عندما يضع جون وايت باروكة شعر ذات خواتم ليلية مجعدة على رأسه تتغيّر شخصيته الهادئة "عادة انا بالغ اللطف ومتسامح، لكن عندما ارتدي ثياب امرأة اصبح اقرب الى شخصية جون كولينز". والمعروف ان جون كولينز من النوع القططي ذي المخالب الخادشة! ويضحك جون 44 سنة مضيفاً بطريقة تخلط بين السوقية والارستوقراطية في مزيج عجيب: "وعندئذ لن اكون البنت التي تحب مصادقتها". في النهار جون وايت استاذ علوم اجتماعية، وفي الليل وخلال عطلة الاسبوع يصبح امرأة بالغة الاناقة لن يتمكن عابر السبيل في نيويورك من فك رموزها. ذلك ان الست جون تلميذة نجيبة في معهد "التخرج النهائي للفتيان الذي يريدون ان يكونوا فتيات". وللمعهد القائم في منطقة مانهاتن عميدة تدعى فيرونيكا فيرا شعارها "فكّروا باللون الوردي". والمعنى المقصود وراء التفكير الوردي مرتبط برمزية انتمائه الى الجنس اللطيف وخصوصاً الجانب الارق منه اي الفتيات الصغيرات. وتطلق الآنسة فيرا لقب "البنات" على تلاميذها بمن فيهم الاناث بالولادة مثل الآنسة فيكي مساعدة مزين الشعر، ومديرة الشؤون المنزلية الآنسة دانا، ومديرة شؤون الاحذية الآنسة تايغر، ومديرة شؤون الرقص الآنسة ماريا، وهي ايضاً مسؤولة عن الماكياج. عندما زرنا المعهد كان جون يخوض احدى اهم تجاربه الامتحانية لدخول مرحلة "الآنسة مستوى" وفيها يبرهن عن قدراته على النزول من السيارة من دون ان يظهر الكثير من ساقيه ويرتدي، وحده، صدرية محشوة بالمطاط، ويضع احمر الشفاه والماكياج والرموش الاصطناعية والباروكة، ثم ينتعل الكعب العالي ويركع امام تمثال مذهب لافروديت رمز الانوثة ويردد وراء الآنسة فيرا قسم الانتماء الى عالم الاناث... الوردي: "انني اتعهد بتحرير كل طاقاتي النسائية المختزنة في داخلي. واضع ثقتي بالآنسة فيرا وسائر المسؤولات عن المعهد واشكر نفسي لأنني منحتها هذه المكرمة". ويتنهد جون وهو يرتقي السلم الانثوي خطوة صعبة بعد خطوة اصعب: "انه لأمر شاق ان يتحول المرء امرأة وفي تلك اللحظة كانت الآنسة فيرا تساعده في ربط المشد حول خصره. ومع ان جون يفضّل ارتداء الفساتين السوداء كونها تظهره اكثر نحولاً، الا ان الآنسة فيرا راحت تفتش في سلسلة الالوان المشمسة المعلقة في خزانة المعهد الى ان عثرت على قميص حمراء حريرية وتنورة وردية "أمرته" بارتدائهما. وقالت: "ان ما يبدو جميلاً في مخيلة احد التلاميذ ليس بالضرورة صالحاً لابراز شخصيته الانثوية الدفينة". واضافت: "يحب الرجال عرض سيقانهم، لكن ذلك اقرب الى الممكن لدى ارتدائهم تنورة متواضعة. من جهة اخرى صدر الرجل اعرض من وركيه، فبدلاً من ارتداء تنورة سوداء وقميص ابيض، كما قد يخطر لأمرأة عادية مدركة اهمية التركيز على الجزء التحتي من جسمها، نفعل العكس. لدينا قوانين ضد الميني جوب وضمادات الاكتاف". ويقول جون انه التحق بالمعهد بناء على اقتراح زوجته لأن ذلك يساعده على الخروج عن خجله، اما امه فإنها لا تأتي على ذكر المسألة "لكنها تصلي من اجلي". ويضحك جون مضيفاً: "وبالطبع لا استطيع ان اتحدث في الامر امام الآخرين، لأن ذلك يضر بمهنتي، فأنا مدرس بعد كل شيء". للوهلة الاولى لا يشعر زائر المعهد بتفاصيل الجو العام كالديكور والاكسسوار ومدى تأثيرها على نفسية "الفتيات". الا ان المكان مغرق في التمظهر الانثوي ابتداء من لون الجدران الوردي بالطبع وانتهاء باللوحات والمناشف المعلقة في الحمامات مستعارة من الدمية باربي ناهيك عن الاغاني المبثوثة عبر مكبرات الصوت، وكل ذلك تقول الآنسة فيرا "من اجل ان تشعر الفتيات بالانضواء الوجداني والانتماء الروحي الى المكان". لكن بعيداً عن الروحانيات والوجدانيات لا يبهجنا إعلام الميالين الى ارتداء الثياب النسائية من ذوي الدخل المحدود، ان انتماءهم الى معهد مانهاتن "خراب بيوت". فالدروس المتنوعة تكلف بين 725 دولاراً و3250 دولاراً زائد المصاريف. ويكفي النظر الى ارقام الالتحاق بالمعهد لنكتشف نخبويته الاكيدة، فخلال 8 سنوات منذ تأسيسه التحق به خمسمئة تلميذ معدل اعمارهم 40 سنة. "في مثل هذه السن" تقول الآنسة فيرا "يتقبّل الرجال ميلهم الى ارتداء الملابس النسائية. الاصغر سناً يخالجهم الشعور ان ذلك الميل سيزول مع مرور الوقت". الآنسة ماريا تقول انها تفضل تجميل الرجال على النساء. "لأن الرجال يظهرون دهشة مميزة لدى رؤية النتائج، علماً بأنهم كثيراً ما يطرحون مئة سؤال في الدقيقة طالبين معرفة كل التفاصيل. ويروي جون، على حدة، انه في صغره كان يرتدي ملابس شقيقته سراً، "كنت اخاف المساس بثيابها النظيفة لئلا تكتشف ذلك اذ لم أكن اعرف كيف اعيد طيها، ولذا كنت اجرب الملابس المتسخة في الحمام. والواقع انني امضيت سنوات طويلة وانا افكر بأنني سأتجاوز هذا الهوس، حتى بعدما تزوجت واصبحت اباً. لحسن الحظ ان زوجتي تفهمت الموضوع ودفعتي الى التعبير عن نفسي بصراحة".