اختصرت الصحون اللاقطة المسافات في الزمان والمكان وصارت مسبّباً ودواء لكثير من العلل النفسية والجسدية. وبدأت برامج "القنوات الحارة" تتسلل، وإن ببطء، الى بعض القنوات العربية. بداية ارسلت الصبايا ذوات الخصور النحيلة والجمال الصارخ ليعانقن المطرب والممثل مع كم لا بأس به من الإيحاءات. والآن بدأت القنوات العربية باستعارة أرائك القنوات المذكورة، ليس استكمالاً لديكورات استوديوهاتنا المتواضعة، وليس لإيجاد مكان مريح للمذيعة، بل لإضفاء المزيد من الإثارة على بعض برامج المسابقات التي لا يقدمها حتماً جورج قدراحي والتي لا بد لرفع حرارتها المنخفضة من مذيعة شقراء تحقق الترابط الذهني لدى المشاهد بين ما يراه في النهار مع زوجته وما يتابعه في الليل بعد نومها، وعلى بعض اعلانات المنتجات المفتقرة لمقومات السلعة الجيدة التي يتطلب تسويقها جهداً من ممثلة مشهورة، او مغمورة، تأخذ على عاتقها مهمة تحقيق نتائج مذهلة اعلامياً وتجارياً. فقد تتولى بنفسها الرد على هواتف المشتركين في مسابقة هدفها الترويج لسلع ثانوية. ويكفي المشاهد الواثق من نفسه ومن فرصته الضعيفة في ربح الجائزة ان يسمع صوت المذيعة الشقراء الدلوعة وتنهّدات الممثلة السمراء المشهورة، بينما يرتسم في ذهنه استرخاؤها وتمددها على أريكة الاستوديو لتردّ على اتصاله الهاتفي من هاتفها الشخصي وعيناها تفيضان اغراء وحناناً فتعوّضان المشاهد العربي المحروم عاطفياً وتنسيانه هموم اميركا والحرب الافغانية. وكانت الأريكة عنصراً اساسياً في الكثير من لوحات الفسيفساء القديمة وأعمال الفنانين الكبار لتخلد الجمال الأنثوي بصورة قد تبدو هادئة للوهلة الأولى، ولكنها مثيرة جداً حقيقة. والرسامون الكبار كانوا يختارون لبطلات لوحات الأريكة رداء شفافاً يظهر اكثر مما يخفي، وهو ما يتبعه الآن مخرجو القنوات المنوّعة مع مذيعة الربط التي تظهر بين دقائق وأخرى لتقدم فتاة جديدة من فتيات علب الليل ما اصبح على ما يبدو قطعة جديدة في استوديوهاتنا العربية. اختيار المذيعة اللبنانية رزان المغربي على محطة "ام بي سي" الفضائية تقديم حلقة من برنامجها الشهير في فراش غرفة النوم بحجة المرض أقام الدنيا ولم يقعدها، واتهمت بأنها تحاول اثارة الجمهور. ولكن التأييد الذي حصلت عليه رزان من جمهورها العريض شجّع على ما يبدو غيرها من المذيعات على اتباع الطريقة ذاتها فبدأوا بالأريكة لينتهوا بعد فترة في غرف النوم وبصورة اسرع مما نتصوّر. "المذيعة باربي" هو القالب الذي حرصت عليه الفضائيات العربية في برامجها المنوّعة والسياسية، بل حتى الاخبارية الجادة، واستغلال الجسد الانثوي بكامل طاقاته صار شعاراً للإذاعة والإعلان، ولم يعد بإمكان المشاهد التمييز ما بين مذيعة الاخبار الشقراء التي يمثل ظهورها الأنيق جداً تناقضاً كبيراً مع الحدث الأليم والجاد الذي تقدمه، وما بين مذيعة المنوعات التي يتطلب برنامجها امكانات جسدية بارزة وثقافة ضحلة قد لا يفلح المشاهد في اكتشافها سريعاً. ولكن اسئلته المفاجئة وأسئلة جورج قرداحي كفيلة بإظهار الحقيقة وهذا ما حدث مع "نانسي" و"ناتالي" مذيعتي "أم بي سي" الجميلتين جداً وضيفتي برنامج "من سيربح المليون" في احدى حلقاته الخاصة واللتين استخدمتا كل وسائل المساعدة في البرنامج لمعرفة إن كانت إيران بلداً عربياً أم لا. هل "الجمهور عاوز كده" ام ان القيّمين على التلفزيونات العربية "عايزين كده" لتأمين الوصول السريع الى قلب المشاهد العربي، ليس بما تقدمه من معلومات قيّمة، بل بفضل نظرات وإيحاءات المذيعة. أم ان ما يحدث ليس إلا استكمالاً لعولمة إعلامنا العربي، أم مصلحة مشتركة لوسائل الإعلام وشبكات الخلوي وللمشاهد العربي الذي يفضّل سماع صوت عربي رقيق بدل سماع التنهّدات بلهجات أجنبية لا يفهمها؟