سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قراءة في كتاب لسفي ريخلافسكي . إتجاه "يهودي" يحاول الهيمنة على إسرائيل لا يعتبر الأجنبي إنساناً وينظر إلى العماليق وروما وألمانيا وأبناء إسماعيل على أنهم الأسوأ
} صدر عام 1998 في تل أبيب كتاب "حمار المسيح"، وأحدث ضجة في الأوساط الدينية والعلمانية على حد سواء. فالمؤلف سفي ريخلافسكي يبحث في تاريخ فكرة المسيحانية اليهودية واشكال تطورها وصولاً الى اللحظة الراهنة التي بات فيها - كما يقول - الاتجاه القبالي المسيحاني المتطرف هو المهيمن على اليهودية المعاصرة وخصوصاً تلك الموجودة في اسرائيل، وهو الاتجاه الساعي للهيمنة على الدولة برمتها. ومهما يكن خصص المؤلف الفصل التاسع من كتابه لمسألة الغوييم الغرباء وموقف اليهودية، ممثلة بمفسريها وأئمتها ومفكريها وفقهائها، الأقدمين منهم والمحدثين، من اللايهودي. وتكمن الأهمية الاستثنائية لهذا الفصل، الذي يعالج قصة بالغة الحساسية، في انه يقع خارج مرمى اي اتهام بأنه جزء من الكتابات الصفراء اللاسامية ضد اليهود، لأن الكاتب يهودي وصهيوني واسرائيلي، ولأنه ايضاً اعتمد في ما كتبه على نصوص حرفية من أمهات المراجع المعتمدة في الفقه والتفسير اليهوديين. نقدم هنا عرضاً لأهم ما جاء في هذا الفصل. كانت مسألة الأجنبي الغوي من المسائل الشائكة والأكثر حساسية في الثيولوجيا اليهودية، سواء القديمة منها او الحديثة. فهذه المسألة كانت دوماً مشحونة بالانفعالات. ولأسباب تاريخية معينة اضطرت الثيولوجيا اليهودية ان تصيغ هذه المسألة برموز وكلمات لا يفهمها الا الراسخون في العلم. حاول التياران الثقافيان الرئيسيان في يهودية نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وهما حركة "حكمة واسرائىل" و"الصهيونية" ابراز الجوانب الايجابية من الموقف من "الأجنبي" والتأكيد عليها. وعلى أي حال كان هذا النهج هو المتبع لدى هاتين الحركتين في كل الأمور الأخرى من ناحية نهجها الانتقائي في تعاملها مع الموروث. وأسفر هذا الجهد عن شيوع اعتقاد ان اليهودية تتمتع بموقف ايجابي وانساني من الآخرين، وخصوصاً من خلال محاولة تعميمها للوصايا مثل "لا تقتل"، "لا تسرق" وأبرزها بصفتها وصايا عامة تشمل الانسانية برمتها. ولكن حقيقة الأمر غير ذلك ولا سيما في الثيولوجيا اليهودية الحديثة التي تؤمن بها غالبية اليهود في اسرائيل اليوم. فهذه الثيولوجيا تؤكد على خطوط أخرى مغايرة في الموروث الديني. وما يجعل لهذا الاعتقاد وهذه الثيولوجيا أهمية استثنائية في وقتنا الحاضر أنها ثيولوجيا تنطوي على قوة وتحمل "مسدساً" يجعلها قادرة على تطبيق ما تعتقد به. ولعلنا نعود الى أهم المرجعيات الدينية التي تؤمن بها اليهودية المعاصرة ونرى موقفها من الأغيار "الغوييم". لقد تقدم الرامبام اختصار الرابي موشيه بن ليمون، وهو من كبار أئمة الفكر والفقه اليهودي في مسألة الغوييم بفتوى: "لا ندفع ولا نرفع" ومفادها