بلدية عفيف تستعد للاحتفال باليوم الوطني 94    الدوري السعودي الأول آسيوياً ب200 مليون مشاهدة    باهبري يواجه الشباب بقميص «السكري»    النصر يرد على أنباء تحكم رونالدو في قرارات النادي    فريق طبي بتجمع جازان الصحي ينجح في إعادة السمع لطفل    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    نائب أمير الشرقية يتفقد مركز القيادة الميداني    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق مرتفعًا عند مستوى 12080 نقطة    السعودية تحقق المركزين ال14 عالمياً والأول عربياً في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي من بين 83 دولة    خبير دولي ل«عكاظ»: قرار الجمعية العامة يعزز الموقف القانوني الفلسطيني عالمياً    مزاد "تمور العلا" يواصل فعالياته    من هي الوحدة الإسرائيلية المتورطة في انفجارات لبنان؟    بلدية محافظة الاسياح تنفذ فرضية استباقية لمواجهة خطر السيول والأمطار    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    استشهاد ثلاثة فلسطينيين في عدوان الاحتلال الإسرائيلي على جنين    القيادة تهنئ الحاكم العام لسانت كيتس ونيفيس بذكرى استقلال بلادها    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    نائب أمير جازان يتسلم شعلة دورة الألعاب السعودية 2024    مجمع إرادة بالرياض: سلامة المرضى أولوية لدينا نظراً لطبيعة المرضى النفسيين ومرضى الإدمان    الغذاء والدواء: لا صحة للادعاءات المنتشرة حول فوائد مشروب جذور الهندباء    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    البروفيسور فارس العنزي يحصد لقب الشخصية الأكثر تأثيراً في النشر العلمي بالولايات المتحدة الأمريكية    الرياض تحتضن القمة والمعرض السعودي للبنية التحتية الثلاثاء المقبل    ارتفاع أسعار الذهب    أمير الشرقية: الخطاب الملكي أكد على مضي بلادنا لتحقيق المزيد من التطور والازدهار والنماء    ولي العهد السعودي: لن نقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    باكستان وروسيا تتفقان على تعزيز العلاقات الثنائية    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    «الروع» تعزز الوهم وتنشر الخرافة..    اختتام دورة حراس المرمى التمهيدية في الرياض وجدة    حضن الليل    داعية مصري يثير الجدل.. فتاة تتهمه بالتحرش.. و«قضايا المرأة»: تلقينا شكاوى أخرى !    نجمة برنامج America's Got Talent تنتحر    95 ألف معمر .. اليابان تحطم الرقم القياسي في طول العمر!    «التعليم»: تخصيص بائع في مقاصف المدارس لكل 200 طالب    «الأحمران» يبحثان عن التعويض أمام الأخدود والخلود    نائب أمير مكة يشهد انطلاق اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق بإمارات المناطق    المواطن عماد رؤية 2030    أحياناً للهذر فوائد    رابيو: استغرقت وقتا قبل قراري بالانتقال إلى مارسيليا    انطلاق معرض السيارات الكهربائية بالرياض    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    سموه رفع الشكر للقيادة.. وزير الثقافة يُثمّن تسمية مجلس الوزراء ل "عام الحِرف اليدوية"    د. حياة سندي تحصد جائزة المرأة الاستثنائية للسلام    ملاحقة "الشهرة" كادت تقضي على حياة "يوتيوبر"    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    العواد إلى الثانية عشرة    اكتشاف توقف تكوين نجوم جديدة بالمجرات القديمة    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    خادم الحرمين يأمر بترقية 233 عضواً في النيابة العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد ؟. الحاجة الملحّة للامتثال لأخلاقيات التضامن الإنساني
نشر في الحياة يوم 03 - 10 - 2001

لعلّ القرْنَ الماضي كان أكثر قرون التاريخ المدوّن دمويّة" كما انفردت الألفيّة الأخيرة بممارسات تجريد الآخَرين من إنسانيّتهم. واستهلّ القرْن الحاليّ، هو الآخَرُ، بواحدٍ من أكثر ما يمكن تصوّرُهُ من الأعمال دموّية" لتردّدَ الألفيّة الجديدةُ فجأةً الأصداءَ المألوفة للبُغْض والغضب والعُنْف.
مرّةً أخرى نجدُ أنفسنا إزاءَ منعطف في إطار فهْم بعضنا للبعض الآخر.
ألم يحن الوقت لصانعي السياسات أنْ يتأمّلوا مليًّا المقوّماتِ الأساسيّة لمفهومَي الحضارة والثقافة التوأميْن؟ ألم يحن الوقت للاعتراف بأنّ الثقافة والهُويّة تمثلان الأمن بالنسبة للكثيرين في العالم؟ لا بد لأيّة استجابةٍ عالميّة، إذا أريد لها أن تحظى بشرعيّة تشمل الأطرافَ المعنيّة كافة، أنْ ترتبط بشتى التقاليدِ والأعراف: التاريخيّةِ منها والقانونيّةِ والدّينيّة.
