من الجميل أن نرى لاعباً عربياً يلعب في الدوري الانكليزي، والأجمل أن يوجد ثلاثة لاعبين عرب في مباراة واحدة مع فريقين من درجتين مختلفتين تؤازرهم الجماهير الانكليزية وتصفق لهم وتحثهم وتشجعهم. وكان وجود النجم السعودي سامي الجابر مع وولفرهامبتون والمغربيين حسن كشلول وطاهر الخلج مع ساوثهامبتون بمثابة انتصار عربي في المدرسة الأم لكرة القدم... ولم يتمكن المرء من جمح أحاسيسه العاطفية حين تعانق اللاعبون العرب مهنئين أنفسهم بعد صافرة النهاية، لأن ذلك اكد ان العروبة هي احساس وليست مجرد شعار. هذا كان حديث القلب والعاطفة... لكن حديث العقل يختلف باختلاف الواقع، فماذا عن فرص نجاح وتعاقد نجم الهلال السعودي "الثعلب الأزرق" مع فريق "الذئاب" أو مع "وولفز" صاحب الفانلات الذهبية؟ وعلى رغم ان الجابر لعب مباراته الثانية مع ولفرهامبتون، واحرز هو هدفي فريقه في مرمى وسترتاون هواة في المباراة التي انتهت بالتعادل 2-2، لكن وضعه مع الفريق الانكليزي لا يزال معلقاً، واتخاذ قرار بانضمامه لن يكون سهلاً. لو كان الجمهور هو صاحب القرار لوقّع الجابر بأي ثمن يطلبه الهلال... ولو كانت المهارات الفردية هي الحكم، لانضم إلى أحد الفرق الممتازة، لكن في عالم كرة القدم يملك القرار شخص واحد يكون في العادة مدرب الفريق، كما هو متعارف عليه في انكلترا، أو رئيس النادي وصاحبه في بعض الأندية الايطالية والاسبانية، وأياً كان صاحب القرار، فهو له رأيه الخاص ونظرته المستقلة. ومن خلال ما دار من حديث مع مدرب وولفرهامبتون كولين لي الذي ينتظر قراره الآلاف من محبي الجابر والهلال، ظهر في ما بين سطور تصريحاته، وعلى رغم إشادته بمهارات النجم السعودي وذكائه في اللعب، ان اقتناعه باللاعب غير مكتمل لأنه انتقد بعض تحركاته من جهة "تمركزه بظهره إلى المدافعين وتعرضه للإعاقة بسهولة"... ومع تحفظه على الإشارة بحظوظ التعاقد مع الجابر، خصوصاً انه يحتاج من لاعب يكلفه مبلغاً مكوناً من 7 أرقام، المساندة الدفاعية ومساعدة خط الوسط في صد هجمات الفريق المقابل، ثم السعي الدائم إلى الحركة والجري لمضايقة المدافعين، فضلاً عن تعزيز القوة الجسدية لمقاومة الخشونة لفترة أطول، هذا بالإضافة إلى تسجيل الأهداف وصنعها. هذا ليس غريباً في الدوري الانكليزي، لأنها الوتيرة المتعارف عليها، خصوصاً في الدرجات ما دون الدرجة الممتازة، ولن يصبح اللاعب عموماً، والمهاجم خصوصاً، لاعباً جيداً إلا إذا كان يملك كل هذه المقومات بغض النظر عن مهاراته الفردية التي ستكون في هذه الحال ثانوية، علماً أن هذه النظرية اشتهرت بها الكرة الانكليزية، ولاقت نقداً أجنبياً لاذعاً في السنوات الأخيرة، محذراً من انعكاساتها السلبية على المنتخب، وهذا ما وضح جلياً خلال النهائيات الأوروبية. ويتفق الكثيرون من متابعي الدوري الانكليزي، بكل درجاته، ان الدرجة الأولى هي الأصعب، ولأن لاعبيها يخوضون مباريات أكثر بجهد أكبر، وهو ما لا يناسب الجابر الذي أبدى دهشته لشعوره بالاجهاد بعد اللقاء أمام ساوثهامبتون ولكنه نسي أنه لم يتوقف عن الركض طوال ال90 دقيقة التي لعبها. وسيلقى الجابر، وأمثاله ممن يتميزون بضآلة الجسد والسرعة والمكر، معاملة خاصة من مدافعي الفرق المقابلة التي لن تخلو من الخشونة المتعمدة والمضايقات المستمرة، وذاق الجابر بعضاً من هذه المعاملات من المغربي طاهر الخلج الذي لم يتوقف إلا عندما لفت مدربه غلين هودل انتباهه إلى أن اللقاء ودي. ومن الملاحظ ان النجمين مايكل أوين ليفربول واللاتفي ماريان باهارز ساوثهامبتون وهما يتمتعان ببعض المقومات التي توجد في الجابر كضآلة الحجم والسرعة والمكر، غابا لأسابيع وأشهر طويلة في العامين السابقين بداعي الإصابة، ما يعكس حجم الخشونة التي تعرضا لها. خلاصة القول ليس ان الجابر لا يصلح لأن يكون لاعباً في الدوري الانكليزي وإنما الكرة الانكليزية هي التي لا تصلح لمقومات الجابر، خصوصاً دوري الدرجة الأولى على عكس الكرة الايطالية او الاسبانية لأنهما تسمحان لأصحاب المواهب والمكر والخداع بالبروز من دون مضايقات على الطريقة الانكليزية. وفي حين ينتظر الجميع إعلان قرار ضم الجابر من عدمه في أي لحظة، فإنه على الأرجح ان "الثعلب الأزرق" لن يصبح "ذئباً ذهبياً".