وفاة والد الأستاذ سهم الدعجاني    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    «فار مكسور»    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    بالله نحسدك على ايش؟!    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخدرات تتفشى في صفوف الشباب اللبنانيين والرحلة من الحشيشة الى الهيرويين تقطع في سنة . قصتا "ميشال" و"عبده" من السحبة الأولى الى الادمان ... فالحقن أمام عيون الأمهات
نشر في الحياة يوم 16 - 10 - 2001

يحكى في لبنان هذه الأيام كثيراً عن تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في صفوف الشباب، وبخاصة الذين تتفاوت أعمارهم بين 18 عاماً و25. ويقال أيضاً ان نسبة التعاطي ازدادت في العامين الأخيرين كثيراً لأنها "أصبحت موضة وأصبح معيباً ان يبلغ الشاب أو الصبية الثامنة عشرة ولم يدخنا حشيشة او تعاطيا كوكايين أو حبوباً". هذا ما قاله ل"الحياة" متعاطون شباب، ومشرفون على برامج علاج من الادمان، ومسؤولون أمنيون في دائرة مكافحة المخدرات.
هكذا يفكر الشباب اذاً. وقال مدمن سابق كان طالباً جامعياً ان "الشباب يسألون بعضهم بعضاً: هل جرّبت الحشيشة؟ أو الكوكايين؟". واذا كان الجواب لا، استهجن السائل وراح يكيل لوماً على صديقه "كيف يمكن ان تبلغ السابعة عشرة ولمّا تجرب أي منهما". وأكد انه "كان يتعاطى داخل الجامعة". وقال "كنت مجبراً على ذلك. لأن المدمن يحتاج كل ساعة الى جرعة لتهدئ وجعه الجسدي خصوصاً ان أوجاعاً مؤلمة تصيبه حين يأتي وقت الجرعة، مثل ألم المفاصل والظهر والبرد والاستفراغ والاسهال ... وتكاد تبكي من الوجع". وقال آخر "لم أكن أنزل الى مربع ليلي من دون ان اتعاطى، وكذلك أصحابي وهم كثر". وأحياناً يلقى المتعاطي الشاب الموت بجرعة زائدة، وسجلت فعلاً حالات عدة.
حين بدأ ميشال 25 عاماً بتعاطي المخدرات كان عمره 13 عاماً. لم يكن يدخن حينها. بدأ فوراً بتدخين الحشيشة. وهو لم يتوانَ عندما كان حدثاً عن تدخينها حين عرض عليه رفيق له مع أثنين اخرين حيث كانوا جميعاً في البحر يرتعون ويلعبون.
ظن متيقناً مذ "السحبة" الأولى انه وجد ضالته، وهو الذي لم يكن يرفض له طلب في المنزل ولم يعرف كلمة "لا". كانت طلباته تلبى جميعاً الا انه لم يكن يجد من يحدثه من أهله ويسأله عن حاله ويسائله فيها، الى ان صعبت حال والده المالية فدفعت به الى ان يعتاد نغمة جديدة مع ابنه "المدلل" ويقول له "لا". أصيب الابن باحباط، فازداد غياً في ضالته الحشيشة، ومع الرفاق أنفسهم، خصوصاً انه لم يرد ان يدفعوه خارج مجموعتهم. ولم يمرّ عليه يوم مذ اليوم الأول لم يدخن فيه الحشيشة، وكلما دخن منها ازدادت حاجته حتى تجاوزت العشرين سيكارة يومياً.
قرر في نفسه ألا يتجاوزها الى شيء أخطر، أي مواد كيماوية مثل الكوكايين والحبوب المنشطة والهيرويين. لكن قراره هذا لم يصمد أكثر من عامين أمام مغريات الشباب والكبرياء.
وفي الخامسة عشر تلاشى قراره أمام عدم صغر شأنه في مقابل مرافق مسؤول ميليشيوي أصبح له صديقاً في حكم الجيرة. قدّم له الصديق الذي عرف انه يدخن الحشيشة، جرعة من الكوكايين، فقبلها فوراً، ليظهر له ان شأنه عالٍ، ولا يقل عن شأن المسلح ورفاقه.
والجرعة الأولى أيضاً كانت بالنسبة اليه أمراً مهماً وضالة أخرى عثر عليها، أضافها الى الحشيشة التي اتخذ تعاطيها "عهداً" على نفسه لا يخونه أبداً. وراح يتعاطى الاثنين معاً يومياً.
