السيدة امل ايوب فريجي، المتخصصة في التربية والتعليم من الجامعة الاميركية في بيروت في الستنات، لا تزال على شغفها بالاطفال كاليوم الاول من اهتمامها بهم، على رغم مرور سنوات لاعدادها كتب القراءة الرائدة والقصص في "سلسلة لغتي النامية للاطفال" في المرحلة التأسيسية بين 4 و7 اعوام. وهدفها في كل ما عملته وتعمله ان تنشئ طفلاً سعيداً وناجحاً بواسطة معلم نشيط وخلاّق يقدم لغة عربية محببة وسهلة. هذه هي مبادئ تعليم اللغة العربية للاطفال في عقيدتها. والسيدة فريجي، الزوجة والأم والجدة، انتهجت فلسفة في عملها التأليفي - تنطلق من الاصغاء الى حاجات الطفل النفسية الانسانية ومن حاجات المرحلة التي يمر بها، ومن حاجاته الحضارية الاجتماعية، وتهدف الى نموه المتكامل في الجسم والحركة والحس والعاطفة والذوق الفكري والاجتماعي وطنياً وروحياً ولغوياً. تقول "ان العملية التربوية تبدأ مع الطفل منذ ولادته بالاصغاء الى حاجاته ومساعدته على التعبير. وهنا تنطلق عملية حوار اذا اتقنّاها نكون انشأنا طفلاً ناجحاً وسعيداً. المهم ان نصغي الى الطفل وان نعمل على تفسير ما يريد التعبير عنه. هل هو جوع؟ هل هي حاجة للنظافة؟ حاجة الى حنان؟ يريد ان يُحمل؟ ان كل حركة يقوم بها الطفل رسالة موجهة للأم وللمحيطين به يتحدث بها بلغته الخاصة، وهذا يتطلب من المربي ذكاءً وانتباهاً واحتراماً، فتنعكس على الطفل وعياً بانه خاص وهام". الطفولة الباكرة مهمة جداً في تكوين الشخصية الانسانية. والقراءة تبدأ من تلك المرحلة، في مساعدة الطفل على التعبير. ومع تطور وعيه نساعده على التفكير ومن ثم تبدأ عملية التعليم. وتقول السيدة فريجي انها في منهجها التعليمي اختارت ان يقرأ الطفل منذ البداية موضوعاً لا اصواتاً وتأتأة. "علينا ان نجيب الطفل بلغته الأم، وهذه اللغة يمكن ان تكون أجمل لغة وأسهل لغة بحسب الاطار الذي نضع فيه الكلمات للطفل. وانا اخترت في كتابي الاول للقراءة موضوعاً يرتاح اليه عنوانه "بيتنا" واخترت اولاً الكلمات المشتركة بين العامية والنص مثل بيت وبابا وماما وتفاحة وماء. وانطلقت منها لتعليم الاحرف وتركيب الجمل، وصولاً الى طفل سعيد يقول لنفسه "انا محبوب". وفي كتاب القراءة الثاني "العابنا" أشْركت الطفل عبر القراءة بالالعاب الخلاقة التي يلقاها في المدرسة. فالطفل يحب ان يلعب، واذا وضعنا اللعب في منهج تربوي تعليمي نكون أفرحنا الطفل فيتعلم القراءة بفرح، وينتج من ذلك شعور لديه تفسيره "انني قادر". وفي كتاب القراءة الثالث "اصحابنا" يدخل الطفل بيئة اوسع فيقيم علاقات ايجابية مع بيئته ومحيطه وتمتلئ حياته بالاصدقاء لانه في هذا العمر: بين ستة وسبعة أعوام، يرغب كثيراً الاصدقاء، وان يكون ضمن فرقة او حلقة من صبيان او فتيات جيله يقومون بأعمال وألعاب مشتركة. واذا عكس له كتاب القراءة علاقات الصحبة هذه في لغة تعليمية ينكب على التعلم بشغف وسرور. واوضحت السيدة فريجي ان تعليم القراءة يجب ان يكون محبّباً ينقل للطفل محتوى يغذيه في فكره وعاطفته وذوقه واجتماعياته. ان تعليم الحرف على طريقة ب فتحة بَ وب ضمة بُ حملة للطفل. وعلينا ان نساهم في نموه في شكل متكامل لا ان يتعلم اللغة من اجل اللغة او بترتيب ابجدي. ان المحتوى اللغوي يجب ان يرعى حاجات الطفل. واذا اصغينا اليه باكراً نسمعه يقول: اهتموا بحاجاتي الجسدية أولاً، بصحتي بغذائي، بحاجتي الى الهواء الطلق الى الحركة الى النظافة. اهتموا بتنمية حواسي بصراً، سمعاً، لمساً، شماً، وذوقاً. راعوا حاجاتي النفسية وتذكروا خمساً منها في كل ما تخططون وتكتبون: اولاً - حاجتي الى المحبة المؤمنة، المتأنية الصابرة المتفهمة اللائقة والى الشعور الاساسي انني خاص انني