ما ان استيقظت حتى أدرت زرّ تشغيل الراديو. وكان صباحاً مختلفاً، اذ ابتدأ اول من ابتدأ بخمسة ملايين دولار! انه ثمن اية معلومة قد تؤدي الى الوصول الى "الرجل ذي البشرة الزيتوينة"، كماوصف مذيع صوت اميركا احد المطلوبين، وهو يقرأ ما اسماه "اعلان للخدمة العالمية العامة". فكّرت: تريد اميركا ان تجعلنا نحسّ - ندرك - نؤمن بأننا وإياها ذوو مصالح مشتركة، ويمكن "لتعاون" من هذا النوع بين احدنا وبينها ان يوصف بأنه "خدمة عامة"، وفوق ذلك "عالمية"! وتساءلت: هل يمكن لي ان اؤمن "بنا"؟ ان اتأكد من ان احداً يعرف الرجل الزيتوني ولا يؤمن بأهدافه، بل يقف بالضدّ منه تماماً. وقد يحارب هذا الرجل وامثاله بالسلاح، لكنه لا يذهب ليدلّ اميركا عليه حتى مقابل اضعاف هذا المبلغ؟ واجبت نفسي: نعم… انا لا افعل، ولن افعل. وسألت نفسي: لماذا؟ هل فقط لأن الوشاية سلوك حقير. ام انني اعتبره موقفاً سياسياً وفكرياً صحيحاً؟ وهل انا اكره اميركا، واعتبر ذلك موقفاً مبدئياً صحيحاً؟ وانا اقول "اميركا" اختصاراً وتجنباً للاستدراكات. وعلى اية حال فان الاميركان افاقوا بعد احداث ايلول على ضرورة التساؤل: "لماذا يكرهوننا؟" ادركت اني لا اعرف اميركا. وان ما اعرفه يعطيني صورة غير التي تتكشف لي كلما مرّ الزمن وازدادت خبراتنا بنا عبر الاحتكاكات الخادشة الجارحة المدمية، التي تتركنا على الدوام في قلق واضطراب ورُهاب وفصام، وشتى انواع الاضطرابات المضنية الناشئة عن استحالة ادراك ما هو غير قابل للادراك، واعني به هذا الكيان من القوة المهلكة: اميركا! اتساءل: الا يجدر بنا ان نتعرف على اميركا "منذ الآن" بدلاً من البحث العبثي عن اسباب استحالة فهمنا وادراكنا لها على مر الزمان!؟ قررت ان اتعرف، بجهدي الخاص، على اميركا اعتباراً من انهيارها امام ضربة واحدة. اميركا التي تنزلق على قشرة موز الى منتدى العالم الثالث. تهرع اميركا لتشن حرباً عالمية، لو نظرنا الى نواتها لوجدناها حرباً عشائرية هدفها الاساس الانتقام من اجل ردّ الاعتبار. وعلى الفور تشنّ حرباً داخلية على غرار ما يجري في دول العالم الثالث، من اجل رصّ الصفوف وتطهيرها، و"حشد الطاقات من اجل تحقيق النصر"! ولكي ترصّ الصفوف جيداً، لا بأس ببعض العمليات المدروسة التي تضع الجميع في وضع من الاضطراب الكافي للتغاضي عن اجراءات وقوانين تغيّر وجه الحياة الاميركية: تشديد اجراءات الهجرة/ مراقبة الهواتف/ اعتراض البريد الالكتروني/ احتجاز الافراد من دون توجيه الاتهامات/ تشديد المراقبة على حركة الاموال/ توسيع اتاحة المعلومات لوكالة المخابرات. ولنلاحظ ايضاً وضع الاعلام في "خدمة المعركة". بل تجاوز ذلك الى إعلام دول اخرى. فللمرة الاولى في تاريخ العوالم الثلاثة تطلب دولة من العالم الاول من دول العالم الثالث الامتناع عن تغطية موضع يمسّ أمنها، فترد الدولة، او بالاحرى المؤسسة الاعلامية في الدولة "الثالثة"، بأنها لن تضحي باعتبارات ضرورات العمل الاعلامي من اجل اهداف سياسية! وقد سمعت بشكل عابر حديثاً حول السماح بالتعذيب للحصول على المعلومات من متهمين يرفضون التعاون. ولعل المقصود بذلك تشريع استخدام التعذيب. لكنني متأكدة من ان الرئيس الاميركي قد علّق على مقتل اول جنديين في افغانستان بقوله: ان دماءهما لن تذهب "سدى". ولعله سيأمر بنظم اناشيد حول هذه المقولة. كما انني متأكدة من انه علّق على اوائل حملة الانثراكس بقوله ان الشيطان يفتح ابواب الشر على اميركا، او يواصل فتح ابواب الشر عليها! وقد اعجبني جداً في تعليقات اذاعة صوت اميركا أن يستشهد المذيع دائماً بأقوال الرئيس بعبارة: "وكما قال الرئيس بوش…". يمدّ المسؤولون الاميركيون والبريطانيون آماد الحرب من شهور الى عامين… الى خمسة… الى خمسين حيث قال احدهم انها ستشبه الحرب الباردة. وتحت ظرف حالة طوارئ تمتد الى هذا القدر من الزمان، لا بد للرئيس ان يطبع الحياة بطابعه، وهو طابع جديد على الحياة الاميركية. ولعله بعد ان يقطف الولاية الثانية بنسبة تفوق ال99 في المئة، سيعمد الى ولاية ثالثة. ولمَ لا يفكر بالرابعة ليُنتَخب في نهايتها رئيساً مدى الحياة. واهلاً بكم في المنتدى!