في تلك الفترة آخر الثمانينات كان ميشال معتاداً السفر مع أهله كل سنة الى فرنسا لزيارة عائلتي أمه وأبيه. وهو كان عاش في فرنسا سبع سنوات قبل ان يأتوا للعيش في لبنان. هناك التقى رفاقه وكانوا أيضاً بدأوا بتعاطي المخدرات. عرضوا عليه حبوباً منشطة، فلم يوفرها، بل جربها وأعجب بها أيضاً وأحضر منها الى لبنان. سعر الحبة الواحدة في لبنان خمسون دولار، أما في فرنسا فسعرها خمسة دولارات فقط.
ولما تراجعت حال الوالد مادياً، ولما كان عليه ان يؤمن حاجته من الحشيشة والكوكايين والحبوب، لم يجد أمامه سوى الاتجار بالمخدرات. وراح كلما سافر الى فرنسا يحضر كمية لا بأس بها يبيعها الى رفاقه في الادمان، والى نحو 15 رفيقاً جدداً علمهم التعاطي كما تعلم هو من سواه.
راقه الأمر كثيراً. يكسب مالاً ويؤمن "بضاعته"، وما يجنيه من تلك التجارة كان طائلاً.
كان يفعل كل ذلك وهو دون الثامنة عشرة، التي حين بلغها كان رفاقه في لبنان تجاوزوا مرحلة الحبوب الى الهيرويين. أخافه الأمر أولاً، لأنه كان يعتقد ان المدمن هو متعاطي هذا الصنف أما الأصناف الأخرى فلا يعتبر متعاطيها مدمناً. هذا هو المبدأ الذي يسود المتعاطين. تهيب للوضع وهو الذي اتخذ قراراً انه لن يتعاطى هذا الصنف كي لا يصبح مدمناً. ابتعد عن رفاقه لكن الصبر لم يطل به طويلاً. ستة أشهر وكسر القرار. ظلت فكرة تعاطي الهيرويين تراوده منذ أبلغه أصحابه بذلك. استعاد العلاقة وتقرب منهم ونال مراده. أخذ الجرعة الأولى فراقته كما في التجارب السابقة، فظن انه وجد ضالته.
وهنا، أي بعد ان أخذ يتعاطى الهيرويين، بدأ يواجه المشكلات. فتعاطيها كان مفصلياً في حياته، اذ كان الهيرويين فعلاً ذروة الادمان كما كان يتصور. قبل هذه المرحلة كانت مشكلاته تكمن في تكاسله المدرسي والجامعي، أما بعدها فتجسدت مشكلات عصبية وفقدان الشهية وعدم الدرس، والنوم طوال النهار والسهر طوال الليل ... لكنه كان يشعر انه في عالم آخر، يكتشف الحياة في طريقة أخرى. هذه الحياة، لزمت منه أن يؤمن "بضاعته"، التي يكمن تأمينها في تأمين المال. لم يكن أمامه مصدر الا ان يسرق أولاً من منزله، ثم من خارجه، وكذلك المتاجرة في المخدرات، خصوصاً انه كلما تمادى في التعاطي كلما زادت حاجته حتى بلغت نحو خمسة غرامات من الهيرويين يومياً.
انتبه اصحابه الى انه يسرق بضاعتهم واموالهم، فراحوا يبتعدون عنه شيئاً فشيئاً، كما راح بدوره يبتعد عن أهله. لم يعد يريدهم ان يتدخلوا في حياته... ويصدهم بقوله: انكم لا تفهمون الحياة، وتقليديون ولا تعرفون كيف تعيشون.
تعاطى الهيرويين ست سنوات. وبعد العامين الاولين سارت حوله شكوك اهله، اذ هزل جسمه كثيراً، واعتاد النوم طوال النهار والخروج طوال الليل. وأصبح رد فعله سريعاً وصعباً وبخاصة حين تنقطع عنه "البضاعة". يسألونه هل تتعاطى مخدرات؟ فينكر، على رغم انهم عرفوا بتعاطيه الحشيشة حين كان في التاسعة عشرة، واقنعهم انها ليست مخدرات ولا مشكلة فيها. لم تعجبهم الفكرة، ولم يكن في استطاعتهم ان يغيروا الوضع.
يئس أبوه منه خصوصاً بعدما راح يخرج مع اناس على شاكلته، ويتعاطون معاً في المرابع الليلية وفي الجامعة حيث يوجد الكثر من المتعاطين "أكثر مما يتصور المرء"، بحسب ما أكد ميشال.