هام. ثانياً - حاجتي ان يكون بيني وبين كل من يمثل القانون في حياتي، بيني وبين السلطة علاقة احترام وثقة متبادلة بدءاً بامي ثم معلمتي ومديري، الى شرطي السير وغيرهم، انا بحاجة ان يكون بيني وبينهم علاقة ثقة واحترام متبادل. ثالثاً - حاجتي الى علاقة ايجابية مع الرفاق وان اتعامل معهم بمحبة وثقة وان اعمل معهم بنظام واحترام. رابعاً - حاجتي الى الحرية فكراً وقولاً وحركة حتى اثبات الشخصية. خامساً - حاجتي الى الثقة بالنفس. الى الشعور انني قادر وان ما يطلب مني استطيع تحقيقه ولو بعد محاولات. في كل ما تخططون وتكتبون تذكروا انني ما زلت في مرحلة الطفولة الباكرة: احتاج الى اللعب وسيلتي لنموي المتكامل جسمياً وفكرياً، عاطفياً واجتماعياً. احتاج الى الخبرات المحسوسة ركيزة للنمو الفكري واللغوي. الى الموسيقى تذوقاً وتعبيراً، الى الادب، الى الشعر، الى الحكاية والتمثيلية... في هذه المرحلة اتعلم بالعمل، اتعلم معبراً، متحركاً. في عمر الست سنوات تبدأ معي "المرحلة المجتهدة" 6 الى 12 عاماً، لانني استطيع التركيز الفكري اكثر من قبل. وقد هدأ النمو الجسمي نسبياً. احب جمع الاشياء وتصنيفها واحد اتقان الخبرات والمهارات فأحيطوني بخبرات حية متنوعة تشفي غليلي الى الاكتشاف وتدربني على مهارات البحث وتدوين الملاحظات. اليوم لديكم الفرصة الذهبية لتنمية "الاسلوب العلمي" فلا تدعوها تضيع. علموني التدقيق بالحقائق والاحاطة بموضوع ما من كل جوانبه قبل الوصول الى استنتاج فكرة وتقلبها. علموني ان افسح في المجال لآراء غيري وافكارهم والاقناع بأن هناك اكثر من رأي صائب. بكلمات اخرى، غيروا المناهج والاساليب المتبعة التي تتصف بالكلامية والحشو وتركز على الكم والمعلومات اكثر من الكيف والأسلوب. انا في بداية مرحلة تحتاج الى التفاعل مع البيئة وما تشمله من اصحاب، من شجر وطبيعة، من معالم حضارة وعمران في هذه المرحلة، تنمو في روح الفريق ومهارات العمل مع الآخرين... فاستفيدوا من فرصة ذهبية ثانية لتنشئتي على القيم والمهارات الديموقراطية. اطالبكم بتغيير التركيبة الحالية في الصفوف المتصفة بأجواء التسلط والمنافسة الفردية للوصول الى العلامات العالية. احتاج الى اساليب ديموقراطية تربيني: ان احترام غيري واحسن الاصغاء. ان ارفع يدي لأساهم في الحوار ولأفتش عن فكرة جديدة لاغلب غيري في الصف. كيف اختار... كيف اقرر، كيف اختلف بالرأي واحترم رأي الغالبية. كيف انجز اعمالاً مشتركة. كيف اتنافس مع نفسي ومع الفريق. ووضعت السيدة فريجي سلسلة قصص للاطفال تروي غليل الطفل في حبه "للحدوتة" وتقول عن نفسها ان للقصة تأثيراً عميقاً في داخلها بدأت من طفولتها مع "الخبريات" الحلوة وحكايات الاشعار والامثال. واسباب شغفها بقصص الاطفال تعود الى الاسلوب الجذاب الذي كان يستخدمه والدها المحامي نسيم أيوب لرواية القصص لها ولأخوتها عندما كانوا صغاراً. وكان يركز على معاني الاجتهاد والسعي ثم المكافأة لا الحظ او خاتم شبيك لبيك عبدك بين يديك. وكذلك حفرت في نفسها حكايات عمتها المربية البيروتية الشهيرة زاهية أيوب التي اسست في الاربعينات مدرسة حملت اسمها، ولا تزال موجودة حتى اليوم. وتعترف السيدة فريجي بفضل عمتها عليها في محبتها للغة الأم، وهذا ما جعلها تضع كتب القراءة والقصص بمنهجية جديثة رائدة. كانت تقول لها "التربية ليست تعليماً وحشواً. عليك ان تتركي اثراً مكتوباً يحبب الاطفال بلغتهم الأم". وهكذا كان، وقد نسجت السيدة فريجي على نول اللغة بنية تربوية اساسية للاطفال لا تزال تعمل على تطويرها لتلائم حاجات الطفل والعصر. وهي مؤمنة ان اللغة ستستمر في النمو ما دام هناك مربٍ يعطي من قلبه، وطفل يتعلم بفرح وحيوية وأمان.