نال العراق استقلاله وانضم الى عصبة الأمم في تشرين الأول اكتوبر عام 1932 بعد أن كان تحت الانتداب البريطاني كأحد ثمار الحرب العالمية الأولى بعد احتلال الإنكليز لبغداد عام 1917، فالانتداب الذي كان من المفترض أن يستمر لمدة 25 عاماً، ليتعافى العراق خلالها وليتخلص من علله وتنتظم فتاته وتركيباته القومية المتنوعة وتتفق على أسس ثابتة في أسلوب الحكم الملائم والمنسجم مع متطلباتها. إلا أن الإنكليز آثروا أن يمنح العراق الاستقلال قبل الأوان، ويترك ليواجه مشكلات عالقة كثيرة من دون حل، مما أدخله في دوامة ضربت أسسه الحديثة التي هددت ولا تزال بنيانه ومستقبله السياسي بشكل كبير، كما هو واضح بعد مرور أكثر من 68 عاماً على استقلاله. دخل العراق العصبة محملاً بأعباء ثقيلة جداً ورثها عن العثمانيين. فطريقة الحكم ومعالجة الأزمات لم تتغير بتغير الحكومات، وإنما ظلت تمارس الأساليب القمعية ذاتها التي كان يتبعها العثمانيون في كبت تطلعات شعوبهم وثنيهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة. فالآشوريون دخلوا الحرب العالمية الأولى ضد الامبراطورية العثمانية وإلى جانب الإنكليز. ومع أنهم انتصروا في الحرب، إلا أنهم كانوا أكبر الخاسرين بسبب فقدانهم لإماراتهم المستقلة في منطقة أكاري، جنوبتركيا، وخسارتهم البشرية الكبيرة، وعدم حصولهم على أية مكاسب نتيجة خيانة الإنكليز لهم ونكثهم للوعود التي قطعوها لهم. تشكلت حكومة العراق بعد الاستقلال من أشخاص تعلموا في المدارس التركية وتأثروا بسياساتها المريضة والمتمثلة في القمع المنظم للأقليات وضرب كل ما هو مغاير لخططها وتوجهاتها الشوفينية. ... وجمع بكر صدقي الآشوريين في مدينة سميل، وأنزل فيهم المذبحة الشهيرة، في 7 آب اغسطس 1933، وقتل أكثر من 4 آلاف آشوري وهدم 70 قرية آشورية وسبى وشرد الآلاف. وكانت عمليات صديق تلك بداية لمهمات كبيرة أخرى، كما أعلن ذلك في إحدى خطبه. وقد تمثلت في ما بعد بعمليات قمع الثوار الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال. وقد تولدت لدى بكر صدقي بعد "الانتصارات" التي حققها دوافع قوية لتحقيق مآربه في السلطة، وخاصة بعد الحظوة العظيمة التي نالها لدى النخبة الحاكمة وبالتالي التأثير المباشر على الأحداث، فقام بأول انقلاب عسكري في تاريخ العراق والمنطقة في عام 1936، وهو الانقلاب الذي فتح الباب واسعاً أمام الانقلابات التي توالت ليس في العراق فحسب بل في المنطقة عموماً. تم استخدام الجيش العراقي في أول فاعلية قتالية في ضرب أبناء الوطن تلك العمليات العسكرية التي لطخت تاريخ الجيش العراقي الباسل، وتعتبر أول عمل قمعي منظم في تاريخ العراق والمنطقة عموماً. وهي البدايات التي أثرت بوضوح على أنظمة الحكم عموماً في المنطقة، والتي جعلت من القمع العسكري أسهل السبل المتبعة من أجل الحفاظ على بقائها على سدة الحكم والقضاء على أية تهديدات شعبية تحاول تغييرها. .... سركون بيت شليمون كاتب آشوري عراقي