وصل الى مكان أصبحت فيه حاله النفسية على الأرض. وخارت قواه الجسدية.
قرر أن يدخل المستشفى لينظف جسمه من الهيرويين. قال لأهله ذلك ودخل المستشفى نحو اسبوعين نظف خلالها جسمه. وفي اليوم الذي خرج فيه تعاطى. خطر في باله ان جسمه أصبح نظيفاً وأراد ان يشعر بالنشوة التي شعر بها للمرة الأولى. ثم دخل في الدوامة نفسها وعاد الى ما كان عليه. وكان يقول في نفسه:"لست مدمناً". وبعد نحو شهرين ظهرت عليه ملامح التعاطي. فدخل المستشفى مرة ثانية. وحينها راح أهله يضغطون عليه ليدخل الى مركز "أم النور" للعلاج، فوافق. بعد شهر جاءه والده زائراً، فاقنعه بأنه شفي من الادمان، وطلب منه أن يخرجه من المركز. وافق الوالد على ذلك بشرط أنه اذا اكتشف انه عاد مجدداً سيدخله السجن. لم يخفه التهديد خصوصاً انه دخل السجن قبل ذلك ثلاث مرات وخرج من دون أن يعرف أهله انه كان موقوفاً. وقال: "في مرة دفعت مبالغ كبيرة وخرجت في يومين، وظن أهلي اني أمضي نهاية الأسبوع مع رفاقي".
ما إن بلغا الطريق العامة، حتى راح يخطط كيف سيؤمن الهيرويين، وتعاطى في اليوم نفسه، وتالياً عاد. بعد فترة شعر الوالد بعودته فأخضعه لفحص بول، فظهر انه تعاطى هيرويين، لكنه نكر ذلك. وبعد شهر عثر والده، في غرفته أثناء نومه على مظروف صغير فيه غرام من الهيرويين، فأخذه فوراً الى مخفر حبيش وسلمهم اياه، وقال لهم: انني وجدت هذه المخدرات في غرفة ابني.
استيقظ وراح يفتش عن ضالته "البضاعة" فلم يجدها. ظن انه وضعها في مكان ما. وما كاد يشعر بنوبة، حتى وصل والده وقال له: ان اسمك أصبح في مخفر حبيش فانظر ماذا ستفعل. اما ان تعود الى مركز التأهيل واما الى السجن. ظن انه يمزح، وقال له أعرف انك لن تفعل بي هذا لن تدخلني الى السجن بيديك. فقال له: "صحيح انك ابني، لكنني أفضل ان اراك ميتاً في السجن من دون مخدرات، على ان تموت أمامي من جراء الهيرويين ولا أستطيع ان أفعل شيئاً".
فهم حينها انه فعل ذلك. ولأنه لم يرد دخول السجن، قرر العودة الى المركز. فدخل المستشفى وخضع للتنظيف مرة ثالثة، وعاد الى العلاج خصوصاً انه ادرك ان لا طريق أمامه الا الموت أو السجن أو "ام النور".
أما عبده الذي كان شديد التعلق بأمه، فلم يستطع ان يرمي حقنة المخدر من يده حين رأته جاثماً على ركبتيه في الحمام يحقنها في يده. صرخت وبكت لكن ذلك لم يؤثر فيه. لم يكن يبالي الا بجرعته.
كان والده يعمل في السعودية سنوات طويلة، وهو عاش مع أمه وتعلق بها وبقي ينام معها حتى بلغ الرابعة عشرة. قرر والده العودة فأبعده عنها، ما ولد لديه عدائية تجاهه خصوصاً انه منعه من النوم قرب أحد علماً "انني كنت أخاف النوم وحيداً".
كان الوالد يخاف عليه كثيراً وهذا ما جعله قاسياً جداً، يمنعنه من الخروج. بقي على هذه الحال خمس سنوات، الى ان بدأ يخرق هذا الاطار في السادسة عشرة اذ تعرف الى المخدرات في المدرسة. أراد تجربتها. طلب من أصحابه الذين يتعاطون وكان يريد ان يدخل معهم في اللعبة، فقال لأحدهم: انني اتعاطى، هل يمكنك ان تحضر لي حشيشة؟ فأحضر له. أخذها الى صاحب آخر، فحضّراها ودخّناها معاً. ثم دخل بهم أكثر، حشيشة فكوكايين ثم هيرويين. هذه المرحلة قطعها في عامين تقريباً .
