أجواء دمشقية ونقاشات متنوعة يشهدها "مكتب عنبر" في دمشق بعدما تحول الى مكان يستهوي فئة من المثقفين الذين استغنوا عن اماكنهم في المقاهي كالهافانا والشام ليصبح هذا القصر الاثري الى قصر للثقافة بقرار من وزارة الثقافة يجتمع به المثقفون والصحافيون ويتبادلون الاراء والاحاديث مع تناولهم لفنجان من الشاي او القهوة وبعض المأكولات الشعبية الدمشقية المعروفة. وينضم "مكتب عنبر" الى الموضة التي اكتسحت المدينة القديمة في الآونة الاخيرة وهي تحويل البيوت الدمشقية مثل "بيت نظام" و"بيت جبري" و"بيت السباعي" الى مطاعم او مقاهٍ بسبب ما شهدته هذه الظاهرة من اقبال سياحي داخلي وخارجي عليها، نتيجة حفاظها على طابعها العمراني القديم والفريد منذ قرون عدة وفي شكل يتلائم مع البيئة والمناخ ويتوافق مع العادات والتقاليد ويحافظ على التعاليم الروحية والدينية. وتتميز هذه البيوت بطرازها الدمشقي المعروف ذي المظهر الخارجي البسيط ككل بيوت دمشق الذي يخلو من الزينات والزخرفيات الا من بعض المشربيات والبروازات الصغيرة، فيما يتحول داخله الى قصر حقيقي مفعم بالحركة والزخارف ومشبع بالالوان الشرقية الحارة التي تبعث الشعور بالدفء في ظل اللمسة الانسانية التي تطغى على جميع عناصر البيت. ولمكتب عنبر تاريخ نضالي وثقافي معروف ضد المستعمر العثماني ومن بعده الفرنسي اذ يعتبر اول مدرسة ثانوية رسمية واقدمها في دمشق. ومنه تخرج اهم الرموز الثقافية التي احتضنها وخرّجها جودت الهاشمي وعبدالقادر المبارك ومحمد البزم وغيرهم ممن ساهموا في مسيرة الثقافة السورية في شكل فاعل. ويقع "مكتب عنبر" وسط مدينة دمشق القديمة الى الجنوب الشرقي من الجامع الاموي والى الشمال الشرقي من تلة السماكة اعلى تلة في المدينة القديمة ويتوسط مجموعة من الاسواق الدمشقية القديمة التقليدية مثل "مدحت باشا" و"البزورية" و"قصر العظم". وهو يتألف من ثلاث فسح رئيسية هي "السلاملك" و"الحرملك" و"الخدملك" ويضم نماذج من البحيرات الدمشقية والفسقيات كما ان غرفه تضم الكثير من المصبات الرخامية النادرة. وكغيره من البيوت الشامية يعتبر "مكتب عنبر" متحفاً مليئاً بالحياة والاجواء السحرية التي تعود الى تراث الماضي القديم وهو صمم باسلوب هندسي يدل على رفعة فنون العمارة الشامية الممتدة جذورها حتى القرن الاول قبل الميلاد. ويضم في الفسحة الوسطى "الحرملك" ورواقين شمالي وجنوبي منفذين بأعمدة الرخام المزخرفة بالزخارف النباتية البديعة كما يضم الكثير من الكازيات الحائطية او المشاكاة. وتقول الرواية التاريخية انه عندما تسلم زعماء "الاتحاد والترقي" الحكم في اسطنبول بدأوا تنفيذ سياسة التتريك التي غدت اللغة التركية معها اللغة الرسمية في جميع دوائر الدولة ومؤسساتها وفي طليعتها "مكتب عنبر". وبعد الاستقلال كان "مكتب عنبر" في طليعة المؤسسات التي عُربت واطلق عليه "مدرسة التجهيز" و"دار المعلمين" بدلاً من "سلطان مكتبي" وبذلك اصبح المدرسة الاولى الرسمية في البلاد وطلابه لم يعقدوا اي هدنة مع الاستعمار. وعام 1953 ارتأت وزارة الثقافة انتقاء مجموعة من المدرسين المؤقتين لتأهيلهم كمعلمين اختصاصين فأحدثت صفّاً سمّته صفّ المعلّمين العالي وجعلت مقره "مكتب عنبر" وفيما بعد قررت الحكومة جعل البناء قصراً للثقافة العربية