انه محظور على اليهودي ان رأى أجنبياً يغرق ان ينقذه، كما انه محظور عليه كذلك دفعه الى الماء ليغرق. وتبقى هذه الفتوى سارية المفعول في الظروف التي تكون السيطرة فيها للغوييم ويكون اليهود فيها اضعف من ان يدافعوا عن أنفسهم أمام انتقام الغوييم. أن يكون محظور على اليهودي ان ينقذ الغوي عندما يكون اليهودي في وضع قوة، فهذا امر محسوم، ولكن يبقى السؤال قائماً وهو في أية ظروف يجب دفعه الى الماء ليغرق؟ ونظراً للظروف التي كانت سائدة في زمانه، من حيث ضعف اليهود، اختار الرامبام القاعدة الفقهية الذهبية المألوفة في الهالاخاة والمعروفة باسم "من اجل السلامة" وهذا مصطلح حمال للأوجه ويحتمل اكثر من تفسير. ولكن فحوى هذه القاعدة الفقهية انه يجوز لليهودي في ظروف محددة ان يتصرف على خلاف النص الحرفي للشريعة من اجل سلامته وسلامة الطائفة. وانطلاقاً من هذه القاعدة يصبح ممكناً دفن أموات اسرائيل مع الغوييم - وهو الأمر المحظور شرعاً - من اجل السلامة وعدم استجرار رد فعل معاد من الغوييم. وعلى القاعدة نفسها يكون متاحاً لليهودي، من اجل السلامة، أن يهنئ الغوي في عيده.... الخ. سار ثيولوجيو اليهودية اليوم شوطاً أبعد في فهم مبدأ السلامة. فبالنسبة اليهم فإن الذي جعل ذاك المبدأ قائماً هو حال الضعف التي عاشها اليهود في المنفى مما استوجب ذاك التعديل الشرعي في اجازة ما لا يجوز، وهذه الحال لها اسمها الفقهي وهي "مبدئياً وظرفياً". فحيث انه لا يجوز مبدئياً دفن اموات اسرائيل مع الغوييم، الا انه يجوز نظراً للظرف المعطى، أي خوفاً من انتقام الغوييم. ومبدئياً لا يجوز للطبيب اليهودي معالجة الغوييم حتى وان كان في مقابل أجر، ولكن ظرفياً فإن ذلك جائز. وبالنسبة الى ابقاء الغوي في الأرض المقدسة، فإن الرامبام يفتي ان ذلك يجوز فقط ضمن ظروف خاصة وضمن اشتراطات تنفي اي شكل من اشكال المساواة بين اليهودي والغوي. والشرط الأول هو أن يلتزم الغوي بالفرائض السبع فقط والخاصة بأبناء نوح ولا يتعدى الى الفرائض الستمئة وثلاث عشرة التي تخص اليهودي، وذلك لأن مرتبة نفس الغوي أدنى من مرتبة نفس اليهودي نفسه. فعلى سبيل المثال فإن امرأة رجل آخر محظورة على الغوي، ولكن ابنته ليست محظورة، وكذلك فإن الرامبام والشريعة يحددان حكم الموت على كل غوي يلتزم بيوم السبت، لأنه يكون بذلك قد تعدى على فريضة "امرأة رجل"، ويوم السبت هو امرأة اسرائيل. والغوي الذي يلتزم بهذا اليوم يدنس قدسيته. كما لا يجوز للغوي ان يختار لنفسه يوماً آخر كيوم عطلة مثل السبت، وإن فعله فإن حكمه الموت. يقول الرامبام: "الغوي الذي يعمل بالتوارة وجب عليه الموت، والغوي الذي يتخذ لنفسه يوماً عادياً كيوم عطلة مثل السبت وجب عليه الموت". وعلى الغوي ان أراد البقاء في أرض اسرائيل أن يلتزم بالتنازل عن حقه في أية ملكية فيها مهما كانت وأن يتنازل عن حقه في امتلاك أرض في اسرائيل. وعليه ان يبدي الاستعداد ليكون حطاباً أو سقاء