امتدت نجومية الارجنتيني دييغو مارادونا الى خارج ميدان انجازات كرة القدم، والتي تجلى ابرزها في السابق في قيادته منتخب بلاده الى احراز لقب مونديال المكسيك 1986، واختياره اخيراً احد لاعبي القرن الماضي الى جانب "الجوهرة السوداء" البرازيلي بيليه، ووفرت القدرة التسويقية الهائلة لكتاب سيرته الذاتية بعنوان "انا دييغو"، والذي توزعت موضوعاته على 319 صفحة، علماً ان 200 الف نسخة منه بيعت في الاسابيع الثلاثة الاولى فقط لعرضه في المكتبات، كما تلقت دار النشر التي تولت عملية اصداره طلبات لترجمة محتواه الى 30 لغة، تمهيداً لتوزيعه على 80 دولة اجنبية. وجاء توقيت اصدار الكتاب بعد ثلاثة اعوام من اعتزاله اللعب نهائياً، وروى مارادونا فيه قصة تسلقه قمتي الشهرة والثراء المادي بفضل كرة القدم، التي انتشلته من جحيم "الفقر" في الاحياء الشعبية في بوينس ايريس، وعرض لظروف غرقه في وحول الادمان على المخدرات، وتورطه في مشكلات عدة ارتبطت بالتدخلات الاعلامية المستمرة في حياته الشخصية. واجرى مارادونا حفلة توقيع كتابه في حضور المئات من مشاهير المدعوين الارجنتينيين في فندق بوينس ايريس الراقي، وقدمه بالقول: "تضمن الكتاب الوقائع الفعلية للاحداث التي واجهتها في مسيرتي الرياضية وحياتي اليومية، من دون اي تحوير او مواربة لانني اريد ان ازيل اي تساؤل او إلتباس حول شخصي وتصرفاتي، واؤكد انني لا ازال دييغو الذي عرفه الشعب الارجنتيني وتعلق به في شكل غير معقول". وكتب مارادونا في افتتاحية سيرته الذاتية، والتي وجه فيها تحية خاصة الى نجم كرة السلة الاميركية مايكل جوردان والرئيس الارجنتيني السابق كارلوس منعم ونظيره الكوبي فيديل كاسترو: "اخيراً قررت ان اكشف كل شيء بصدق، لكن الغريب انني لست مقتنعاً بالكامل بانني تحدثت عن الاشياء المهمة كلها". واعلن ان فكرة اصدار سيرته راودته خلال خضوعه لعلاج اعادة تأهيل من ادمان المخدرات في هافانا، وقال: "استعادت ذاكرتي الاحداث البارزة كلها التي واكبت حياتي، لدى قيامي بتدخين سيجار كوبي في احدى الليالي الهادئة. وايقنت انه الوقت الملائم لتدوينها بشكل منظم ومدروس، من دون ان يعكس ذلك اي شعور فعلي بالندم على رغم الاخطاء الكثيرة التي ارتكبتها". واشار البعض في الارجنتين الى ان هذه السيرة، ادرجت ضمن برنامج اعادة تأهليه، علماً ان حياته كانت تعرضت لخطر الوفاة الفعلي في بداية العام الماضي في الاوروغواي، في ظل عدم انتظام عمل جهاز قلبه، في حين وصف آخرون السيرة بضربة معلم جديدة لمارادونا من اجل زيادة ارباحه المادية مستفيداً من شعبيته الجماهيرية والاعلامية الكبيرة. صفحة جديدة وربما كان التفسير الموضوعي لنشر هذه السيرة، انها صفحة جديدة في كتاب بحث مارادونا عن معنى للحياة بعد اعتزاله كرة القدم، والتي لا يخفى انه لم يستطع التأقلم بشكل جيد معها بخلاف نجوم كثيرين آخرين امثال بيليه وجوردان وسواهما الذين برعوا في ميادين الاعمال وتولي المناصب الرياضية الرفيعة. وبالتأكيد كانت موهبة مارادونا غير العادية وسيلة اطلاق نجوميته الكبيرة، لكنها لم تكن لتحوله الى ظاهرة فريدة في بلاده لولا الحاجة الوطنية الى نموذج بطل لاعادة تجسيد شعور الفخر الوطني المفقود بعد اعوام من الخيبات السياسية والتدهور الاقتصادي التي رافقت نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. وذكر مارادونا في سيرته ان الارجنتينيين، استمروا في تشجيعه ومواكبة مسيرته بحماسة كبيرة بعدما التحق بصفوف فريق برشلونة الاسباني في عام 1982، باعتباره جسد وقتذاك صورة الخروج من "سجن" الحكم الديكتاتوري الداخلي، ومثال روحية التفوق المحلية التي حجم هذا الحكم دورها وتأثيرها الفاعل على الصعيد الوطني. وبرر النجم الارجنتيني السابق اطلاقه تسمية "يد الله" على هدفه الاول بيده في مباراة منتخب بلاده ونظيره الانكليزي في ربع نهائي مونديال المكسيك 1986، بانها اشارت الى الابعاد الحقيقية غير الرياضية للهدف، والتي تجسدت في الاخذ بالثأر من الهزيمة السياسية والعسكرية امام الانكليز أنفسهم في حرب جزر "الفوكلاند"، والتي نتج منها مقتل الالوف من ابناء البلاد "كالطيور": "لقد كنا ندافع في هذه المباراة عن علم بلادنا، ونخلد ذكرى دماء شهدائنا". في المقابل، لم يتناول مارادونا بعمق في سيرته موضوع تعرضه لعقوبة التوقيف مرتين فترة 15 شهراً بسبب تناوله مواد منشطة ومخدرة في عامي 1991 و1994، لدى دفاعه عن الوان فريق نابولي الايطالي ومنتخب الارجنتين على التوالي. لكنه اتهم مدير اعماله غيليرمو كوبولا بعدم مساندته لدى ثبوت حال تورطه الاولى في ايطاليا: "ما زاد الوضع سوءاً بالنسبة إلي". اما أمنية النجم الارجنتيني الوحيدة التي تضمنتها سيرته فهي لقاء جوردان، بعدما حقق امنيته الاولى في لقاء الرئيس الكوبي فيديل كاسترو. وتضمنت السيرة ايضاً بعض الفقرات التي كتبها مارادونا بخط يده، علماً ان صحافيين ارجنتينيين اثنين تعاونا في انجازها بصيغتها النهائية، من دون اخضاع الكلام الحرفي المنقول عن لسان مارادونا باللهجة العامية للتحريف الكبير.