اليوم الاثنين، عندما تنعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة بند مكافحة الارهاب، سيكون المتحدث الأول فيها عمدة نيويورك، رودي جولياني، الذي كان بالأمس القريب شخصية مثيرة للجدل وأصبح اليوم بين أبرز الشخصيات العالمية، نتيجة حسن وانسانية ومهارة أدائه بعد كارثة تدمير برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك. بين الجالسين في المقاعد المخصصة للدول في الجمعية العامة، رجل يمكن اعتباره نيويوركياً قحاً على رغم انه عميد السلك الديبلوماسي في الأممالمتحدة. ما يجمع السفير عبدالله الاشطل مع جولياني انه عمدة مدينته، ليست بصفتها المدينة المضيفة للأمم المتحدة فحسب، بل لأنها المدينة التي عاش فيها منذ ثلاثين سنة، حيث ترعرع شاباً في مطلع عمله الديبلوماسي وتزوج وأنجب وأقام صداقات امتدت من برجي مركز التجارة العالمية الى مبنى الأممالمتحدة. الذهول والاستياء من الارهاب الذي وقع يتضاعف حزناً عند مندوب اليمن لدى الأممالمتحدة لأن جذور المشتبه بأنه العقل المدبر، أسامة بن لادن، يمنية ولأن "الزلزال" أصاب أكثر من مدينة وقضية. يقول الاشطل: "هذا الزلزال الضخم سيجعل موضوع الارهاب ومحاربته يطغى على حساب قضايا حقوق الانسان والديموقراطية بما قد يؤدي الى تناقض بين مكافحة الارهاب وحقوق الانسان، بسبب ما تتعرض له مسائل الحريات الشخصية من هزة وضغوط". ويضيف: "سيطلب من كل الدول ان تتخذ اجراءات وتقوم باعتقالات... اجراءات تحد من حرية الناس وتصنيف الناس في بطاقة تعريف. لذلك فإن التطور الذي حصل في اطار توسيع الحريات وحقوق الانسان والديموقراطية سيتعرض لانتكاسة". عشية انعقاد الجمعية العامة للبحث في بند مكافحة الارهاب، تحدث عميد السلك الديبلوماسي عن أثر وتأثير عمليات الطائرات الانتحارية في مدينتي نيويورك وواشنطن حيث جاءت مع بداية الدورة العادية للجمعية العامة "فطغت كاملاً على الدورة، وكان من أولى نتائج الأحداث المحزنة الغاء المناقشة العامة"، أي الغاء مجيء الرؤساء والوزراء الذين يفتتحون تقليدياً المناقشة العامة. فسلطات نيويورك ابلغت الأممالمتحدة انها لا تستطيع ان توفر الأمن المطلوب لزيارة كبار المسؤولين بسبب انشغالها ليس فقط برفع انقاض البرجين والبحث عن جثث، وانما ايضاً بسبب انتقالها من مبنى الى مدرسة الى نفق بعد تسلم تهديدات بوجود قنابل فيها. الآن، ابلغت السلطات ان في الامكان عقد المناقشة العامة من 10 الى 16 تشرين الثاني نوفمبر، ما لم تؤد الأحداث الى الغاء ذلك. وبسبب تأجيل المناقشة العامة، انتقلت دورة الجمعية العامة الى أعمال اللجان، وبرز اقتراح أوروبي باعطاء الأولوية لمناقشة موضوع الارهاب المدرج على جدول اعمال اللجنة السادسة اصلاً. وتم الاتفاق على ان يناقش الموضوع اليوم الاثنين في 1 تشرين الأول اكتوبر. يقول الاشطل: "سيكون هذا البند أهم موضوع يناقش في الدورة بكاملها نتيجة لتداخل أعمال الدورة مع هذه الأحداث"، لافتاً الى ان اول المتحدثين في الجمعية العامة سيكون عمدة نيويورك رودي جولياني. ويضيف: "سيكون أمراً غريباً أن يأتي الرؤساء والوزراء منتصف الشهر المقبل لأن الدورة ستكون انتهت مع انتهاء اللجان من أعمالها". شارك عبدالله الاشطل في 30 دورة من دورات الجمعية العامة، وهو أقدم سفير معتمد لدى المنظمة الدولية. لكنه يقول: "هذه دورة لا تشبه من قريب أو بعيد أياً من الثلاثين دورة للجمعية العامة التي حضرتها". فالجمعية العامة تبدأ تقليدياً أعمالها "بالجو الاحتفالي مع عشرات حفلات الاستقبال واكتظاظ كل مواقع الأممالمتحدة بالاجتماعات الثنائية بين الرؤساء والوزراء. كل ذلك لم يعد له وجود. وكأن الجمعية العامة بدأت بمأتم. الكل يعزّي، والكل يلغي مظاهر الاحتفال، والكل يترقب". يشهد على ذلك ليس خلو قاعات الأممالمتحدة وأروقتها فحسب وانما ايضاً محيط مبنى الأممالمتحدة. فقد وقع المبنى الممتد من الشارع 42 الى 46 في "الافنيو" الاول على شاطئ النهر الشرقي، في حال حصار. فهو محصّن بالكميونات البرتقالية اللون المحملة بالرمل، ومحاط برجال الأمن والبوليس بكثافة. لا سبيل لسيارات التاكسي للوصول اليه، ولا أحد يمكنه العبور الى المبنى بلا بطاقة تعريف يطّلع عليها حوالى 10 أشخاص في معابر مختلفة. المطاعم مقفلة أو خالية، والأجواء كئيبة. عميد السلك الديبلوماسي نفسه في حال حزن وكآبة "فالحزن يخيّم على الناس بعدما تقلص نشاط المدينة وانعكس على الأممالمتحدة. هكذا نبدو جميعاً وكأننا في مأتم. فقد انطفأت شمعة قبيل افتتاح الدورة 56 للجمعية العامة، ولا يزال المكان في شبه ظلمة". يضيف الاشطل، انه نيويوركي الصميم لأن هذه مدينة الجنسيات واللغات المتعددة "واشعر بحزن اولاً على آلاف الضحايا الأبرياء ومئات الآلاف من الناس الذين سيدفعون ثمن المضايقات. على مستوى المدينة، اشعر بأن نيويورك شعلة انطفأت اضواؤها وهي تعيش مكسورة في حال حزن. وكعربي أشعر بأن تأثير الحدث ضخم على من يشبه العرب والمسلمين وليس على العرب والمسلمين فقط.