وأن يقبل دفع الضرائب الباهظة. وفي مثل هذه الظروف فقط يجوز ابقاء الغوي في أرض اسرائيل، ولكن كمقيم وليس كصاحب حق. وفقط مع غوييم يقبلون على أنفسهم هذه الشروط يجوز توقيع اتفاق سلام. وتضيف غالبية فقهاء ويهودية عصرنا انه لا يجوز له كذلك التصويت في انتخابات ديموقراطية، فما بالك في أن يرشح نفسه أو ان يعطى وظيفة أو منصب ما. فالقاعدة تقول: "لا تؤمر يهودياً عليك". والديموقراطية، على أي حال، ليست بالنسبة لليهودية الحديثة، أمراً جيداً بحد ذاته وكقيمة. ومن يتقبلها من الفقهاء واليهود المعتدلين انما يتقبلونها عملياً لا مبدئياً. ان الوصايا السبع الخاصة بأبناء نوح - غير اليهود - لا تسري في اسرائيل فقط. فعلى اليهود ان يقتلوا، في أي مكان لهم السيطرة فيه، أي يهودي يتمرد. وقد قال الرامبام: "أوصى موشيه ربابنتنا باسم الرب ان يخضعوا كل انسان للوصايا التي فرضت على أبناء نوح. ومن لا يقبل يقتل". وبحسب الرامبام فإن هناك وصايا ثلاثاً ذات أهمية قصوى تخص الغوييم وهي: 1- لا تظهر الاعجاب بالغوييم كيلا يظهروا جيدين وحسنين في أعين اسرائيل. 2- لا تعطف على الغوييم - لا ترحم أو تحسن الى الغوييم. 3- لا تعطي الغوييم مكاناً على الأرض. وفتوى الرامبام التي غدت قاعدة معمول بها هي الآتية: "لا تقطع عهداً مع عبدة الأوثان، ومحظور العطف عليهم، لأنه مكتوب لا تشفق. لذلك ان رأيت احداً منهم ضائعاً أو يغرق في نهر فلا ترفعه. واذا رأيته على وشك الموت لا تنقذه. وممنوع عليك معالجة عبدة النجوم ولو بالأجرة. ولكن ممنوع أيضاً ان تقتله أو تدفعه بيدك نحو البئر، لأنه ليس في حال حرب معناً". وطبعاً هذه التعليمات تسري فقط - بصفتها ملطفة - حينما يكون اليهود في حال ضعف وفي المنفى. لقد أصدر الرامبام ثلاث فتاوى تخص أرض اسرائيل ينبغي على اليهود القيام بها عندما يدخلون الأرض المقدسة، وهي: تعيين ملك، وابادة العماليق، وبناء القدس. وما زال النقاش دائراً اليوم حول ترتيب أولويات هذه الأمور الثلاثة. لقد قال كثر من أئمة القبالاة وبشكل صريح أن اليهود يمثلون زبدة الخليقة. قرر الرابي ابراهام اسحق هكوهين كوك، وبلغة بليغة وفصيحة الآتي: "ان الفرق بين النفس الاسرائيلية وجوهريتها وأشواقها الداخلية وطموحها وتميزها وموقعها وبين نفس جميع الغوييم على مختلف أصنافهم، لهو أكبر وأعمق من الفرق بين نفس الانسان ونفس البهيمة. فالفرق بين الانسان والبهيمة هو فرق كمي بينما الفرق بين اليهودي والغوي هو جوهري نوعي". أما المهرال فيقول في هذا الصدد: "كما توجد انواع وسطى بين الانسان وبقية الأحياء، كالقرد مثلاً، كذلك يوجد انسان ولكنه ليس ناجزاً. فالانسان الناجز هو اسرائيل فقط". ويضيف المهرال: "لا يطلق اسم الانسان على أمم العالم. وعبارة الانسان الذي خلق على صورته لا تشمل كل النوع البشري". وأيضاً: "يطلق عليكم أنتم اسم انسان، ولا يطلق على الأمم. أن منزلة اسرائيل ازاء الأمم مثل منزلة الأمم مقارنة بالحيوانات غير الناطقة". أما الرابي يهودا هاليفي فيقول رداً على سؤال سائل حول لماذا جاءت الأمم على شاكلة الانسان: "أو ليس أفضل ان تكون كل الحيوانات ناطقة؟ لقد تميز أبناء يعقوب عن باقي أبناء آدم بمزايا إلهية مما جعلهم وكأنهم جنس آخر، جنس ملائكي"، ويضيف موضحاً ان ثمة أربع درجات في الطبيعة، الجماد والنبات والحيوانات والناطقين، ثم تأتي فوقهم جميعاً الدرجة الخامسة الإلهية وهي اسرائيل. وهذا التوضيح الذي قدمه هليفي أصبح في جيلنا أمراً بديهياً لدى كل الثيولوجيا اليهود الجديدة، وهاكم ما قاله الراباد: "لأن الغوييم كالبهائم - شعب يشبه الحمار - فالرياح ستقذفهم بعيداً. ومن يضفي عليهم ايما قدر فإنما على الريح يقبض". ويكرر ما جاء في الجمارا: "انتم قطعان رعيتي الانسانية. أنتم تدعون انساناً. ولا تدعى أمم العالم انساناً". وعلى هذا النحو يجزم عظماء اسرائيل كالراباد والمهرال ويهودا هليفي بأن الغوييم ليسوا بشراً، وحيثما توجد فريضة موجهة للانسان فالمقصود بها اليهودي حصراً. يقول الرامحال: "تنقسم كل الخليقة الى نوعين - النوع الأول ويشمل كل الخليقة بأنواعها الدنيا المختلفة، والثاني وهو النوع البشري، أي اسرائيل الذين هم الجنس الآدمي عن حق". صدرت المشيئة الإلهية بحق الأمم لتبقى في مرتبة دنيا، وكان من الأفضل لها الا توجد. ولكنها وجدت على هذه الشاكلة لتكون جديرة بخدمة اليهودي. وفي تفسير للمشناة يوضح الرامبام لماذا يعفى الثور الاسرائيلي الذي ينطح ثوراً غوياً: "اذا حدثت مقاضاة لاسرائيلي مع غوي، ينبغي ان يكون القضاء بينهما على النحو الذي سأوضحه لك: فاذا كان قضاؤهم يبرئ ساحتنا فإننا نقضي بينهما وفق قضائهم ونقول هذا هو قضاؤكم، واذا كان الأفضل لنا استخدام قضائنا، نفعل هذا ونقول لهم هذا هو قضاؤنا. لا تستصعب الأمر ولا تتردد فيه تماماً مثلما لا تتردد في ذبح الحيوانات مع انها لم ترتكب أي رديء". ونقرأ في كتاب الزوهر Zohar: "لا يقال الا على اسرائيل لقب "النفس الحية" فهم وحدهم يملكون نفساً حية مقدسة. وبقية الشعوب انما هم بهيمة وزواحف ودواب الأرض. وهم ليسوا بذي نفس حية. بل انهم من قوى اليسار النجسين". وقد سارت القبالاة شوطاً أبعد في هذا الاتجاه، اذ بالنسبة اليها ينتمي كل الغوييم الى مملكة الشيطان. وكتاب الزوهر ينظر حتى الى الذين تهودوا أصولاً باعتبارهم أدنى روحياً من اسرائيل. ذلك ان الشرارة الإلهية التي بفضلها كان الانسان على صورة وشكل الرب غير موجودة الا في اسرائيل فقط، لأن الأخيرين، والرجال منهم تحديداً، هم الذين وجدوا في لقاء جبل سيناء، فنالوا الطهارة من دنس الأفعى التي هيمنت على الانسان منذ خطيئة آدم الأول. وبهذا فإن القبالاة فتحت في هذا التفسير الأبواب على جعل وصية "لا تقتل" و"لا تسرق" محصورة باليهود فقط. كما ترى القبالاة المسيحانية التي تؤمن بعودة المخلص اليهودي انه عندما يأتي المخلص فإن عالم الغوييم ككينونة مستقلة سيختفي