"تحيا مصر": بهذا الهتاف عنوَن رئيس مجلس ادارة وتحرير مجلة "روز اليوسف" المصرية، محمد عبدالمنعم، افتتاحية العدد الأخير 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري من المجلة، واختتمها به أيضاً. وفي مقابل صورته الفوتوغرافية، على الصفحة الثانية من الافتتاحية، وضع صورة أبو الهول، وكتب الى جانبها: "إصرار صامت على البقاء ومواجهة تحديات الزمن". وهذه الرؤى وافت عبدالمنعم فيما هو يقارن بين حال "التوتر العصبي والعسكري والاكتئاب" التي اصابت "دول الشمال المتقدم" اكثر من "دول الجنوب الفقير" نتيجة احداث 11 ايلول سبتمبر الماضي في نيويورك وواشنطن، وبين ما عاشته مصر "يوماً بيوم لسنوات طويلة" امتدت "اكثر من عشرين عاماً"، ف"لم ترتبك، ولم تتوتر، ولم تكتئب ... ووقفت وحدها"، فيما كان "الارهاب يمزق رداءها". لذا هتف رئىس التحرير مجدداً: "لك الله يا مصر"، لأنكِ تلقيتِ "مع ضربات الارهاب" وسهامه التي انهالت عليكِ "انتقادات وسفسطة واستهزاءات العالم المتقدم". وآنذاك "لم تفتح مصر فمها ... واكتفت بالصبر والصمت وسواعد الرجال الذين في بساطتهم وتواضعهم أعظم من الأجمعين". أما النتيجة التي يتوصل اليها كاتب افتتاحيات "روز اليوسف" الدائم، فهي: "سهام الارهاب ارتدّت الى مَنْ أطلقوها". وهذا - اضافة الى ما يطلقه من تشفٍ طفلي ولئيم في آن واحد - لا يعني ان تيارات الاسلام الأصولي وشبكاته في المجتمع المصري وغيره من المجتمعات العربية الاسلامية دخيلة على هذه المجتمعات، فحسب، بل ان الولاياتالمتحدة الاميركية وغيرها من الدول الغربية هي التي صنعت هذه التيارات والشبكات ورعتها وأطلقتها في مجتمعاتنا. لماذا؟! لأننا شعوب مسالمة وبسيطة ومتواضعة وفقيرة وأعظم من الأجمعين. لذا لا يجد اولئك "الأجمعون" غير التآمر علينا للنيل من عظمتنا. وإزاء هذه المؤامرات التي تُدبّر ضدنا "منذ نيف وثمانين عاماً" على ما أفتى أسامة بن لادن من مغارته السرية، ومنذ "فجر التاريخ" بحسب محمد عبدالمنعم في افتتاحيته المتدروشة والمتشفية، يدعونا كاتب هذه الافتتاحية الى ان نهتف معه: "تحيا مصر"، "لك الله يا مصر" و"يحيا الرئيس الربان الذي لم تهتز يده ولو لحظة واحدة فوق دفة القيادة". وكان الرئيس مبارك صرّح لصحيفة اسبانية قبيل ساعات من وصوله الى عاصمتها، على ما نقلت "الحياة" في 2 تشرين الثاني نوفمبر الجاري، بأن "المتطرفين يستفيدون من الديموقراطية، ولا يوجد ارهابي واحد في الأنظمة الديكتاتورية". هكذا يستطيع محمد عبدالمنعم، او غيره من رؤساء تحرير الصحف والمجلات المصرية، ان يهتف في افتتاحيته المقبلة: "تحيا الديكتاتورية"، أو "فلتسقط الديموقراطية" التي "صنعت الارهاب وصدّرته إلينا"، على ما يذكّرنا بأنه كتب عام 1987 في "الأهرام"، وليبشّرنا بأن النبوءة التي أطلقها آنذاك قد تحققت في 11 ايلول: "إن كل السهام التي صُوّبت نحونا ارتدّت الى من أطلقها". هذه المقتطفات ليست سوى عيّنة عابرة من السجع والهتافات اليومية التي من طينتها ومعدنها نصنع افكارنا وسياساتنا في كل وقت وحين.