فإذا أمكن تحقيقُ ذلك، لن تفهمَ العوْلمة باعتبارها حالة تفرضُها أميركا أو الغرب على بقيّة أبناء البشر. وإذا أمكن تحقيقُ ذلك، فإنّ الإرهابَ سيُدحرُ نتيجة غيابِ العامل الذي يُمدّه بأسبابِ البقاء.
حتى ذلك الحين، ثمّة حاجة ملحّة _ على الصعيد العالميّ _ لتطوير أخلاقيّات للتضامن البشريّ تحظى بقَبُولٍ شامل. ويجب أنْ يُفسّرَ التعبير "أخلاقيات" بشكل موسّع، وأن لا يُقتصرَ على الجانب الأخلاقيّ فقط. لابد له أن يَشمل أيضاً القيَمَ الاجتماعية الثقافية المشترَكة، التي تتميّزُ بطابَعِها الشموليّ وبصمودها أمام تجارب الزمان. وإذ نعمد إلى اعتناق أخلاقيّات التضامن البشريّ، فإننا نكون قد اعتنقنا قوى التغيير. ولا بُدَّ للتضامن البشريّ من احتواء الشباب، والمقتلعين من جذورهِم، والمهمَلين، وضحايا الكوارث: الطبيعية منها وتلك التي يسبّبها الإنسان نفسه. إنني أرى الكثير من البنادق" لكن أين تكمن الزّبدة؟
إنّه في إطار التضامن البشريّ بالذات أنّ البحثَ عن أوجهِ الاستجابة للإرهاب يجب أنْ ينصرف. إنّ هذه الأخلاقيّاتِ هي التي ستمكننا من فهْم البواعث الجذريّة التي تدفع بالإنسان إلى التسبّب بأذى أخيه الإنسان ومعاناته.
وضمن هذه الأخلاقيّات للتضامن البشريّ، تكمنُ الحاجة لوجود تصوّر شامل لقانون إنسانويّ Humanitarian وإنسانيّ Human دوليّ لحقوق الإنسان. فكلّ موْضوع يمكن للفرد منّا تصوّره بلغة الصّراع بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والطبيعة، وبين الكوارث الطبيعيّة وتلك التي يُسبِّبها أبناءُ البشر أنفسهم، إنّما يقع في مكان ما ضمن إطار هذا التصوُّر. ومَعَ ذلك، بكلّ أسى، رُغمَ كلِّ مواردِنا، فإنّ العالم ما انفكّ أغنى في المشكلات وأفقر في الحلول.
لا بدّ من التمييز بين السياسة Politics والسياسات Policies. فما تحتاجهُ معظمُ البلدان هو الرؤيا والسّياساتُ البعيدةُ الأمد. أقطار كثيرة تنهشُها اليوم الصراعاتُ المسلحة والفقر المدقع والمرض. فكيف يمكن تحقيقُ أيّ تحوّل أخلاقيّ من دون أنْ نتذكر ذلك؟
ثمّة حاجة لإعادة النظر في مفاهيمَ أساسيّةٍ معيّنة. ألا يجدُر بنا، على سبيل المثال، إعادةُ تعريف الفقر بدِلالةِ خيْر بني البشر وصالحِهم، بدلاً من لغةِ الدّولارات والسنتات؟ لربما يتعيّن علينا أنْ نحاولَ "أنسَنة" الاقتصاد والسّياسة بوضع رفاهيّة بني البشر وسعادتهم في قلب عمليّات صناعة السّياسات: الوطنيّة منها والعالميّة على حدّ سواء.
ثمّة حاجة للاستمراريّة إذا أريد مواجهة التحديّات المعاصرة، مثل الإرهابِ ومسبّباتِه. ألا يتعيّنُ علينا أن نُثبتَ تضامنَنا مَعَ الأجيال القادمة بجعل الرؤيا أولوَّيتنا؟
هل نحن بحاجةٍ إلى حروب كي نُذكرَ أنفسَنا بإنسانيّتِنا المشترَكة؟ لماذا لا يُمكنُ بناءُ دفاعاتِ السّلام في أوقاتِ السِّلم؟ لماذا كُرِّست الجهودُ الدّوليّة في العقود الأخيرة لحفظ السلام بدلاً من صنعه؟ ألا يمكننا أنْ نتحدّثَ عن منع وقوع الأزَمات، لا عن إدارتها، وكأن إدارةَ أزَمةٍ ما تمثلُ غاية بحدّ ذاتِها، بدلاً من تسويتها؟
لقد آن الأوان لترويج ثقافةٍ للسّلام مقابلَ مجرّد غيابِ الحرب. فالإنسانُ المعاصِرُ ليس في حالة سلام مَعَ نفسِه، أو مَعَ محيطِه. وحتى نبدأ عمليّة السّلام، لا بُدَّ لنا أن نتعلمَ أوّلاً أنْ نكونَ في سلامٍ مع أنفسِنا، وأن نقرّ أنّ الضّرارَ حيثما يكون إنما يمثل تهديداً للرفاهية في كلّ مكان. ويكتسبُ هذا الجانبُ أهميّة خاصّة، لأنّنا نعيشُ في عصر يزدادُ فيه الأغنياءُ غنى، والفقراءُ فقراً.