أو يستعبد لاسرائيل. وبحسب آري فإن الغوييم أدنى من الحيوان الصالح للأكل، لأن حرقيال قال عنهم "وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومنيهم كمني الخيل". على أي حال، فإن الموروث الديني استند الى قصة التضحية باسحاق ليخرج باستنتاج شرعي يقول ان الشعوب شبيهة بالحمار حينما ذهب ابراهام ليقدم ابنه قرباناً، طلب من الغلمان بما فيهم اسماعيل البقاء والجلوس مع الحمير. وواضح ان العرب مقصودون هنا لأن اسماعيل بقي مع الغلمان والحمير. ان غالبية اليهودية الملتزمة المعاصرة تشرح الموروث الديني في مسألة الغوييم بالروحية السابقة. فجوهر الغوي جسد أثم، حمار دنس، والقليل من النفس الذي بحوزته خاضع كلية للدناسة الجسدية التي هي جوهرة الحقيقي، وتنأى به عن أن يكون جديراً بأن يدعى انسان. ومن هنا تقول صلاة الشكر اليهودية: "مبارك أنت لانك لم تخلقني غوييا". يرى الفكر اليهودي أن في الانسان مستويات ثلاثة، وأدنى مستوى هو مستوى الذات الموجود في كل كائن حي، ثم يأتي المستوى الأعلى أو درجة الروح ثم النفس التي يحظى بها اليهودي أساساً. وفوق الذات والروح والنفس هناك مستويات فريدة لا يفوز بها الا المنتخبون من اليهود. والغوييم ينقسمون الى أقسام فرعية بحسب درجة دناستهم وشيطانيتهم. والاسوأ فيهم هم العماليق. وروما وألمانيا هما مملكة الشر، ثم يأتي اسماعيل بعدهما. وطورت في اليهودية المعاصرة النظرة الى اسماعيل ورسم الصورة الوحشية له وأخذت تستعمل في القبالاة المسيحانية كمبرر للسيطرة على كل الأرض وتطهيرها من العرب الغوييم نسل اسماعيل، ومعارضة السلام معهم لأنه سيعيق الخلاص ويؤخر مجيء المخلص الذي بات يقرع الأبواب. ويعتقد القباليون المسيحانيون - تزايد عددهم وازدهرت حضارتهم في اسرائيل الآن - ان وجود الغوييم في أرض القدوس هو الذي يقف عائقاً أمام مجيء المخلص، خصوصاً انهم لا يقيمون في الأرض فقط، بل ولهم حقوق المواطن مع تمسكهم بدينهم الرديء. ان هؤلاء القباليين والمجتهدين، من مردخاي الياهو ودوب لينور والرابي كدوري ورابي لوبابيتش واسحاق غيونبورغ، والرابي يسرائيل ارينيل ويهودا عتصيون وآخرين، كلهم نقبوا في الأصول واستخرجوا منها نموذجاً واضحاً وصريحاً تتقبله الغالبية الساحقة من ربابنة العصر يقول بالموقف الناهض للغوييم وينقله من مجرد موقف الى فريضة يجب القيام بها. فبالنسبة لهم فإن "لا تقتل" و"لا تسرق". لا تنطبق الا على اليهود، لأن الغوييم لا يملكون نفساً، ويجب، من حيث المبدأ طرد هؤلاء الغوييم من البلاد، ولكن اذا كان هذا ليس في المتناول لأسباب ظرفية، فيجب ابقاؤهم في شروط بالغة الاذلال. وفي مسألة الاتصال الجنسي، فإن مجامعة الأجنبي لا تعتبر زنا، اذ مكتوب: "لحمهم كلحم الحمير، وبين البهائم لا يوجد زنا. فمضاجعة الغوي كمضاجعة البهيمة". وفي مسألة نجاسة الغوي: "ان قبور الغوي لا تنجس. ذلك ان جثة اليهودي تصبح نجسة لأنها تكون قد فقدت النفس الإلهية وقت