كانت البرامج التلفزيونية المنوعة، ولا تزال، موضوعاً لكثير من النقاد الذين تتراوح وجهات نظرهم بين مؤيد ورافض، على خلفية التوجهات الترفيهية لهذه البرامج التي تدأب الفضائيات العربية على بثها بزخم ملحوظ. ويمكن تلمس الجانب الترفيهي من خلال الموجات الأخيرة من البرامج التي لاحقها المشاهد العربي هنا وهناك محاولاً إزالة السأم الكبير الذي كان يعانيه قبل انطلاقة الفضائيات العربية بزخمها الراهن وانتشار الأطباق اللاقطة. وإذا كانت البرامج التقليدية لم تعد قادرة على الاستقطاب بالقوة نفسها التي كانت قبل سنوات فإن موسم الانتاج الرمضاني قلب الكثير من المعطيات ووضعها في ميزان جديد. وبدأت الفضائيات العربية في البحث عن انماط جديدة من البرامج الرمضانية غير الاعتيادية لتقديم شيء جديد على صعيد ما هو جوهري في الاسلام يقوم على التسامح والمحبة والتضحية والاثرة والاخلاق العالية التي تحلى بها المسلمون الأوائل. والذي حصل هو ان انطلاقة جديدة حصلت مع الاعداد البرنامجي لشهر رمضان، حيث صورت مجموعة برامج من هذا النمط تلبي الهدف المشهود، وقد اعتمدت هذه البرامج على كادر سوري من الفنانين والفنيين على رغم كون الشركة المنتجة لبنانية وهي شركة "الإيمان". ومن بين النجوم المشاركين في هذه البرامج: عبدالرحمن ابو القاسم، زيناتي قدسية، ثراء دبسي، المطرب عماد رامي والمنشد حسن الملا ومجموعة من الفنيين من بينهم مدير التصوير محمود سنوبر، ومدير الاضاءة فراس هروش والصوت مظهر دلول والديكور الفنان التشكيلي بسام أبو عياش. وقاد المخرج عدنان حجازي طاقم العمل هذا بصحبة مجموعة باحثين تراثيين وإسلاميين وتلفزيونيين أمثال الدكتور محمد حسن الجمصي ورئيس مركز الدراسات الاسلامية في سورية والدكتور محمد الحبش والشيخ الدكتور راتب النابلسي اضافة الى الشاعرين مصطفى عكرمة وأنور وردة. وتتناول البرامج الجديدة ثلاثة أنواع من التوجهات: الأولى وتتعلق بالنجاوى الدينية وتم التركيز فيها على نوعية من النجاوى هادفة لها علاقة بالقيم الاجتماعية والأخلاقية والسلوك اليومي كالتبذير وهدر الماء والحفاظ على البيئة والتعبد وغيرها، وقد استنبطت اجواء ومعطيات هذه العناوين من القرآن الكريم والحديث النبوي، واجتهادات المسلمين العارفين. التوجه الثاني يتعلق بالتفسير والتجويد مع استخدام وسائل الإيضاح ضمن توليفة فنية خاصة بمثل هذا النوع من البرامج. أما النمط الثالث، فهو النمط الأبرز والجديد فعلاً من خلال التعاطي مع التراث الاسلامي ومعالجته ضمن منظومة الحديث النبوي ونصوص القرآن الكريم. وبرع الفنان عبدالرحمن أبو القاسم في سرد الحكايات التراثية التي تدعم النصوص الشعرية والحكم الواردة فيه. وجاءت عناوين الدفعة الأولى من البرامج المذكورة لتعكس مثل هذا التوجه، وهي: "في رياض القرآن" و"نجاوى الروح" و"حكم انبتتها الأرض والسماء". واعتمد المخرج على اجواء تصوير محددة بعناية من خلال التركيز على الطبيعة الحرة من جهة، ومن خلال الديكور من جهة ثانية، وجرت عمليات تصوير خارجية واسعة للبيئة السورية وأزهارها ووردها ومائها، كما جرى تصوير اجواء دينية مأخوذة من المساجد والمآذن بأنماطها المعمارية القديمة والجديدة، ويمكن مشاهدة طرز معمارية حديثة وأخرى قديمة لتغطية الاجواء التي يتطلبها كل برنامج، في داخل المساجد وخارجها، في الصلاة والتعبد والدعاء، ومن خلال لقطات عفوية او مدروسة للأشخاص والأشياء في الطبيعة من حولنا. هذا النمط من البرامج، يعد خطوة مهمة في التعاطي مع المناسبات الدينية التي تتحرج الفضائيات كثيراً في الاعتماد فيها على برامج منوعة قد لا تناسب شهر رمضان.