كان يؤمن مالاً من أهله، ويسرق ويتاجر. شعر أهله ان هناك شيئاً، وخصوصاً أخته التي طلب منها مالاً ليدفعها الى تاجر كان يطالبه. قال لها: انني ادخن حشيشاً. فشعرت ان هناك شيئاً أكثر، وأبلغت والدهما. حين عرف الوالد القاسي بالخبر، أغمي عليه فوراً، وحين استعاد وعيه راح يضرب على رأسه. ثم منعه من الخروج وصادر منه السيارة وقطع عنه المال. راح عبده يبتكر أساليب ليخرج ويحضر بضاعته ثم يعود ويتعاطاها في المنزل. منعوا الزنانير في المنزل وأخفوا الملاعق والحامض.
"دخلت السجن بعدما اعترف عليَّ تاجر، فجاءوا الى منزلي وأخذوني". خرج من السجن وظل يتعاطى. أخذه والده الى دبي، وبقي هناك نحو شهرين من دون عمل ولا مخدرات. اتصل بوالده وقال له: اريد ان أعود. فقال له اما ان تأتي الى أم النور أما ان تبقى هناك.
ميشال وعبده نموذجان من شبان كثر، تحدثا بحرية عن تجربتهما. بدوَا واثقين من نفسيهما. يتحدثان بحرية وطلاقة وصدق مفرط، لا يخلو بعضه من ظرف، اذ ينظر ميشال خلال حديثه الى ساعديه ويشير الى عروقه النابضة ويقول: حين كنت اريدها ان تظهر هكذا لم تكن تظهر. تحسنت حالهما كثيراً خصوصاً انهما شارفا على نهاية البرنامج. واذا كان ميشال يخطط لمستقبله "المستدرك"، وتسجل في معهد ليتخصص في مجال الالكترونيات، فان عبده لا يريد ان يشغل تفكيره في أمور أخرى، وهو الذي تخرج في ادارة الفنادق. ويقول: "الآن أريد ان أعمل على نفسي لأنهي البرنامج وبعد ذلك أفكر".
ركز الشابان كثيراً في حديثهما على البدء برواية ظروف حياتهما قبل التعاطي، وعلاقتهما بعائلتيهما. يبدو انهما يريدان ان يعزوَا أسباب تورطهما في التعاطي الى طريقة تربية أبويهما لهما "اذ لا حوار بيننا"، بحسب هذه العبارة التي كرراها.
يبدو ان هذا ما يعلمه المرشدون في المركز للذين يتلقون علاجاً. فهم يدفعونهم الى مواجهة الذكريات الأليمة بصدق كبير. يمنع عليهم الكذب حتى في أتفه الأمور. ومن يكذب عليه ان يعيد الكرة. قوام التخلص من آفة الادمان هو الصدق مع الذات والآخرين، وأي خرق لذلك يعتبر نكسة، بحسب ما قال مدير المركز. وهو يعتبر ان "مشكلة المخدرات ليست عضوية بل هي وهم، وغرضها تنويم الذكريات المؤلمة عند المتعاطي الذي يكون في العادة حساساً جداً".
أما منسق برنامج التأهيل سامي فهد فيلفت الى تطور مشكلة المخدرات. في الماضي كان متعاطي المخدرات يبدأ بتدخين الحشيشة ثم ينتقل الى الكوكايين ثم الحبوب ثم الهيرويين. وكانت هذه "الرحلة" تستغرق سنوات طويلة، اذ لا ينتقل من مرحلة الى أخرى الا بعد خمس سنوات أو ست سنوات أي حين يشعر ان ما يتعاطاه أصبح غير كافٍ ولا يلبي حاجته من المادة المخدرة، فينتقل الى الأخرى. ويستغرق الانتقال من المرحلة الأولى المرحلة الأخيرة نحو 20 عاماً. وكان معدل أعمار المتعاطين الخامسة والثلاثين.
أما اليوم، فان اللافت ان المتعاطين أصبحوا صغاراً وان معدل أعمارهم نحو العشرين، اذ تتفاوت أعمار متعاطي اليوم بين 13 عاماً و25 عاماً. والأخطر من ذلك ان مراحل التعاطي من الحشيشة الى الهيرويين التي كانت تستغرق نحو 20 عاماً، أصبحت تقطع مع متعاطي اليوم نحو سنة. ولا يمكننا ان نقول في هذا الوضع الا انه اجرام، اذ اصبح معرضاً للموت أكثر.
