ينظم معهد العالم العربي في باريس معرضاً عنوانه "غزة المتوسطية" من 21 أيلول سبتمبر الى 12 تشرين الثاني نوفمبر 2000، يهدف من خلاله إلى تقديم نتائج آخر عمليات التنقيب عن الآثار التي بدأت في غزة منذ عام 1994. وتأتي هذه التظاهرة نتيجة لاتفاق التعاون الفرنسي - الفلسطيني الذي سمح، للمرة الأولى منذ الانسحاب الإسرائيلي، لفرق من المختصين من المدرسة التوراتية الفرنسية في القدس والمركز الوطني للأبحاث العلمية ودائرة الآثار الفلسطينية أن تقوم ببعثات تنقيبية أدت الى اكتشافات مهمة في أربعة مواقع على أطراف مدينة غزة. وربما كانت أجمل المكتشفات هي قطع الفسيفساء البيزنطي برسومها التي وجدت في دير هيلاريون في نصيرات وفي مجمع كنسي في جباليا. وأكثر هذه القطع أهمية يخضع الآن لعملية ترميم في مدينة آرل الفرنسية التي ستستقبل بدورها معرض "غزة المتوسطية" في متحفها في الأشهر المقبلة بعد تقديمه في المعهد. وإذا كانت الأطلال التي اكتشفت حديثاً في تل سكن تدل على أن تاريخ غزة يعود على الأقل الى العصر البرونزي 3000 سنة قبل الميلاد فإنها تشهد أيضاً على الحضور المصري فيها من جهة وعلى اهتمام الفراعنة الأوائل بموقعها الاستراتيجي المتميز كنقطة اتصال بين القارتين الافريقية والآسيوية من جهة أخرى. وتؤكد القطع المعروضة هنا للمرة الأولى والتي تعود الى العصور اليونانية والرومانية والبيزنطية والإسلامية الدور المهم الذي مارسته هذه المدينة عبر التاريخ على ملتقى الطرق التجارية. كانت غزة الكوسموبوليتية المفتوحة على البحر المتوسط كله نهاية طريق البخور، وما كان يمكن لبترا الشهيرة آخر محطة قبل البحر أن تزدهر لولا هذه المدينة البحرية. كانت غزة أيضاً مرحلة أساسية في الطريق البحرية الرومانية حيث تمر أفاويه اليمن الى الضفة الأخرى من المتوسط. وقد اشتهرت غزة، الأرضُ الخصبة والواحةُ على حافة البحر، بوفرةِ حدائقها واتساع كرومها وجودة خمورها التي كانت تصدر الى حوض المتوسط كله. يضم المعرضُ، إضافة الى الشهادات الأثرية، صوراً قديمة وحديثة وتحقيقات مصورة بالفيديو ووثائق مختلفة تربط ماضي غزة بواقعها التاريخي والجغرافي اليوم، وذلك سعياً الى مشاركة الجمهور في التجدد الذي تعيشه هذه البقعة من أرض الشرق الأوسط إثر التطورات السياسية الأخيرة.