لم تعد رواية الحرب المعاصرة قادرة على تجاهل "صورة" الحرب الجديدة التي فرضتها ثورة الاعلام المرئي - المسموع وعممتها على الجماهير اينما كانت وأياً كانت هوياتها ومواقعها. استطاعت هذه الثورة "المرئية" ان تفضح أسرار الحرب وان تكسر رهبتها المأسوية متخطية "مجازيتها" وأدبيتها، جاعلة منها مادة مشهدية بامتياز. في هذه "الصورة" الحقيقية جداً يبدو الواقع كأنه يقلّد المتخيّل، وتغدو اللقطة الواقعية أقرب الى اللقطة السينمائية التي لا تحتاج الى حيّز بصريّ مركب. فما يشاهده مواطنو العالم على الشاشة الصغيرة هو أشدّ واقعية من واقع الحرب الذي تعيد الكاميرا صوغه بالصورة والرواية باللغة. لكنه أيضاً أشدّ غرابة نظراً الى واقعيته القصوى، تلك التي تجعل المشاهد شخصاً يحدّق ويتفرّس في الصورة وليس مجرّد متفرّج ينظر اليها. كانت "مرجعية" الحرب الكلاسيكية تقود الروائيين الى عمل ضخم في حجم "ألياذة" هوميروس. هذه الملحمة كانت - ولا تزال - تمثل ذروة أدب الحرب كما تفترضه المعايير الثابتة. وقد تلتها عبر العصور أعمال أخرى لا تختلف عنها في مقاربة هذا الموضوع الأزلي والشائك. ولعلّ أعمالاً تماثل روايات تولستوي وهمنغواي وأندريه مالرو ونورمان مايلر وسواهم... هي غير بعيدة من الهاجس الملحمي القادر على أن يجعل من موضوع الحرب مادة روائية بامتياز. الثورة الاعلامية التي استطاعت أن تنزع عن الحرب هالتها، جاعلة اياها مادة يومية هي أقرب الى التحقيق الصحافي هل ستدفع الروائيين الى أن يعيدوا النظر في مفهوم المقاربة الروائية للحرب؟ هل سيكون أدب الحرب في مرحلة ما بعد الثورة الاعلامية مختلفاً عن أدب الحرب في مرحلة ما قبلها؟ ألا يفترض اليوم أن تكون عين الروائي أشبه بالكاميرا التي لا تسعى فقط الى التقاط تفاصيل الحرب وإنما الى فضح خفاياها بصرياً، والى تحويلها مادة مشهدية؟ بات واضحاً ان عين الروائي هذه لم تعد قادرة على إضمار المشهد وصوغه صوغاً مجازياً فقط، بل أضحت في حال من التسابق مع عين الكاميرا العجيبة التي تنقل المشهد نقلاً حياً ونافراً. فالصورة أصبحت هي البطل وأصبح الأبطال أجزاء من الصورة، على خلاف الرواية التي كانت - وما برحت ربما - تجعل الحرب حكاية يرويها البطل أو يحياها أو يعيش في جحيمها. تشاهد "الجماهير" الحرب على الشاشة الصغيرة وتصرخ مع الشاعر الفرنسي أبولينير: "آهٍ يا الله ما أجمل الحرب". ويشاهد روائي صومالي يدعى نور الدين فرح صورة "البرجين" العملاقين يتهاويان بعدما صدمتهما طائرتان مدنيتان فيظن للوهلة الأولى أن ما يشاهده على الشاشة هو لقطة من فيلم سينمائي... كيف ينظر الروائيون العرب الى "الثورة" المرئية التي فضحت "رهبة" الحرب وجعلت منها مادة مشهدية؟ ماذا ترك الاعلام المرئي للروائيين كي يكتبوا عن الحرب؟ هل باتت رواية الحرب تحتاج الى مقاربة جديدة؟ هذه الأسئلة يجيب عنها الروائيون: نجيب محفوظ مصر، محمد برادة المغرب، جمال الغيطاني مصر، نجوى بركات لبنان، واسيني الأعرج الجزائر، فؤاد التكرلي العراق، يوسف القعيد مصر، محمد علي اليوسفي تونس، مؤنس الرزاز الأردن، نبيل سليمان سورية.