يا محلا السياسة بلندن الحلوة فتح الحزب أسهل من فتح قهوة هذا ما صدع به شاعر عراقي. انه تنفس الصعداء، وأمسك السياسة بيديه من أذنيها، وقادها الى مرفأ قلبه، واكتفى برفرة الفرح على مقربة منه. حين قرأت هذا، تذكرت قول الجواهري: يا أم عوف لقد هانت مطامحنا حتى لأدنى طماح عاد يكفينا نعم. هذا ما أفرزه العراق القتيل: طليعته المناضلة، المفكرة، الشماء... راحت تكتفي بأن تجلس القرفصاء، تحت ظلال لندن الوارفة. أي بؤس هذا؟! أي بؤس قاصم للظهر ان يعلن سعدي يوسف: أنه لم يشعر بوجوده الإنساني إلا في لندن، إذ كان ملاحقاً في كل قطر عربي يحل فيه؟! يمكن، بانزلاقة مثالية أن يدان موقف سعدي يوسف، حين نعتبر ان الحرية التي كان يحفر بأظافره الصخر بحثاً عنها، لا تعطى، بل تؤخذ، وهو يعرف هذا. ولكن من ناحية أخرى يقول الجواهري: أرح ركابك من أين ومن سفر كفاك جيلان محمولان على خطر والمسألة، بالنسبة لسعدي وأمثاله، ليست جيلين. انها عمر بكامله. ما يجعل الإنسان متشظياً هو ان الطليعة العراقية المثقفة، قد أصبحت هدفاً للسهام الجارحة، على رغم المعاناة الأيوبية التي عانوها، وما زالوا. أما الطليعة السياسية مناضلو الفنادق فهم في منأى عن كل ما قاله الجواهري في حياته كلها، في السياسة والسياسيين.