الموت بينما الغوي لا يملك هذه النفس في الأصل. فهكذا فإن الغوي الذي يعتبر نجساً وهو حي، يفقد هذه النجاسة عندما يموت. تقول اليهودية ان في الانسان أجزاء ثلاثة: من الأم، من الأب، ومن الرب. وهذا ينطبق على اليهودي الذي هو انسان. أما الغوي فإن الجزء الذي يضاف الى جزئيه اللذين اخذهما عن ابويه فيأتيه من عالم الشيطان الدنس. فالغوي يفتقد الى صورة الرب. وتحدد الشريعة ان ذبح الغوي نجس. فالغوي يتحدر من سلالة قابيل الذي لم يكن ابناً لآدم الأول، بل كان ابناً للحنش بسمه وقذارته التي أدخلها الى حواء عندما أغواها بشأن التفاحة تعتقد التفسيرات اليهودية أن العلاقة بين الحنش وحواء طابع جنسي - م - . ومن هذا الاتصال الجنسي بين الحنش وحواء يأتي الغوييم. لذلك لم يكن جزافاً ان اكد الرابي كوك بلغة دقيقة في مرامزها أنه "من القابيلية - نسبة الى قابيل - الادعاء ان كل الشعوب متساوية مع اسرائيل وانه لا يوجد شعب وحيد مقدس. وهكذا من قابيل تتولد المسألة الأكثر تفجراً، وهي مسألة "لا تقتل" وعلاقتها بالغوييم فاذا كان القتل ممنوعاً، الا ان من يقتل غوياً لا ينفذ عليه حد الشريعة بالقتل كما ينفذ على من يقتل يهودياً. وعلى نفس الغرار يذهب دافيد كوخبي، اذ يقول: "لا يدعى قتلاً الا ما وقع على اسرائيلي، واذا وقع على احد الغوييم فلا يعتبر قتلاً". وكما هو معروف، فالعقاب في اليهودية يتماشى مع خطورة الجرم. فمن يضاجع عمته أو يدنس السبت بانقاذ احد الغوييم فحكمه الموت. ولكن من يقتل احد الغوييم فلا يحكم عليه بالموت، فهو لم ينتهك وصية "لا تقتل". طبعاً كل هذا حين لا يكون اليهود في حال حرب مع الغوييم، ففي وضع الحرب تصبح القاعدة النافذة هي: "الغوي الجيد هو الغوي الميت". تجدر الملاحظة هنا أنه يشار في جزء من الكتابات الى الغوييم بتسميات مختلفة، مثل عبدة الأوثان والسامريين والكنعانيين والحمر والشعوب السبعة، ولا سيما العكوميين وتعني عبدة الكواكب والبروج. ولكن لا داعي للخطأ هنا، فكل هذه التسميات انما تعني كل الغوييم. وكان الرامبام قرر أن تعريف "عكوم" يشمل كل المسلمين والنصارى. تقع الشريعة اليهودية في أيامنا تحت سيطرة الثيولوجيا المسيحانية التي يسعدها ان تطبق على أرض الواقع كل التشدد في النصوص التي تعالج مسألة الغوييم. ولكي نقف على نموذج صغير مما يشاع الآن على نطاق واسع في الصحف وفي مختلف وسائل الاعلام وفي المدارس الدينية، فما علينا سوى النظر الى صحيفة شاس "كل يوم"، ففي ملحقها للأطفال يرد الاقتباس الرئيسي من كبار اسرائيل: "انتم الانسان - اليهودي فقط هو انسان، والغوي ليس انساناً". وهذا يتكرر في كل الصحف ومحطات الاذاعة الدينية العديدة التي أخذت في الانتشار والازدهار منذ منتصف السبعينات، كما نجده في الأشرطة وفي كل الوسائل المتاحة لنشر نور اليهودية. اذاً، جردت يهودية عصرنا الغوييم من روحهم. ويبدو أيضاً ان الغوييم ليسوا وحدهم في هذه الخسارة. * كاتب سوري.