وهذه الفئة العمرية تعني ان المتعاطين هم من طلاب المدارس والجامعات. والسبب لا يعود الى ان المدرسة أو الجامعة فاسدة، بل لأن نسبة أعمار المتعاطين خفضت وتفشت الظاهرة في صفوف الشباب ذكوراً واناثاً. خفضت نسبة أعمار المدمنين وزادت نسبة المتعاطين. وما يلفت ان في الماضي كانت نسب الفتيات الى الذكور واحدة بين خمسين شاباً أما اليوم فأصبحت النسبة متساوية.
وعن أسباب ذلك قال انها مباشرة وغير مباشرة. فغير المباشرة هي: تطور الناس، أي ان الشبان يخرجون عن سلطة أهاليهم ويتحررون في أعمار مبكرة ويذهبون أينما شاؤوا ويسهرون الى أوقات متأخرة من دون ان يسألهم أحد عما يفعلون، وفقد الروادع عند الأطفال في أساليب التربية، وتفكك العائلة، وانشغال الأهل عن أولادهم وتركهم للمربيات والخادمات، والتخلي عن القيم الروحية والثقاقية والتربوية. أما المباشرة فهي: نفسية مهيأة، وظروف يمر فيها المستعد، وتوافر المخدرات. هذه العوامل الثلاثة تنتج مدمناً، واذا لم تتوافر واحدة منها لا يوجد مدمنون. أما ما يحول دون خضوع المدمن الى المعالجة فهي: أمراض نفسية أو خلل عقلي، وأمراض جسدية.
برنامج العلاج من الادمان ومراحله في "ام النور"
على رغم ان القانون المتعلق بالمخدرات لحظ انشاء مركز لمعالجة المدمنين، فان الدولة لم تنشئ مركزاً حتى اليوم، علماً ان في لبنان متعاطين كثراً. ولولا وجود مؤسسة "أم النور" لما استطاع أي من الذين يريدون الشفاء من هذه الآفة، الوصول الى ما يريدون.
ومؤسسة "أم النور" مؤسسة أهلية، أُنشئت في العام 1989، وعولج فيها أكثر من ألف مدمن من خلال برنامج تأهيل يستغرق نحو سنة ونصف السنة بعد ان يخضع المدمن لعملية تنظيف في المستشفى. ويتابع التأهيل في المؤسسة حالياً نحو سبعين متعاطياً معظمهم من الشباب، موزعين على ثلاثة مراكز بينها مركز للإناث.
ينطلق برنامج التأهيل الذي تعتمده المؤسسة من ان مشكلة التعاطي والادمان تصيب الانسان المتعاطي في شلل على الصعيد الفكري والنفسي والاجتماعي والأخلاقي والقانوني والصحي، ما يؤدي الى اصابته بحال من الخوف والاحباط. والعلاج أو التأهيل يتركز على هذه النواحي جميعاً. اذ يعمل متخصصون في كل هذه المجالات مع المدمن من خلال برنامج يتضمن حلقات درس وممارسة رياضة وتنفيذ أعمال معينة، في أربع مراحل ينتقل فيها الخاضع للتأهيل بعد خضوعه الى عملية تنظيف من المخدرات في المستشفى.
والمراحل هي:
- الأولى، تسمى مرحلة النزيل الجديد، وهدفها ان يستعيد المدمن نشاطه الجسدي والفكري، وتحقيق حدٍ أدنى من التوازن النفسي في شكل يمكنه من ادراك حجم المشكلة التي هو فيها، وتدفعه الى بناء قناعة بأنه يعاني مشكلة ويحتاج الى التخلص منها.
- الثانية، تسمى مرحلة المرافق، وهدفها ان يتحمل الخاضع للبرنامج مسؤولية، بدءاً بنفسه ثم بسواه، اذ عليه ان يتحمل مسؤولية نزيل جديد لناحية مساعدته على تخطي المرحلة الأولى لأنه يكون في حال صعبة أو مفصلية.
- الثالثة، تسمى مرحلة رئيس وحدة، أي ان الخاضع للعلاج يصبح مسؤولاً عن وحدة تتألف من عدد من زملائه وعليه ان يساعدهم في كل أمر ويوزع عليهم الأعمال.
- الرابعة تسمى مرحلة الانخراط في المجتمع، اذ يسمح لمن قطع المراحل الثلاث بأن يخرج من المركز وأن يعمل يومين في الأسبوع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.