إن هذا العملَ الإرهابيّ الشاذ، لكن المدمِّر، يجب أنْ لا يدعَنا نَنْحَلُّ إلى أشخاص آليّين ينضوون تحت راية القوميّة، أو حتى الدّين. فلا بدّ للعدالة أنْ تسود" وخلافَ ذلك ستكون الغلبة للإرهابيّين الذين نكنّ لهم شعوراً بالكُرهِ والاشمئزاز. إنّ الغضب شعور يُمكنُ فهمُه" وإنّه لكذلك دائماً في أوقاتِ الحزن. بَيْدَ أنّ غضباً كهذا يجب توجيهُهُ إلى جهد يرمي إلى ترويج الحوار.
إنّ العدلَ هو ما يجب ترويجه" لا الإدانة العمياءَ لشعوبٍ بأجمعها، ولدينٍ عظيم. ولا بُدّ لأيّة استجابةٍ أنْ تستندَ إلى المبادئ الحضاريّة التي علينا جميعاً أنْ نؤيّدَها.
إنّ المدنيّين كافة، بصرْف النّظر عن هُويّتهم القوْميّة، محميّون بالمبادئ الأساسيّة للقانون الدّوليّ، وحقوق الإنسان، وآداب السلوك المشترَكة. والخسارةُ المأسويّة في الأرواح في مانهاتن وفي أماكنَ أخرى يجب أنْ لا تُعقبَ بمجزرة أخرى تحصدُ نفوساً بريئة في جُزْء آخرَ من عالمِنا.
لقد قامت التغطية الإعلاميّة بتبسيطِ الأمور.
إنّنا نقطن عالماً واحداً بثقافاتٍ متعدّدة. إلا أنّ الحكومات التي تستخفّ بشعوبها لنْ تنجح. فلا بُدّ لنا من الاستماع إلى أصوات الأشخاص العادييّن كيفما يُعبّرون عنها، سواء عن طريق المنظمات غيْر الحكوميّة، أو منظومات الأمم المتحدة، أو حتى من خلال الهيئات عَبْر القطريّة، أو عبر قنوات المجتمع الأهليّ أو الأفراد. ولا يسعُنا الانصراف إلى تبسيط أصوات شعوبِ العالم بعبارةٍ إعلاميّة أثيرة مفادها: "هل تقفُ معنا أم ضِدّنا؟"
إن الإرهابيّين الذين حملوا معهم الموْتَ والدّمار، وهم يرتطمونَ بأهدافِهم، لمْ يُشاركوني رؤيتي للعالم. كانوا أناساً استبدّ بهم الشعور بالكره، ولم يمثلوا سوى أنفسِهم وقضيّتِهم السياسيّة الضيّقة.
هناك حاجة ملحّة لوضع حدّ لممارسة تجريد الأشخاص من صفاتهم الإنسانيّة" تلك الممارسة التي شهدْناها في القرن الماضي، بل حتى في الألفيّة الأخيرة.
يتعيّن علينا أنْ نسأل أنفسنا ما إذا كنا قد أنصفنا ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، ليس فقط من حيث البيئة" وإنما أيضاً، وفوق كل شيء، من حيث الحكمة والتجربة. كما يتعيّن علينا أنْ نسألَ أنفسنا ما إذا كنا قد قمْنا بواجبنا إزاء الأجيال القادمة.
لا بُدَّ من إنقاذ الإنسانيّة من نفسها. وبهذا الصّدد قال الكاتب البريطانيّ ألدوس هكسلي: "إن الدرس الأهمّ الذي على التاريخ أنْ يُعَلمَه هو أنّ بني البشر لا يتعظون بالتاريخ". دعونا نتّعظ: ليس بالتاريخ، بل بالإمكانات والطاقات التي نورثها للأجيال القادمة.
بعد أنْ نكونَ قد استوْعبنا المضامينَ الكاملة للمأساة الإنسانيّة التي شهدتها نيويورك وواشنطن، وذرفنا الدّموع على المواطنين من جنسيّات متعدّدة الذين فقدوا حياتهم جرّاء هذه المأساة، بمن فيهم مواطنون من العالمَيْن العربيّ والإسلاميّ، سيواجهُنا سؤال مفادُه: "ماذا بعد؟" إن من شأن هذا السؤال أن يتخطى حدود كلّ التحالفات التي تقف ضدّ الشر، وأن يدعوَ إلى فهْم مشترَك للحاجة إلى العودة إلى المعايير الدولية: الأخلاقيّة منها والقانونيّة والإنسانيّة.
ليكن هذا العصرُ عصرَ التعقل والحكمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.