عانى المخرج باسل الخطيب قبل فترة ايقاف الرقابة لمسلسله "نداء المتوسط"، الذي كان من المحال متابعة انتاجه بسبب التباس بعض الافكار السياسية المتداولة حالياً في سورية فيه، على رغم انه يتحدث عن حقبة قديمة تخص مملكة أوغاريت. وكان الخطيب عانى مع مسلسله "الطويبي" الذي تناول مرحلة الاحتلال الفرنسي. مع ذلك لم يؤثر ما حدث على مشروع الخطيب الاخراجي، اذ قام باخراج فيلم "الرسالة الأخيرة" في الوقت الذي كان يحضر فيه لانجاز "ذي قار". وهو اليوم بعد انجازه العملين يستعد للبدء بمسلسل جديد يتحدث ايضاً عن فترة الاحتلال الفرنسي لسورية. وفي انتظار ذلك انجز الخطيب فيلماً سينمائياً قصيراً عن الانتفاضة في الارض المحتلة عنوانه "الحركة الخامسة". تحدث الخطيب عن هذا الفيلم يقول: "جاء مشروع هذا الفيلم بعد الانتهاء مباشرة من العمليات الفنية لمسلسل "ذي قار"، وكان مشروعاً مباغتاً لبرنامج عمل كنت اعددته لنفسي. والأمر الذي حسم الموضوع بتبنّي هذا الفيلم علاقته بالانتفاضة، علماً انني بعد قراءتي لفكرته حضرتني مجموعة من الملاحظات والاقتراحات مع مؤلفة السيناريو دلع الرحبي، وتوصلنا ما ان ناقشناها الى صيغة افضل للعمل. لقد بقيت ثلاثة ايام اقلب الموضوع من نواحيه كافة، لأنني لم اكن حسمت قراري بانجاز العمل، فالأحداث التي نتابعها يومياً كبيرة جداً، وهي اعقد وأعمق من ان يطرحها فيلم روائي طويل فكيف مع فيلم قصير مدته عشر دقائق". علاقة ما يحاول الفيلم عبر حكاية بسيطة ان يطرح سؤالاً عن علاقة الانسان العربي بالانتفاضة من خلال شاشات التلفزيون. والتصور الاول للسيناريو هو ان هناك ما يشبه الحكم النهائي على الناس الذين يرمز اليهم في الفيلم من خلال شخصيتي الأم والأب. اذ شيئاً فشيئاً تبدأ علاقتهما بالانتفاضة تصبح حيادية وغير مبالية الى أن يتدخل الابن الصغير بكل ما يحمل من معاني ومفاهيم الطفولة، فيتخذ ضد والديه موقفاً شبه عدائي، بسبب حياديتهما. الآن في التصور الجديد للفيلم لا توجد ادانة لأي انسان ولا توجد احكام مطلقة، فالفيلم محاولة لطرح سؤال عن الاسباب والاشخاص الذين تسببوا في ان تصبح علاقة الناس العاديين بالانتفاضة تنحو الى اللامبالاة وعدم الاكتراث. "في الصيغة النهائية حاولت، يقول باسل الخطيب، تكريس العلاقة بين الطفل ووالده، من دون ان اجعل اي نوع من القطيعة بينهما. الطفل في نهاية الفيلم هو الذي يحرض المشاعر لدى والديه بطريقة غير مباشرة. انني حتى الأمس كنت اشعر بالقلق لأن الاحساس بالمسؤولية تجاه عمل عن الانتفاضة يوازي بالتأكيد الاحساس تجاه عشرة مسلسلات. وعندما كنت اتابع الفيلم لالقاء نظرة شبه اخيرة عليه، والفيلم صامت طبعاً، طرح ابني وهو طفل في السادسة من عمره، سؤالين جوهريين اولهما عن غرابة موقف الأب والأم من من اخبار الانتفاضة، وثانيهما لماذا لم يعودا مهتمين بها؟ الاجابة معقدة تبدأ بالهموم الصغيرة التي يمر بها الانسان العربي ولا تنتهي بالسياسات الاعلامية العربية التي كرست أخبار الانتفاضة نوعاً من الخبر اليومي الروتيني. بقي ان اقول ان الفيلم يحمل عنوان "الحركة الخامسة"، وهو من بطولة سلوم حداد وصباح الجزائري والطفل نوار ايمن زيدان". أما عن مسلسله "ذي قار"، الذي عرض على الشاشات العربية خلال رمضان فتحدث الخطيب قائلاً: "اثناء التحضير ل"ذي قار" كان اكثر ما اثار دهشتي هو الجهل باسم "ذي قار"، سواء على مستوى الشباب من جيل اليوم، او مستوى مديري بعض المحطات الفضائية العربية. الحقيقة التاريخية التي لا لبس فيها ان معركة "ذي قار" شكلت نقطة تحوّل في التاريخ العربي، حيث انه يمكن للمؤرخين الحديث عن ما قبل المعركة وما بعدها. لأن تلك المعركة جاءت في وقت كانت فيه القبائل العربية تعيش حالاً من التشتت والتشرذم، وجمعت تلك المعركة كل العرب في مواجهة الخطر الخارجي الذي تهددهم وتهدد كرامتهم. بالتالي نحن نتحدث عن قصة حقيقية وليس عن قصة مفترضة. حتى الرسول الكريم قال عن ذي قار: اليوم انصف العرب من العجم ونظروا...". "عندما تتناول مثل هذه الاعمال تكون مرتبطة باسقاطات معينة في ذهن صانعيها، وشأنها شأن اي عمل تاريخي، عرضة لما يمكن ان نسمبه بالاسقاطات المغرضة والشائعات الفنية، وهذا امر نعانيه في الدراما، العربية والسورية، تماماً كما عانيت هذا الامر في مسلسلين هما "الطويبي" و"نداء الموسط". كانت هناك محاولة لاضافة افكار ومقولات على العمل لم تكن موجودة. حاول البعض في ما يتعلق ب"ذي قار" اثارة حفيظة الرقابة لأن المسلسل "قد يسيء الى علاقتنا مع ايران"، باعتبار ان المعركة كانت مع الفرس. بالضبط مثلما حاولوا من قبل أن يثيروا حفيظة الرقامة مع مسلسل "ايام الغضب" خوفاً من تحسس الفرنسيين. تلك المحاولات لم تأت بنتيجة، لأن هذه الفترة من التاريخ الفارسي كانت فترة قاتلة. الايرانيون انفسهم لا يشعرون بالانتماء اليها بسبب انها كانت فترة قاتمة في تاريخهم، ساد حكم المجوس فيها. وبالعكس فهم يفتخرون بمثل هذه المعارك ك"ذي قار" و"القادسية" لأنها كانت السبب في دخولهم الاسلام. لا يجوز امام موقف الطرف الآخر المتفهم لجوهر الأمر ان نبقى نحن على هذه الشاكلة من ضيق الأفق. اذكر حين طلبت ادارة التلفزيون السوري ان نرسل نسخة من مسلسل "ايام الغضب" الى السفارة الفرنسية ان المعنيين في السفارة راقبوا المسلسل وكان تعليقهم الوحيد بأن هذا تاريخكم وأنتم احرار به". والمخرج باسل الخطيب يستعد حالياً لانجاز عمل جديد مع شركة الشرق بالتعاون مع الفنان ايمن زيدان الذي يترأس ادارة هذه الشركة. هذا العمل هو مسلسل كتبه احمد عوض ويُحضَّر له حالياً. يقول باسل الخطيب عن العمل: "هو محاولة لالقاء نظرة جديدة على العلاقة التي يمكن ان تقوم بين صاحب الارض والحق، وبين المحتال الذي يتحكم بقوته وسلاحه في هذه الارض. تدور احداث المسلسل في سورية بين عامي 1925 و1946، اي اننا من جديد سنتحدث عن فترة الانتداب الفرنسي في سورية، وعن صيغة مختلفة للبطل الشعبي بعيداً من تلك التي كانت موجودة في مسلسل "ايام الغضب". والأهم في ذلك ان الشخصية الفرنسية ستكون ذات منحى مختلف، وأعتقد ان اهمية العمل لا تكمن في البطولات الخارقة التي نحاول قدر الامكان تجنبها في هذا العمل، لكن تكمن اكثر في هذا الحوار غير المباشر، الهادئ احياناً والعنيف احياناً بين طبيعتين انسانيتين مختلفتين، يجسد الاولى شخص صوري وتجسد الثانية امرأة فرنسية".