"أشعر وأنا أغادر نحو الأولمبياد العاشرة في حياتي... انها الاخيرة"، هكذا قال البشير المنوبي عميد المصورين التونسيين ورمز تونس الدائم في الدورات الرياضية الدولية قبل مغادرته نحو سيدني. والعم بشير كما يحلو للتوانسة مناداته هو الأب الشرعي ل"الصورة" الرياضية في البلاد، ومن مختبره وحانوته في احد شوارع العاصمة تخرجت اجيال عدة من المصورين الرياضيين في تونس. لكن الاهم ان شهرة العم بشير تجاوزت آفاق المحلية والاقليمية واصبح رمزاً لبلاده في الاولمبياد والاحداث الرياضية العالمية. ولم يرتد المنوبي في جولاته الرياضية الكثيرة الشاشة التونسية الحمراء ولا الجبة وهما من اللباس التقليدي التونسي، بل ان كانت القبعة المكسيكية الكبيرة هي رمز أشهر مصور عربي رياضي. ويحتفل العم بشير بعيد ميلاده السبعين في سيدني، وبين رحلة العقود السبعة والبدايات من باب سيدي سعدون في اطراف العاصمة التونسية تمكن باصرار شديد ومكابدة ومعاناة ان ينحت عبر الصورة مسيرة خالدة لم تخلف له سوى "شهرة" محلية وعالمية وأمراض عدة وحاجة مادية وهو الذي لا يملك بيتاً الى يومنا هذا. من زقاق "ابن خلدون" عرف المنوبي طريقة نحو الصورة من خلال الشاشة الكبيرة حيث كان يصور ملصقات الافلام السينمائية وأبطالها وأبرزهم آنذاك آل كابوني وجورج دوف وزورو ويبيعها للاطفال في الاعياد وشهر رمضان المعظم. وبدأت رحلته مع الصورة في بداية الخمسينات في محلة باب الخضراء حيث الحركة الاقتصادية والثقافية والرياضية، وخصوصاً في عالم الملاكمة فهذه المحلة إضافة الى محلة باب سويقة كانت قبلة الملاكمين التونسيين في بداية الاستقلال عام 1956 وقبله سواء كانوا مسلمين او يهود. ويبدو ان العم بشير لم يستطع مقاومة اغراءات "الفن النبيل" فكان مصوراً في النهار يعمل لديه 35 "صبياً" هم اليوم قادة المصورين في البلاد وملاكماً في المساء من الوزن الخفيف وتحصل على بطولة تونس، لكنه في الاخير اختار التصوير. وتعد مهنة التصوير في تونس في بداية الاستقلال، ومعها المهن الثقافية الاخرى مثل التمثيل والغناء من المهن التي ينظر اليها بنوع من الازدراء بمعني انها "مهنة من ليس له مهنة"، لكن العم بشير استطاع بحسه التصويري ان يبتكر صورة تجلب اليه الانظار وتوسع "تجارته" ويصبح ذا علامة تجارية متيمزة، فضمن زيه المهني، إضافة الى القبعة المكسيكية، شعارات تمثل كل الدورات الرياضية المحلية والعربية والدولية التي حضرها لتزين لباسه من اخمص قدميه الى حاملة مصورته. وفي الحقيقة، ان الجيش التونسي كان في عقد الستينات مدرسة تخرج منها ابطال الرياضة التونسية لعل اشهرهم العداء محمد المقودي الحاصل على الذهب في اولمبياد طوكيو 1967، والجيش التونسي هو الذي منح المصور البشير المنوبي تذكرة العالمية بضمه للوفد الرسمي لمنتخب ألعاب القوى الذي يضم القمودي لتنطلق رحلته نحو العالمية. ومن ألعاب المتوسط 1953 الى سيدني 2000، تمكن العم بشير المنوبي من زيارة كل الدنيا وهو يتمنى ان يجيء اليوم الذي يصلي فيه في القدس.