قبل خمس سنوات او نحوها، خطف شريط "البالون الأبيض" أنظار محبي السينما، اذ جال على أكثر من مهرجان عالمي وظفر بأكثر من جائزة، لكن اسم مخرجه بقي مجهولاً الى حد ما. اليوم سيعرف الجميع ان العمل الجديد للايراني جعفر بناهي، "الدائرة"، كرسه كأحد الأسماء التي لا يمكن نسيانها عبر فوزه بجائزة "الأسد الذهبي" لأقدم تظاهرة سينمائية أوروبية، الا وهي مهرجان البندقية السينمائي. فها هو يضيف اسمه وبقوة الى أسماء أترابه ومواطنيه، أمثال عباس كيارستمي وسميرة مخملباف ووالدها محسن، ومجيد مجيدي وأبو الفضل جليلي ورخشان بني اعتماد... ويضيف جائزة مهمة الى رهط الجوائز التي حصلت عليها هذه السينما. ومثل هذه الجائزة يتجاوز الاعتبارات السياسية والديبلوماسية لمثل هذه المشاركات، كونه يُمنح أساساً لنص سينمائي يحتفي بالحياة ومضامينها الانسانية. ولئن كان من خط واضح تلتقي عنده السينما الايرانية، فهو ذلك الذي يبرز الهاجس اليومي في أقصى حدوده، ويقف على نصل حاد بين القيم الأخلاقية والفنية، من دون الوقوع في المباشرة والابتذال او الدعاية. وعند هذه النقطة يساجل الفيلم الايراني، ويحقق حضوره القوي في هذه التظاهرات، ويجتهد في معالجة قضايا ربما عافتها السينما العالمية، تحت وقع النتاج الأميركي الكاسح للأسواق والأذواق. لا نقول جديداً ان كان شريط بناهي هو ما استقر عليه خيار لجنة التحكيم والنقاد، التي كانت بين أعضائها مواطنته الشابة سميرة مخملباف، والكاتب المغربي الطاهر بن جلون، كونه ضرب على وتر قضية المرأة. فهو يعرض لحالات ثماني نساء ابتلين بمشكلة التابو الاجتماعي الذي يقمع كينوناتهن. انها "دائرة" قاسية لا فرار من الزاميتها ولا أمل بالخروج من محورها المقيد برسم الاعتبارات الاجتماعية والتقليدية... وهذه الشفافية في طرح موضوع حياتي هي وراء هذا الاعتراف. فالسجينة باري تتبرأ منها عائلتها بعدما افتضح أمرها بحمل غير شرعي من دون تمكنها من تدارك الفضيحة والتخلص من إرثها. والشابة ازيزو تفقد الأمل بالتواصل مع الحياة على رغم ان اسمها يشي بالأمل. ومثلها سالماز تضيف بلاء آخر الى وجودها الأنثوي عبر انجابها لطفلة. وعلى هذا المنوال تتكرر لعبة الدائرة المستحكمة بمصائر النساء في بلد بناهي. لكن السؤال، هل من خلاص؟ وهل الخلاص الأوروبي هو الحل؟ فايران اليوم ليست بالضرورة ذلك البلد الذي عرفه العالم قبل عقدين. ولنا في وجود اولئك النسوة المتشحات بالسواد يجبن جزيرة الليدو، شأنهن شأن من خطف أنظار جمهور هذه الاحتفالية، أمثال العارضة الالمانية كلوديا شيفر. وحتى عندما تسلم جعفر بناهي جائزته، بدا كأنه خرج عن تقليد مسلّم به، اذ ظهر بملبس أقرب الى روح هذه الاحتفالية وأجوائها، والدليل ربطة العنق غير المحبذة في ايران. سيعود بناهي الى بلده ومعه اعتراف فني لاشتغالات سينمائية هادئة، لا تتوارى وراء التاريخ وحكمه الكبيرة، بل سينما تجتهد في التقاط نثار الحياة اليومية وتجد مادتها الفيلمية من دون غضاضة البحث عن نص روائي مفخّم. ولئن خطف بناهي أسد البندقية، فإن مواطنته مرضية مشكيني كانت مفاجأة الدورة السابعة والخمسين بحق. اذ دخلت هذه المخرجة، وهي الزوجة الثانية للمخرج محسن مخملباف، عالم الإخراج بشريط كان مثار الإعجاب والثناء النقديين، كما وصفته الصحافة البريطانية فقدّمت عبر فيملها "يوم اصبحت امرأة" معالجة تهكمية لا تخلو من النقد لما تتعرض له ابناء جلدتها. ففي لقطة مُعبّرة نتابع سباق في الدراجات حيث تتعرض احدى المتسابقات الى مضايقات وتهجّم الرجال لثنيها عن الاستمرار في قطع المسافة المطلوبة. هل من حصة للعالم العربي في وجبة الجوائز في مهرجان البندقية؟ الشاب التونسي، الفرنسي المولد، عبد الكشيشي فاز بجائزة العمل الإخراجي الأول وقيمتها مئة الف دولار عن شريطه "انه خطأ فولتير". وثمة تنويه منحته لجنة التحكيم للممثل والمخرج المغربي فوزي بنسعيد عن شريطه "مسافات".