يعتبر البحر المتوسط أكبر بحر يتوسط ثلاث قارات آسيا/اوروبا/افريقيا او العالم القديم، فإنه يتصل بالمحيط الاطلسي الشمالي عبر مضيق جبل طارق ويتصل بالبحر الاسود من خلال بحر ايجة عبر الدردنيل وبحر مرمرة ومضيق البوسفور، كما ويتصل بالبحر الاحمر بقناة السويس، ويضم البحر المتوسط اقساماً متعددة وهي عبارة عن بحار متداخلة معه. هناك تسميات عدة للبحر المتوسط استعملت قديماً من مثل الاغريق والرومان والعرب واللاتين، فقد دعاه احد القياصرة الرومان في الاغريقية "بحرنا" وسمي في اللاتينية "وسط البر". واستعملت تسميات مختلفة في العالم الكلاسيكي القديم منها بحر الروم او بحر الاغريق او بحر رينيان، واستقر العالم اجمع على تسميته في العصور الحديثة ب"البحر المتوسط". ولم تزل معظم وثائقنا ومراجعنا الحديثة ودوائرنا السياسية ومؤسساتنا الفكرية وكتابنا وجغرفيينا ومؤرخينا يطلقون تسمية البحر الابيض المتوسط. ان مصطلح "البحر الابيض" تركي الاصل، دخل على لغتنا العربية خلال العهود المتأخرة من عصر الامتداد التاريخي العثماني، ولا تزال هذه التسمية مستعملة في اللغة التركية حتى اليوم: البحر الابيض المتوسط. كما هو حال التسمية التي لم تزل معروفة في جميع لغات العالم عن البحر الاسود وهي تركية الاصل. التسميات العربية القديمة هناك ظاهرة لافتة للعيان وهي التنوع في التسمية العربية القديمة للبحر المتوسط، وذلك عند اهم الجغرافيين والمؤرخين المسلمين القدامى. سماه ابن خردذابه في كتابه "المسالك والممالك" ب"بحر الشام"، وسماه المقري التلمساني في كتابه "نفح الطيب" ب"بحر تيران"، وسماه ابن خلدون في مقدمته ب"البحر الرومي"، واطلق عليه ياقوت الحموي في "معجم البلدان" ب"بحر المغرب" ويعدد له تسميات عدة في فهرسه الشهير، ودعاه ابو بكر احمد بن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه في كتابه "مختصر تاريخ البلدان" ب"البحر المغربي الدبوري الرومي" او "البحر الرومي المغربي". ومن الاهمية بمكان ان نقف على تعريف كل من ابن خلدون وياقوت الحموي للبحر المتوسط. وصفه ياقوت بقوله "بحر المغرب هو بحر الشام" والقسطنطينية فأخذه من البحر المحيط الاطلسي الشمالي، ثم يمتد شرقاً فيمر من شمالية بالاندلس ثم ببلاد الافرنج الى القسطنطينية فيمر ببنطس البحر الاسود. ويضيف ياقوت قائلاً: فبحر الاندلس وبحر المغرب وبحر الاسكندرية وبحر الشام وبحر القسطنطينية وبحر الافرنج وبحر الروم جمعيهم بحر واحد. اما ابن خلدون فقد وصف البحر المتوسط البحر الرومي المعروف ويبدأ في خليج متضايق في عرض اثني عشر ميلاً او نحوها ما بين طنجة وطريف ويسمى الزقاق مضيق جبل طارق ثم يذهب مشرقاً وينفسح الى عرض ستمئة ميل وبنهايته في آخر الجزء الرابع من الاقليم الرابع على ألف فرسخ ومئة وستين فرسخاً من مبدئه وعليه هنالك سواحل الشام وعليه من جهة الجنوب سواحل المغرب. اولها طنجة عند الخلية ثم البنادقة ثم رومة ثم الافرنجة ثم الاندلس الى طريف عند الزقاق قبالة طنجة. ويسمى هذا البحر الرومي والشامي وفيه جزر شهيرة عامرة كبار مثل اقريطش وقبرص وصقلية وسردانية ودانية. نستخلص من هذا كله ما يفيدنا من نتائج في ما يخص التسمية العربية القديمة للبحر المتوسط هي: 1- اتخذت من العناصر الجغرافية اساساً لها في اطلاق تسميات مختلفة ومتغيرة غير ثابتة نظراً لحجم البحر الواسع الامداد. 2- ومن هنا فإن اهتمام الثقافة العربية القديمة مجزأ في تسميتها له وذلك على اساس الاقاليم والثغور والنقاط الساحلية كمراكز استراتيجية عريقة لعبت ادواراً فاعلة في جغرافيته التاريخية خلال فترات متنوعة من التاريخ الوسيط والحديث. 3- وهناك من اطلق عليه "بحر العرب" وهي تسمية تقابل كل الاحوال مصطلح "بحر الروم". ويلاحظ بأن عدد التسميات الاقليمية العربية له هي اكثر من التسميات الاجنبية الاخرى له. فالعرب هم الشعب الوحيد من بين شعوب البحر المتوسط الذي امتلك هذا البحر على مدى قرون طويلة موصولة بفترات التاريخ الحديث وذلك من خلال امتدادهم الاثنوغرافي في فترات السيادة العثمانية عبر القوى البحرية. اما الرومان الذين يعدون من الشعوب المتوسطية الاحادية في التاريخ لا في الجغرافيا، فقد ادعوا بأن البحر المتوسط هو ملكهم لوحدهم، وذلك لأنهم كانوا بالفعل بنوا امبراطوريتهم القوية من الناحية الاقتصادية، معتمدين على البحر المتوسط كبحيرة تتوسطها. ثم ان البحر المتوسط كان بمثابة الامتداد الجغرافي العميق الذي ساعدهم في بسط نفوذهم على اجزاء متعددة من سواحله كاملة وضمن ذلك وجودهم لقرون كثيرة ومن خلال ذلك التكوين التاريخي الجغرافي. واعتبر البحر المتوسط خلال عصورهم التاريخية فقط هو بحرهم. وهكذا يبدو أن كل من الرومان والعرب قد تنازعوا الملكية الحقيقية للبحر المتوسط عبر التاريخ على رغم تلاشي الرومان.