ثمة مواضيع يستحق كل منها تعليقات عدة، غير ان بعضها يضيع وسط زحام الأخبار. الاقتصاد الاسرائىلي لا يلقى الاهتمام الذي يستحق في وسائل الاعلام العربية، مع ان اخباره في اسرائيل هذه الايام تسبق كل خبر آخر، بما في ذلك وصول المبعوثَيْن الأميركيَيْن الجنرال انتوني زيني ومساعد وزير الخارجية وليام بيرنز. زيني وبيرنز يتنقلان في طائرة خاصة، وهما لو وصلا الى مطار تل أبيب لاستقبلا باضراب، ولو حاولا الخروج منه لانتظرا ساعات او اياماً، فهناك اضرابات في اسرائىل تكاد تعطل مرافق الحياة العامة، حتى ان رئىس الوزراء آرييل شارون اعلن حالة طوارئ اقتصادية، فيما هدد وزير المالية سيلفان شالوم بالاستقالة اذا لم تقرّ الميزانية العامة للسنة القادمة. قرأت على هامش الضجة الاقتصادية ان وزارة المالية خفضت توقعات نمو الاقتصاد الاسرائىلي السنة القادمة من اربعة في المئة الى 5،1 في المئة. غير ان خبراء سخروا من الرقم الأخير هذا وتوقعوا ان يكون النمو سلبياً وبمعدل انكماش اثنين في المئة. والمشكلة الأخطر هي زيادة معدلات البطالة، فعندما كان الاقتصاد الاسرائىلي مزدهراً كان يوفر عشرة آلاف وظيفة جديدة في الشهر، غير انه في الاشهر الثلاثة، تموز وآب وأيلول يوليو وأغسطس وسبتمبر، وفّر 30 ألف وظيفة وخسر 30 ألف وظيفة، والحكومة تقول ان البطالة 3،9 في المئة، وهو رقم غير صحيح، فكل من يعمل ولو ساعة في الاسبوع يرفع من قوائم العاطلين عن العمل. وهناك الآن 635 ألف رجل وامرأة يعملون عملاً جزئياً، وهم يمثلون ربع القوة العاملة. والوضع سيسوء السنة القادمة. فالخبراء يتوقعون ان يرتفع معدل البطالة الى 5،12 في المئة، وليتجاوز عدد العاطلين عن العمل 300 ألف رجل وامرأة، وفي الوقت نفسه يتوقع الخبراء الاسرائىليون هبوط الصادرات بين 10 في المئة و13 في المئة، ما يعني خسارة تزيد على 5،2 بليون دولار في السنة. انتفاضة الأقصى هي السبب الاول لسقوط الاقتصاد الاسرائىلي، والانكماش الاقتصادي العالمي هو السبب الثاني. وقد تدهور الوضع بسرعة بعد الارهاب في نيويورك وواشنطن، وأصبح شارون يتحدث عن حالة طوارئ اقتصادية. قبل ان يفرح القارئ العربي بمشاكل اسرائىل الاقتصادية اقول له ان الميزانية المقترحة لسنة 2002 تبلغ 8،254 بليون شيقل، او حوالى 24 بليون دولار، وهو رقم يزيد على مجموع ميزانيات الدول العربية المحيطة باسرائىل، اي ان ميزانية خمسة ملايين اسرائىلي هناك مليون اسرائىلي مسافر باستمرار اكبر من ميزانية مئة مليون عربي، كما انها اكبر من اي ميزانية عربية مفردة لأي بلد. ودخل الفرد في اسرائىل هو من مستوى اوروبي غربي، فهو اعلى من اسبانيا والبرتغال، ويقترب من ايطاليا وبريطانيا. واذا حاولنا "تدويره" عند 17 ألف دولار في السنة، فإننا نقارنه بعد ذلك بأعلى دخل عربي غير نفطي وهو في لبنان، ولا يتجاوز 3300 دولار في السنة. هذا هو التقصير العربي الحقيقي في وجه اسرائىل. وأنتقل الى موضوع آخر برز من بين زحام "بنات الدهر"، كما قال المتنبي، او مصائبه، هو القضية المرفوعة على مجرم الحرب شارون في بلجيكا، والتي فرخت قضايا اخرى ضد آخرين من عصابة القتلة التي تحكم اسرائىل... وتمثلها خير تمثيل. اليوم تقرر محكمة في بلجيكا ان كانت ستمضي في القضية المرفوعة على شارون بسبب مجزرة صبرا وشاتيلا. وفي حين ان ثمة ضغوطاً من مصادر كثيرة لاسقاط الدعوى، فإن قضايا اخرى مماثلة في طريقها الى القضاء في بلجيكا، حيث الدستور يعتبر ان قضايا ابادة الجنس لا تحكمها الحدود الدولية. وهكذا فبالاضافة الى شارون يواجه قضايا في بلجيكا، بتهمة ابادة الجنس في قطاع غزة، وزير الدفاع بنيامين بن أليعيزر، و12 عسكرياً كبيراً بينهم رئىس الاركان شاؤول موفاز. وتتهم محامية الاطفال الفلسطينيين الاسرائىليين بجرائم حرب وابادة جنس، وجرائم ضد الانسانية. وهي تستند على قانون أقر سنة 1993 وعدل سنة 1999، فأصبح يطاول مثل هذه الجرائم في اي بلد، حتى لو كان الضحايا من غير مواطني بلجيكا. وضاق المجال فأنتقل بسرعة الى تهديد الرئىس بوش العراق. الرئىس الاميركي قال ان من يؤوي ارهابياً فهو ارهابي، ومن يمول ارهابياً فهو ارهابي، وهذا كلام منطقي، بالنظر الى ما تعرضت له الولاياتالمتحدة من ارهاب، غير انه عندما تحدث عن العراق لم يتهمه بشيء من هذا، وانما هدده اذا لم يقبل دخول مفتشي الأممالمتحدة للتأكد من ان العراق لا ينتج اسلحة دمار شامل، وكلامه بالتالي مشمول بقرارات دولية معروفة. كلنا يطالب بأن يمتثل العراق الى قرارات الشرعية الدولية، غير ان هذه القرارات لم تعين الولاياتالمتحدة شرطياً لتنفيذها. واذا كانت الولاياتالمتحدة تريد لعب دور الشرطي فإنها ستثبت موضوعيتها او حيادها بمطالبة اسرائىل بتنفيذ قرارات دولية سبقت قرارات العراق بحوالى 700 قرار. الولاياتالمتحدة لا تطالب اسرائىل بتنفيذ القرارات الدولية، وانما تبيعنا كلاماً ناعماً، وهي تزود اسرائىل بالمال والسلاح، وتحميها بالفيتو في مجلس الأمن، لتصبح شريكتها في الجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين، ولتمكنها من الاستمرار في احتلال اراضٍ عربية. والمطلوب من الرئىس بوش ان يرى الخشبة في عينه، كما تقول التوراة، قبل ان يرى القشة في عين صدام حسين او غيره.