حتى الآن، يدين العرب دولاً وشارعاً بالشكر للولايات المتحدة لاعفائها إياهم من الاحراج القاتل لو وجهت آلتها العسكرية الى العراق. وكان في وسع وزراء خارجية الدول الاسلامية امس توجيه امتنان خاص الى كوندوليزا رايس لأن بغداد اختفت موقتاً عن شاشة الاهداف في مكتب الامن القومي، بعدما امسكت الآنسة عصا الضربة من الوسط مرجحة التروي، ولو ان صقور الادارة ممثلين برامسفيلد - وولفيتز تواقون الى انجاز مهمة وقفت منذ 1990 عند تخوم اسقاط نظام صدام. يستطيع المتحمسون لبقاء الوضع السائد في العراق الاطمئنان حالياً. فها هي عقدة لسان الأمين العام للأمم المتحدة تنحل ليعلن قبيل تسلمه جائزة نوبل ان ليس من الحكمة بعد افغانستان ان يُضرب العراق. اذ ان انان، المتهم بالسير في ذيل السياسة الاميركية، يرى وجوب عدم توسيع الحملة على الارهاب من دون نظر مجلس الامن في الامر. وها هو ديك تشيني الذي يحمل ثأراً ضد العراق منذ "عاصفة الصحراء" يؤكد ان اميركا لم تتخذ بعد قرارها في شأنه لكنها مصرة على عودة المفتشين والتأكد من نزع الاسلحة. وفي الواقع، فإن التضامن الواسع الذي حظيت به واشنطن، حتى من قِبل المتحفظين عن سياساتها، مرده الى اعتبار اعتداءات 11 سبتمبر حرباً بدأت على الارض الاميركية اولاً، وافتقادها اي تبرير ديني او سياسي او انساني. في حين ان العراق صاحب ملف سابق ولم يثبت تورطه مع تنظيم "القاعدة" قبل ثلاثة اشهر. ولا نجحت محاولات ربطه بتفجير مركز التجارة نفسه في 1993، ولا يبدو ان الجمرة الخبيثة مصدرها بلاد الرافدين. اما عودة المفتشين فمطلب لا يستحق حرباً شاملة ولو ان بوش ارفقه بتهديد جدي وكأنه يعد بتعويض نكسات السيدة اولبرايت وادارتي كلينتون في الملف العراقي. ليست التناقضات داخل الادارة الاميركية وحدها سبباً لتأجيل ضرب العراق. فرفع بعض الدول العربية الصوت برفض استهدافه كان له وقع ما في واشنطن على رغم انه ليس العنصر الحاسم. وبين المسؤولين الاميركيين من يستطيع بعد 11 سبتمبر التقليل من اهمية هذا الصوت، لكنه لا يستطيع تجاهل ان ليس في العراق معارضة تشبه "تحالف الشمال" الافغاني يمكن الاعتماد عليها لتكون الوقود البشري في عملية قلب النظام، ناهيك عن تشتت هذه المعارضة وامتلاكها برامج مختلفة وارتباطاتها الاقليمية المعقدة. واذا كانت الادارة سعيدة بالتعاون مع ايران منذ بدأت الحرب فإنها تدرك جدية معارضتها ضرب العراق. وهي ايضاً حريصة على عدم اغضاب حليفتها تركيا وتتفهم معارضتها الشديدة. فكيف اذا ترافق ذلك مع عدم اقتناع روسي ورفض الاوروبيين توقيع شيك على بياض لواشنطن لتشن حروباً أنّى شاءت. واضح ان المعركة ضد صدام تبدو اقل اقناعاً من المعركة ضد بن لادن، حتى ولو تشارك الشخصان صفات كثيرة وتسبب كلاهما بأضرار بالغة لصورة العرب والمسلمين وباساءة كبرى الى القضية الفلسطينية بحجة الدفاع المستميت عنها. وضرب العراق في الوقت الحاضر لا يمكن ان يمر بسهولة لأنه يترافق مع محاولة شارون الافادة من تداعيات 11 سبتمبر لتصفية حسابه، ليس مع الانتفاضة فقط، بل مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية برمتها في ظل عجز عربي وإسلامي شامل. وفي هذه الضربة سيجد العاجزون فعلاً عن مساعدة الانتفاضة بأي شيء غير التصريحات الجوفاء ضالتهم بالتضامن مع بدل عن ضائع هو نظام صدام. لا غرابة لو استفقنا يوماً لنجد صدام يقدم الفرصة للأميركيين لشن حرب على العراق. فهو فعلها سابقاً. وهنا سترتكب واشنطن خطأ فادحاً لو طاوعته لأنها قد تجد نفسها معزولة في حرب عجز مشروعها حتى الآن عن استدرار عطف الروس والاوروبيين والدول الاقليمية المجاورة، وسيعارضها العرب حتماً.