئيباً. وهناك يلتقي برجل يعرج كان جرّب الدروب ذاتها وتراجع سريعاً ويحاول الآن العيش على جناحي الحالم الساذج. الفيلم كان "مدنايت كاوبوي" والممثل الشاب لم يكن سوى جون فويت الذي اثبت سريعاً أنه أكثر من مجرد وجه وسيم. هو ممثل موهوب وذو قدرة على التنويع والاستمرار في ظروف تراجع فيها معظم أبناء جيله من الممثلين. هو ايضاً والد الممثلة الجميلة التي تبدو كما لو أنها غجرية ولدت ناضجة وجاءت من خارج المكان، ولمعت من دون سابق إنذار. أنجلينا جولي مثلت فيلماً واحداً تحت مظلة أبيها هو "البحث عن الخروج" لهال آشبي - 1980 لكنها استقلت سريعاً بعده. في حينه كانت لا تزال في الخامسة من عمرها، إذ ولدت في 4/6/1975، لكنها مع بلوغها العام الأول بعد العقد الأول، بدأت تدرس التمثيل في معهد لي ستراسبورغ في نيويورك. وفي العام 1986ايضاً ظهرت للمرة الاولى على خشبة المسرح، لكن أعمالها السينمائية انطلقت عملياً العام 1993 بتمثيلها دوراً صغيراً في فيلم خيال علمي بعنوان "سيبورغ 2" وتواصلت في ما بعد بسلسلة من الأفلام السريعة والمتنوعة: "فوكسفاير"، "جورج والاس"، "جيا"، "اللعب حسب القلب" و"دفع الصفيح". قادها "جيا"، الذي عرض تلفزيونياً عن عارضة عاشت فعلاً واسمها جيا كارانجي ماتت بالايدز عقب علاقات عاطفية متحررة وإدمان المخدرات، الى جائزة "إيمي" الموازية للأوسكار تلفزيونياً كما الى اكتشافها. لأن مجرد التمثيل في بضعة أفلام لا يعني أن الممثل مكتشف بطاقاته ومواهبه، والأمثلة على ذلك لا تحصى. لكن "جيا" أكد لهوليوود أن هذه الطاقة تبحث عن دور بطولة على الشاشة العريضة وهذه الفرصة جاءت عبر فيلم "لارا كروفت: غازية التابوت". قبله لعبت أمام وينونا رايدر في "فتاة مقاطعة" وأمام دنزل واشنطن في "جامع العظام" وأمام نيكولاس كيج في "اختفى في ستين ثانية". وكانت التقت بزوجها بيلي بوب ثورنتون خلال تصوير "دفع الصفيح". في "لارا كروفت" لعبت دور انديانا جونز انثى حافظة للأثريات والمصريات. تعيش في قصر مملوء بالقطع النادرة، تعلم خباياه وتدافع عنه. انه حصن صغير جعلت منه بيتاً عنكبوتياً تتدلى منه المراجيح والحبال والسلاسل التي تستخدمها للتمارين حين لا تستقبل زوّاراً. اما حين تستقبل زوّاراً، وهم غالباً غير مرحب بهم، فإنها تستخدمها للحرب. قوية وشجاعة، لا بحسب الشخصية التي مثلتها فقط، بل بحسب استعداداتها النفسية والبدنية للعب مثل هذا الدور. اللقاء معها كان بعد عرض "لارا كروفت" للصحافة العالمية ثم تجدد خلال زيارة موقع تصوير فيلمها التالي "خطيئة أساسية" الذي لم يستقبله النقاد جيداً، لكنها ستنفذ من تبعاته بسبب شخصيتها القوية واستعداداتها المدروسة للبحث عن الجديد وغير المطروق بالنسبة اليها على الأقل. إبنة المعلم والدك جون يؤدي في "لارا كروفت" دور والدك ايضاً. هل ذلك نتيجة رغبتكما في الإيحاء بقوة العلاقة الأسرية بينكما أم أنه أمر عائد الى رغبتكما في العمل معاً؟ - لعله الأمران معاً. جون وأنا تستدرك ... والدي وأنا ... اطلعنا على سيناريو هذا الفيلم معاً. وإذا شاهدت الفيلم تدرك أن الدور الذي يؤديه والدي ليس دور مجرد أب عادي في أسرة تقليدية. انه أب من المفترض أن يكون قد مات ويتراءى للارا حينما تناجيه او تتمنى وقوفه الى جانبها. في حياتنا الأسرية ابتعدت عنه كثيراً منذ سنوات بعيدة. كل منا شق طريقاً مختلفاً، لكنه بقي دائماً الملهم الأول في حياتي. ودائماً كنت استعين به في القرارات الحاسمة ... ربما حتى من دون أن أتصل عملياً به. هو دائماً اعطاني كتباً لأقرأها وشاركني علمه وخبرته. استوحيت مما منحني اياه الكثير ونحن صديقان الى جانب كوننا عائلة، وكنا سنصبح صديقين حتى من دون تلك القرابة لو تعرّفنا الى بعضنا بعضاً. انا متأكدة من ذلك، لأن جون واكبني روحياً في خطواتي كلها. ساعدني في قراراتي حينما لجأت اليه. كلنا نبحث عن الوسيلة التي نبدو فيها على أحسن وجه تجاه والدينا ولا أدري اذا نجحت في ذلك او اذا كنت عند حسن ظن والدي، لكنني داخلياً كنت أحاول وما زلت. أكاد أسمعه يقول انك كنت عند حسن ظنه... ففي نهاية المطاف لجأت الى التمثيل لأنك نشأت في جوّه... - بالتأكيد. لكن ذلك وحده ليس سوى جزء من الحياة بأسرها. ربما فعلت اشياء لم يكن يريدني أن أفعلها. أفلام مثلتها لم يجدها مهمة او لائقة بجهدي وموهبتي، لكنه لم يعارضني بل تركني اختبر الحياة بنفسي وأتحسس بقدمي معالم طريقي وحدي وهذا في نظري أمر جيد. هل يمكن أن نقول ان "خطيئة أساسية" او "اختفى في ستين ثانية" هي بعض تلك الأفلام التي تقصدينها؟ - لا. لن أسمّي افلاماً بذاتها. "خطيئة أساسية" فيلم مهم عندي ولا أدري بعد ما اذا كان سيعني المقدار نفسه من الأهمية لدى الناس. هل سيستطيعون معرفة السبب الذي من أجله مثلت هذا الدور ام لا؟ في المقابل هناك "فتاة مقاطعة". البطولة الثانية لكن الأثر الأول. - شكراً. "فتاة مقاطعة" حال مختلفة. اذا ما طلبت مني الرجوع الى سنواتي القليلة في التمثيل وانتخاب الميزة الأولى فيها ستجدني واثقة من أمر واحد: لم ألعب شخصيتين متشابهتين مطلقاً. كل واحدة كانت نطاقاً مختلفاً عن الاخرى. و"فتاة مقاطعة" مختلف عن كل الأفلام الأخرى. الخشية كانت فيه من أن أفتعل في لحظة لا أقوى فيها على مواصلة تشخيص الدور أدت شخصية فتاة مريضة عصبياً وذات لحظات عنف. كان عليّ أن أعيش الحال بصفة مستمرة. طبعاً دور أصعب من دوري في "اختفى في ستين ثانية". ذلك كان عادياً وبسيطاً بالمقارنة. قواسم مشتركة هناك ملامح مشتركة بين أفلامك. في "فتاة مقاطعة" و"اختفى في ستين ثانية" و"لارا كروفت"، كما في "خطيئة أساسية" و"جامع العظام" توازن بين العطاء البدني: قفز، ركض، ثورة عصبية الخ... وبين الأنثوية، خصوصاً في "لارا كروفت" إذ أنت الضاربة والمغامرة التي تجيد فنون قتال مختلفة، وفي الوقت ذاته الأنثى الممشوقة والجذابة. هل ترين ما أعنيه؟ - نعم. هذا صحيح. انها شخصيات تجمع بين العدائية والأنثوية. هل هي شخصيات سهلة بالنسبة إليك ؟ هل الأسهل تقديم التعبير الجسدي والتمارين البدنية المختلفة على الحس الأنثوي الطبيعي؟ - ليست شخصيات سهلة، لكنني اعتقد أن لدي الاستعداد والطاقة لتمثيلها. لكنني أنثى أولاً ... أحب أن أقول ذلك عن نفسي وأن ينظر الناس إليّ على هذا الأساس. اظن أنني أقرب الى دوري في "خطيئة أساسية" من دون الخطيئة، منه الى دوري في "لارا كروفت"، لكن "لارا كروفت" أكثر جاذبية إليّ. أكثر تجارية ايضاً ما يجعلني متحمسة لإعادة الكرة ومواصلة التمارين البدنية على قسوتها... وزيادة الوزن. - طبعاً. كنت خسرت وزناً كبيراً قبل تمثيلي هذا الفيلم. لكن لارا كروفت لم تكن شخصية نحيفة. كان علي أن أعيد تكوين ملامح جسدي ... أربّي عضلاتي ... كان أمراً منهكاً. في "لارا كروفت" ايضاً لا تقبّلين أحداً وليست هناك مواقف عاطفية على الإطلاق ... لكن المشاهدين اعتبروك ممثلة شهوانية. كيف ذلك؟ - في قصص "الكوميكس" حيث تم استلهام الشخصية هي كذلك. فتاة متحررة وجذابة عاطفياً لكنها ايضاً وحيدة وليس لديها صديق. تحدثت عن تأثير والدك وهو أمر مفهوم، لكن هل يعني ذلك أن لا تأثير متبادلاً بينك وبين زوجك بيلي بوب ثورنتون الذي هو ممثل أكبر سناً ومخرج أثبت كفايته؟ - بيلي من الناس الذين يشاركون الآخرين من دون قيد. اذا جلست معه وقرأت له نصاً ما يندفع الى تقديم خبرته من دون سؤال. انه معي دائماً في هذا المجال. في حياتنا وجدنا أن لدينا الكثير من الاهتمامات المشتركة وأننا نستطيع تطوير اهتمامات أخرى تقوي هذه الصلة بيننا. لكنه لم يزرك في لندن حيث تم التصوير... - زارني مرة واحدة. كانت هذه المرة الأولى التي يزور فيها اوروبا. كنت أعتقد أنه يخاف الطيران. - لا يخاف الطيران لكنه يرفض ألا يكون في القيادة. لو كان يعرف كيف يقود الطائرة للف العالم بها تضحك. يحب أن يكون في موقع القيادة وأعتقد أنه كان سعيداً جداً بزيارته للندن وشاهدنا معاً بعض المشاهد المصوّرة. هل شاهدها معك لكي يعطيك رأياً فنياً؟ - لا. دعوته لذلك حتى يعرف ما الذي كنت أقوم به. هل زارك خلال تصوير "خطيئة أساسية"؟ - لا. هل من سبب لذلك؟ - نعم. كان مشغولاً بفيلم مع بروس ويليس "عصابات". لكن زيارته لذلك الفيلم لو تمّت كانت ستكون حسّاسة ... أليس كذلك؟ أقصد أن فيه مشاهد جنسية... - مقاطعة بيلي بوب يعلم أنه كان سيرحب به في كل الأحوال. المشاهد التي تتحدث عنها هي تقنية وتوظيفية. ليست نتيجة علاقات. وكانت مشكلة في حد ذاتها لأن المخرج والسيناريو طلباها لكنني وبطل الفيلم انطونيو بانديراس كنا حذرين منها لأننا لا نريد أن نلهي المشاهد عن متابعة صلب القصة. اعتقد أن هذا ما أنقذ الفيلم وأن غاية المخرج مايكل كريستوفر كانت ايضاً توظيف تلك المشاهد وعدم جعلها عقبة في سياق الفيلم. تجارب الممثل انت ممثلة جادة ومعظم أدوارك السابقة تفيد ذلك، هل تخشين أن يؤدي فيلم مثل "خطيئة أساسية" او مثل "لارا كروفت" - كل على نحوه الخاص - الى دحض هذه الفكرة؟ - أعتقد أن هناك مخاطرة بالطبع. قيل لي سابقاً أنه اذا ربحت جائزة ما فعليك أن تختاري ادوارك بما يتناسب والمستوى الذي حققته او الجائزة التي نلتها. لكن هذا هو أخطر شيء يمكن ممثلاً أن يفعله. لماذا؟ - الخطر هو أن يقع الممثل في إطار هذا التصنيف ... كما لو كان يقول لنفسه وللآخرين: انا ممثل جوائز فقط وأدواري كلها عليها أن تحسب على هذا النطاق. كممثل يجب أن تكون منفتحاً على كل التجارب وكل الأدوار. لا أعتبر أن هناك أفلاماً أقل قيمة من أفلام أخرى لكونها جماهيرية أكثر. لا أعتقد أن دوري في "لارا كروفت" كان بالإمكان تمثيله من دون تمثيل جاد. كيف لا تقبل جدياً دوراً يتطلب منك كل هذا الجهد. لكنه ليس دوراً نفسياً، عميقاً، تحليلياً، ليس... - ليس ليف أولمن في فيلم لإنغمار برغمان ... أعرف هذا. لكن الجدية ليست حكراً على النوع الفني وحده. هل تعتبرين والدك خير برهان على ذلك؟ - نعم ... وغيره. ما هو أفضل فيلم شاهدته لوالدك إذاً؟ - اعجبني في "مدنايت كاوبوي" كثيراً، لكنني أحبه ايضاً في "خلاص" و"العودة للوطن". جولي ذات الرسالة من أجل تصوير "لارا كروفت" زرت بلداناً في جنوب شرقي آسيا. وهذا قبل احداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر الماضي، كذلك عيّنت سفيرة للأعمال الإنسانية من الأممالمتحدة ... كيف تنظرين الى هذا كله؟ - حينما زرت كمبوديا اكتشفت أننا لا نعلم شيئاً عن تاريخ الشعوب الأخرى وثقافاتها. قليلون منا الذين يجدون الوقت او الاهتمام لقراءة تاريخ بلد حتى ولو كانوا كثيري الترداد اليه. هناك فوجئت بثراء البيئة الإجتماعية والثقافية. وبالتدريج فهمت العالم الذي اعيش فيه وكم تغيّر عما كان عليه. أدركت مثلاً مشكلة وجود ألغام كثيرة في كمبوديا وغيرها لا تزال مزروعة وتشكل تهديداً للأطفال. حينما عدت الى انكلترا بدأت ارى العالم بعينين مختلفتين قليلاً وجهدت في سبيل أن اواصل معرفتي بالعالم الذي أعيشه. كنت أعيشه من دون محاولة تواصل مع مشكلاته. الأمر اختلف بعد ذلك. تلك الزيارة حوّلتني وغيرتني ... الآن أسعى لأن أعلم شيئاً عن الوضع في كل مكان. هل تجدين ذلك مؤثراً الى حد أنك لا تستطيعين العودة الى ما كنت عليه؟ - لا أعتقد. بالأمس ذهبت وزوجي لشراء سرر جديدة للبيت، وجدت نفسي سعيدة بمزاولة نشاط عادي جداً تقوم به اي امرأة. سعادتي نفسها حين كنت أقف على حافة نهر او أطعم التماسيح او اركب الفيلة في كمبوديا. اعتقد أن واحدة من القيم المهمة للممثل هي أن الفرص تتوالى أمامه لمعرفة العالم الذي يعيش فيه أكثر من غيره. - هذا صحيح. لكن في الوقت ذاته نعيش عصراً من السهل جداً أن نتابع فيه ما يدور حولنا. لكن معظمنا لا يفعل. لا يستطيع الجميع أن يكونوا ممثلين تضحك. في الوقت الذي يجد الممثل نفسه يتبادل المواقع بين ادوار تمنحه مثل هذه الفرص وأخرى تحجبها عنه. أنتقل الى ناحية كدت أنساها: فيلم "لارا كروفت" يبرهن أكثر من غيره على نجاحك عالمياً ... هل توافقين على أنك للمرة الأولى نجمة في اميركا وفي خارجها ايضاً؟ - انا محظوظة جداً، لكنني لا أريد أن أبدو أمام قرائك وكأن النجاح أوصلني الى حال من التباهي. انا سعيدة بما استطعت تحقيقه ولا أمانع في المزيد، وأرجو أن أوظفه لخدمتي وألا ينقلب عليّ. كذلك بت نوعاً من النموذج لجيل من الفتيات الناشئات بحسب بعض المجلات. هل هناك من مسؤولية ما تشعرين بها تجاه هذا الوضع؟ - أولاً أنا سعيدة جداً إذ أصبحت نموذجاً. اعتقد أنني في الوقت ذاته امرأة رقيقة وناعمة وليس لدي ما أخفيه، وهذا يساعد ايضاً على منح ذلك النموذج مقداراً من الصدق نحن بحاجة اليه. أشعر حين الحديث مع البعض أنه يخفي ما يريد قوله وأريد أن أمد يدي وأسحب من داخل عقله ما كان يفكر به وأعرضه للعلن. واجهتك مصاعب مع الناس والصحافة ... تلك الشائعات عن علاقات عاطفية شاذة... - لا تدرك مدى الألم الذي شعرت به. دفعني كل ذلك الى قطع علاقتي ببعض أقرب الناس إليّ. لكن هذا أصبح في الماضي ولا أريد الرجوع اليه. انا الآن في موقع جديد، وتسألني عن المسؤولية اعتقد هي مزدوجة ... نعم انا مسؤولة لكن على الصحافة أن تكون مسؤولة ايضاً.